للوضع الأمني أثر على التعليم في السويداء ودرعا

درعا/ السويداء ـ نورث برس

ترك خالد شقير، (اسم مستعار) لشاب ثلاثيني، من محافظة السويداء، جنوبي سوريا، جامعته عام 2015، عندما كان حينها طالباً في السنة الأخيرة في كلية الآداب، فرع الأدب الإنكليزي.

وخوفاً من الالتحاق بالخدمة الإلزامية، “ولكي لا يكون شريكاً بالدم السوري”، قرّر “شقير”؛ كغيره من الطلاب السوريين الهجرة من البلاد.

وأدّت هذه الهجرات لنقص أعداد الخريجين، الأمر الذي انعكس سلباً على الكوادر التدريسية في المدارس والجامعات.

ويعكس الواقع الأمني والسياسي، الذي يجري على الأرض في الجنوب السوري، بظلاله على جميع جوانب الحياة في الداخل السوري، ويعزو مراقبون ذلك؛ إلى عدم وجود نظام المؤسسات؛ فالمركزية السياسية تفرض التدخُّل الأمني حتى في النظام التعليمي والتربوي، فكانت للأحداث الأمنية التي شهدتها الأراضي السوريّة؛ آثار واضحة على العملية التعليمية.

ولعل أبرز هذه الآثار؛ هجرة طلاب الجامعات وأصحاب الكفاءات، وسط غياب لإحصائيات دقيقة لأعداد الطلاب المهاجرين؛ لتبقى التقارير الصحفية شاهدة على توثيق أكبر هجرة للعقول السورية.

الملاحقات الأمنية

نقص الكوادر التدريسية أهم المشاكل التي تعصف بالنظام التعليمي في السويداء؛ ويعزو الكثير من السكان، السبب إلى الملاحقات الأمنية للمدرّسين إن كان بسبب آراء سياسية أو ملاحقتهم بسبب الخدمة الإلزامية.

يقول سلمان الحلبي، اسم مستعار لمدرس مادة الرياضيات، في أحد مدارس مدينة السويداء، إنه فُصل من عمله بداية عام 2013، على خلفية مشاركته بالاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد.

ويُضيف، لنورث برس: “السُلطات لغاية الآن، لم تدرك مفهوم تغليب المصلحة العامة على مصالحهم الشخصية؛ فصلُ مدرّس لن يحل أزمة، إنما سيترك أثراً على جيل؛ تفتقد مدارسه لكوادر تعليمية مختصة”.

ويبقى لمحافظة درعا، النصيب الأكبر من تراجع النظام التعليمي؛ لقلة الكوادر التدريسية فيها، إذ عزف مروان الحريري، (36 عاماً)، اسم مستعار لخريج لغة عربية، من جامعة دمشق، عن التدريس في المدارس الحكومية “خوفاً من اعتقاله على حواجز القوات الحكومية بسبب عدم تأديته الخدمة الإلزامية”.

وبعد سيطرة القوات الحكومية، على الجنوب السوري، صيف العام 2018، انضم “الحريري”، لاتفاق التسوية، وهو يحمل بطاقة تسوية منذ ذلك الوقت.

وأوضح أنه لم يؤدِّ الخدمة الإلزامية في صفوف القوات الحكومية، ولا ينوي الالتحاق بها، “لطول المدة الزمنية لتلك الخدمة، بالإضافة لخوفه من التورُّط في الدم السوري”.

وأشار، أنه يعمل في حراسة أحد المشاريع الزراعية ليلاً، ويعمل في قطاف الخضراوات في النهار، وذلك من أجل إعالة عائلته المؤلفة من خمسة أفراد.

وأفاد أن مديرية التربية في درعا، لا تسمح للأشخاص الذين لم يؤدّوا الخدمة الإلزامية في القوات الحكومية؛ بالتدريس في مدارس المحافظة، وأن من يريد الالتحاق بالمدارس؛ عليه الحصول على ورقة لا حكم عليه من الأفرع الأمنية، التابعة للقوات الحكومية.

ونوّه أن غالبية المدرّسين هم من الإناث، والأكثرية منهنّ يدرِّسنَ بنظام الوكالة بالشهادة الثانوية، وأن الذكور الذين يدرِّسون؛ هم من تجاوزوا الخمسين عاماً، أو من كان وحيداً لأهله؛ ولا يوجد عليه خدمة إلزامية أو احتياطية في القوات الحكومية.

وذكر أن نسبة الذكور من المدرِّسين والعاملين في قطاع التعليم “لا تتجاوز 10 بالمئة”.

