الحل السوري على الطريقة الأستانية!!!

عندما يخرج علينا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قائلاً: “الحلّ السوري سيكون وفقاً لصيغة أستانا”, فعلينا توجّس الشرور من هذا الحلّ, لأن من خرج ضدّ نظام الأسد؛ ما اعتاد من الروس إلا الخيبات والخذلان, سابقاً اخترع لنا الروس في “أستانا” مصطلح “مناطق خفض التصعيد”؛ لنكتشف أنها مناطق تسليم وإعادة المناطق المحررة لعهدة ميليشيات النظام, أما بند فكّ

 الحصار عن المناطق المحاصرة؛ الوارد في القرار 2254، فقد فسّره الروس؛ على أنه اقتحام لتلك المناطق والسيطرة عليها, والبند الآخر من نفس قرار مجلس الأمن المتعلق بإطلاق سراح المعتقلين من زنازين ومعتقلات نظام الأسد، فسّره الروس والأسد؛ بأن يخرجهم من الحياة ويقتلهم لا أن يمنحهم الحرية.

لكن كي لا نذهب بعيداً، هل خطوات من تسيّد مشهد الثورة السورية تتعارض مع الطرح الروسي؟؟ وهل ما تقوم به تلك القيادات أو سُلطات الأمر الواقع من إجراءات وقرارات اتخذتها بعض مؤسسات الثورة تختلف عن توجُّهات الوزير لافروف أو تتعارض مع مخرجات أستانا؟؟ وهل وقف القتال على الجبهات رغم كل خروقات ميليشيات الأسد وحزب الله وإيران بعيدة عن رغبات موسكو؟؟

من خطوات الائتلاف الأخيرة؛ بتشكيل هيئة انتخابات في المناطق المحررة، إلى تعديل النظام الداخلي وسحب بند إسقاط النظام بكل رموزه ومرتكزاته من النظام الداخلي للائتلاف، إلى وضع المطبّلين للروس (الذين شكروا الروس بمؤتمراتهم الإعلامية وعلى رؤوس الأشهاد)، إلى وضع الأكثر تجاوباً مع تعليمات أجهزة الاستخبارات والسفارات ووزارات الخارجية الأجنبية في مفاصل الوفود …. أليست كلها إجراءات تمهيدية للحلّ على الصيغة الأستانية التي بشّر بها الوزير لافروف؟؟

ما كان مثاراً لسخرية الشعب السوري في (سوريا الأسد)؛ أن نتائج كل الانتخابات معلومة مسبقاً قبل الانتخابات، وكذلك أسماء الحكومة السورية وأعضاء مجلس الشعب؛ تكون معلومة قبل اختيار وتكليف رئيس الحكومة، وقبل توزيع الصناديق الانتخابية، وأن تحديد الأسماء لا يخضع لما تفرزه صناديق الانتخابات؛ بل تخضع لتوصيات وترشيحات خاصة من جهات نافذة أمنية أو سياسية، ومع ذلك وبنوعٍ من التحدّي كان يصرّ نظام الأسد على السير بتلك الطريقة بكل صلافة، اليوم تعيد علينا مؤسسات المعارضة نفس الأسلوب ونفس النهج.

فالتسريبات عن اجتماعات المؤسسات المحسوبة على الثورة تخبرنا أنه وبناءً على توصية الجهة الفلانية نفضل أن يكون فلاناً بالهيئة السياسية للائتلاف لأنه أكثر انسجاماً معنا, وبالفعل بعد أسبوع تجد هذا الشخص قد أصبح وبكل وقاحة عضواً بالمكان الوارد بالتسريب, ثم تتمّ دعوة شخص على عجل ويُطلب ضمّه لمؤسسة معارضة, ومن ثم يُطلب جعله بالهيئة السياسية؛ فتتمّ إقالة عضو من الهيئة السياسية فوراً ويوضع الوافد الجديد مكانه, ويصرّح هذا العضو الجديد لمقرّبيه وأصحابه أنه ذاهب للائتلاف ليس عضواً عادياً بل رئيساً قادماً له, وكل الخطوات التي قطعها حتى الآن تؤكّد ما قال.

مفرزات اجتماعات أستانا التي اكتوت منها مجنبات الثورة السورية وقلوب السوريين، ودفعت لها أثماناً باهظة بعد أن تخلّت فيها عن مناطق ومدن حُرِّرت بدماء السوريين، وأستانا لم تحمل للسوريين إلا النكبات والتنازلات، فهل يُعقل أن ننتظر منها حلاً يُنصف ملايين المهجّرين والنازحين وهي تضمّ الروسي والإيراني؟؟ أو أن نتوقّع حلاً (لافروفياً)؛ يُعيد ملايين اللاجئين والمشرّدين السوريين في بقاع الأرض، وطهران وموسكو من ساهمت بكل مقدراتها العسكرية والميلشياوية بقتلهم وترحيلهم وهدم منازلهم؟؟

الحاضنة الشعبية للثورة أكّدت مراراً وتكراراً؛ أنه من حق تركيا، أن تعقُد الاتفاقيات مع من تشاء, وأن تصالح وتعادي وفقاً لمصالحها ومصالح الشعب التركي, وهو حق سيادي لا يحقُّ لأحد التدخُّل فيه, وأكّدت الحاضنة أن تحالفات قيادة الثورة مع الدول سواءً كانت سياسية أو عسكرية؛ يجب أن تخضع لمبدأ تبادل وتقاطع المصالح, وأن لا مصلحة للثورة بصنع العداوات خاصة مع الدول العربية والدول المجاورة والدول الإقليمية, وأن العلاقة مع تركيا ـــ لعدة اعتبارات ـــ يجب أن تكون مميزة, لكن لا يحقّ لأي دولة عربية أو إقليمية أو غربية أن تتحكّم بمقدرات الثورة وقراراتها السياسية والعسكرية تحت أي ضرورات أو تصنيفات أو مبرّرات, فالثورة لثوارها ولمن قدّم التضحيات والدماء ولمن تشرّد وتهجّر, وأن ردّ الديون لمواقف الأشقاء والأصدقاء لا يكون عبر السيطرة على الثورة وسوقها وفق إرادات وأهواء ومصالح الغير كتعويض.