تخوّف من الفلتان الأمني

تعاني بعض المناطق في محافظة درعا، من فلتان أمني، الأمر الذي أدّى إلى عدم التحاق المدرِّسين بالمدارس.

أحد مدرسي منطقة اللجاة، بريف درعا الشرقي، رفض ذكر اسمه، قال لنورث برس، إن المدرسة الإعدادية التي يداوم فيها؛ لا تزال تغلق أبوابها على الرغم من مرور ثلاثة أسابيع على بداية العام الدراسي.

وأضاف، أن السبب وراء إغلاق المدرسة؛ هو عدم وجود كادر تدريسي ضمن البلدة على الرغم من مطالبة السكان مديرية التربية بإعادة فتحها.

وأشار، أن المدرِّسين من خارج البلدة، يرفضون القدوم إلى المدرسة بسبب الخوف من عمليات الاختطاف مع استمرار الفلتان الأمني.

ونوّه، أن انخفاض أجور التدريس أيضاً، سبب آخر وراء عزوف المدرِّسين عن التدريس خارج مناطقهم، وخاصة مع أزمة المواصلات التي تشهدها المحافظة؛ بسبب نقص الوقود المدعوم وارتفاع سعره في السوق السوداء.

وأشار أن، عدداً من المدرِّسين في بلدة الجيزة، بريف درعا الشرقي؛ أعلنوا عن إضرابهم عن التدريس، في الثالث عشر من هذا الشهر، بسبب ارتفاع أجور النقل بالتزامن مع انخفاض رواتبهم التي لا تغطيها، حيث أن غالبيتهم يأتون من بلدات معربة وغصم.

السّطوة الأمنية على التعليم

في حديث مع الدكتور فايز القنطار، أستاذ سابق في كلية التربية،  بجامعة دمشق، أكّد أن مأساة السّطوة الأمنية، والسيطرة على مؤسسات التعليم؛ تبدأ من رياض الأطفال وحتى التعليم العالي.

ويُضيف، لنورث برس: “التدخّلات الأمنية تسيطر على الوضع التعليمي بدءاً من انتقاء المعلمين، حتى تعيين أبسط الموظّفين العاملين في التربية”.

ويقول “القنطار”، إنه يتمّ فصل المعلم لمجرد إبداء رأي له، “تمّ فصل 16مدرساً من محافظة السويداء؛ بعد توقيعهم على إعلان دمشق، عام 2005”.

و”إعلان دمشق”؛ هو ائتلاف علماني معارض؛ يحمل اسم بيان صاغته عام 2005؛ العديد من تجمّعات وأفراد المعارضة، للمطالبة بديمقراطية متعدّدة الأحزاب، وهو يدعو إلى انتقال تدريجيّ وسلمي إلى الديمقراطية والمساواة بين جميع المواطنين في سوريا علمانية وذات سيادة.

وشدّد “القنطار”، على أن التعليم لكي يزدهر “يحتاج إلى الحريّة؛ حرية التفكير، حرية التعبير، بالإضافة لحرية الإبداع، ولكن الهيمنة  الاستخباراتية تقيّده؛ إذ تشمل على كل ما يحدث داخل جدران المدرسة”.

ويرى الدكتور “القنطار”، أن التعليم في سوريا أُصيب بكارثة غير مسبوقة، بعد عام 2011، “فلم يورع النظام السوري عن تدمير المدارس، حيث دمر أكثر من ثلاثة آلاف مدرسة، ونتيجة العنف المفرط في مواجهة الاحتجاجات السلمية، تهجّر الملايين وحرم أطفالهم من التعليم”.

وبحسب منظمة اليونيسكو، فإن “أكثر من مليونين ونصف إلى ثلاثة ملايين طفل سوري؛ أصبح خارج المدرسة، وما يعادل هذا العدد كان يتلقّى تعليماً رديئاً”.

وتسبّب الوضع الأمني بهجرة آلاف المعلمين والمدرّسين والخبراء في العمل التربوي؛ “البلد بأمسّ الحاجة لهم لإعادة بناء النظام التربوي”.

وهذه الأوضاع الأمنية وما حملته من نتائج كارثية على العملية التعليمية “سيكون لها تأثير خطير على المدى البعيد وعلى مستقبل الأجيال”، بحسب “القنطار”.

كما نوّه إلى خطورة الأوضاع الاقتصادية في مناطق سيطرة الحكومة على العملية التعليمية؛ “فراتب المعلم لا يكفيه لدفع أجور النقل، بالإضافة إلى معاناة طلبة الجامعات والتلاميذ”.

إعداد: إحسان محمد / رزان زين الدين ـ تحرير: قيس العبدالله