الرئيس بوتين؛ يسعى جاهداً لصلح تركي _ سوري, ويضغط لعقد لقاءات سياسية وأمنية, وفعلياً بدأت بلقاءات رؤساء الاستخبارات؛ حقّان فيدان، وعلي مملوك، والمطلوب روسياً تطويرها لمستوى وزراء الخارجية، ثم تتوّج بلقاء الرئيس أردوغان مع بشار الأسد, وهذا أمر يخضع لتوافقات تعقدها القيادة التركية مع القيادة الروسية, والقرار يخضع لمصالح أنقرة, وما يمكن أن يفيد شعبها, ولها الحق منفردة بالموافقة أو الرفض, ولا يحق لكل مؤسسات المعارضة السورية التدخّل بتلك القضية لأنها شأن سيادي تركي, لكن أيضاً ومن باب المعاملة بالمثل, يحق لمؤسسات المعارضة أن تأخذ قرارها السيادي المستقل بالموافقة أو الرفض إذا ما طلب منها المصالحة مع نظام الإجرام الأسدي كما صرّح وزير الخارجية التركي, وكثير من التسريبات في الإعلام التركي؛ التي تحدثت عن ضرورة مصالحة المعارضة مع نظام الأسد, وهنا يكمن الخلاف, فكما تمارس تركيا، سيادتها المستقلة والمنفردة بقراراتها السياسية, يحق للشعب السوري فقط اتخاذ قراره السيادي بالمصالحة مع الأسد؛ من عدمه, والمظاهرات التي خرجت مؤخّراً بعشرات المدن والبلدات في الشمال المحرر, تعكس استفتاءً ورفضاً قاطعاً من جمهور الثورة لأي مصالحة مع نظام أجرم، ودمّر، وشرّد، وقتل، واعتقل، وأدمى قلوب السوريين.

ولو ذهبنا جدلاً لنقاش الحلّ الذي يطرحه الوزير لافروف، واستعرضنا في الوقت ذاته المفاوضات التي جرت بين وفود قوات سوريا الديمقراطية والنظام، هل أثمرت؟؟ هل غيّر النظام من مواقفه قيد أُنملة؟؟ ألم يبدو واضحاً أن نظام الأسد؛ ما زال يعيش مرحلة ما قبل 2011، وأن الزمن توقّف عنده؟؟ وأنّ كل ما حصل خلال سنوات الحرب والثورة لم تغيّر من عقلية نظام الأسد، وطريقته بالحلّ الأمني كخيار وحيد؟؟ وأن المطلوب أسدياً بكل المصالحات؛ إعادة السوريين للبسطار الأمني والعسكري لمنظومة حكم الأسد؟؟ علماً أن الروسي والإيراني يعلمون ذلك ويدعمونه.

أيضاً من باب العلم، من قال إن الحلّ اليوم بيد مجموعة أستانا فقط، وأنهم قادرون على إنتاج حلٍّ سوري؟ أين بقية الدول المنخرطة عسكرياً وسياسياً بالملف السوري؟ ومنهم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا! ، أين هؤلاء من تفاصيل الحلّ الذي يروِّج له الوزير لافروف؟؟

الأمر الأهم، أن مؤسسات ومنظمات الأمم المتحدة حدثتنا بآخر تقاريرها؛ أن كلفة إعمار سوريا بلغت تريليون دولار (ألف مليار دولار)، من سيدفع تلك الأموال؟؟ وهل خزينة موسكو وطهران قادرة على تحمُّل تلك النفقات وهي العاجزة عن تأمين وإيصال ثلاث ساعات من الوصل الكهربائي للمناطق الواقعة تحت سيطرة الأسد؟؟ تلك المناطق التي تحلم بإسطوانة غاز، وحبة دواء، ويغيب عنها البنزين والمازوت، وراتب موظفها لا يتعدّى 30 دولار، فمن أين ستأتي أموال الإعمار التي يرفض تقديمها المانحون إن لم يخضع الحلّ السوري لمفردات وتفاصيل القرار 2254, ووفقاً لقراءة مجلس الأمن والمتضمّن هيئة حكم انتقالية، ودستور جديد, وانتخابات شفافة, وعدالة انتقالية, وليس وفقاً للقراءة الروسية التي تريد ترسيخ سُلطات الديكتاتور بشار الأسد, مع حكومة وحدة وطنية تُمنح فيها المعارضة (كرشوة)؛ عدّة حقائب وزارية غير سيادية.

موسكو الداعم الأكبر لمعظم الإجرام الذي طال الشعب السوري، وسلاح موسكو الذي أعطته للأسد، واعتقدنا أنه لتحرير الجولان؛ قُتل به السوريون وبعلم وموافقة موسكو، والطبخة الأستانية للحلّ السوري التي تحدّث عنها الوزير لافروف، ستكون سمٌّ قاتل لن تهضمه معدة السوريين.