كيف تسعى الأطراف غير الحكومية إلى اكتساب الشرعية – إدلب نموذجاً

حظي موضوع حكم المعارضة في السنوات الأخيرة باهتمام متزايد في الأبحاث الأكاديمية وخارجها، لا سيما في ظل تركيز أكبر على حكم المعارضة الإسلامية، بمعنى آخر في الحالات التي تسيطر فيها الجماعات الإسلامية المتشددة على مساحات من الأراضي أثناء الحروب والتمردات، وقد ازدادت حالات حكم الجماعات الإسلامية المتشددة بشكل ملحوظ بعد عام 2010، من خلال ظهور عدد من مشاريع “شبه الدولة” الإسلامية في الفترة الممتدة من 2011 إلى 2015، بحيث تضاهي تلك التي ظهرت في الفترة الممتدة بين 1989 و2010.

لفهم مسألة حكم المعارضة الإسلامية فهماً عميقاً يتجاوز أوجه التشابه بين مختلف الأطراف التي تنتمي إلى ذات الأسرة الأيديولوجية؛ يتعين على المرء أن يتجاوز المعنى المجرّد للأيديولوجيا وأن يقيّم معرفة كل طرف بالحكم، بالإضافة إلى الفرص والتحديات والمآزق الملموسة التي يواجهونها على الأرض، ويقرّر كيفية معالجة مثل هذه القضايا.

شهد الشأن السوري الذي يتّسم بتشرذم نظام الحكم والأنظمة الاجتماعية والسياسية المتنافسة ومجموعة من “الجهات الفاعلة الهجينة”  ظهور أصناف متنوعة من حكم المعارضة، وعلى وجه الخصوص، الطرف الذي حظي باهتمام أكبر في السنوات الأخيرة، ألا وهو هيئة تحرير الشام، وهي جماعة إسلامية متشددة تعتبر حالياً الطرف المهيمن على شمال غرب سوريا، ومحطّ اهتمام نظراً للمسار السياسي الذي تسلكه.

تأسّست الهيئة بشكل غير رسمي في صيف 2011، تحت مسمّى “جبهة النصرة لأهل الشام”، وتمّ إعلان انتماءها للقاعدة رسمياً في كانون الثاني 2012، عندما أرسل أبو بكر البغدادي مجموعة من المسلحين إلى سوريا، أعيد تسميتها أولاً بـ “جبهة فتح الشام”  في تموز 2016، وأعلنت حينها أنه لم يعد لها أية “علاقات خارجية (مع القاعدة)”؛ وفي كانون الثاني 2017، خضعت الهيئة لتعديل هيكلي آخر، حيث تمّ تغيير اسمها إلى “هيئة تحرير الشام”، حيث برزت شكوك حينها حول طبيعة “الطلاق” الحاصل بين الهيئة والقاعدة، ولكن كشفت التطوّرات اللاحقة أن هذا الفصل كان حقيقياً بالفعل.

على مدى السنوات العشر، يبدو أن الجماعة بقيادة أبو محمد الجولاني، قد تبنّت وبشكل متزايد نهجاً محلياً من خلال سعيها إلى النأي بنفسها عن النماذج الإسلاموية المتشدّدة التي تجسدها القاعدة أو داعش، وأظهرت المزيد من البراغماتية، وأعربت عن استعدادها للانخراط مع دول المنطقة وكذلك المجتمع الدولي.  

يهدف هذا المقال إلى فهم كيفية ربط دعم ومشاركة هيئة تحرير الشام في الحكم بجهودها نحو بناء الشرعية, لا سيما في ضوء مرحلة “الاستقرار” التي أعلنت عنها قيادتها في الآونة الأخيرة.

مقدمة: الهيمنة الإقليمية لهيئة تحرير الشام وانخراطها في الحكم

لم تنخرط هيئة تحرير الشام ومن قبلها جبهة فتح الشام أو جبهة النصرة؛ في الحكم منذ بداياتها الأولى، ربما يعود السبب إلى تأثير جماعة إسلامية متشددة أخرى، وهي حركة أحرار الشام، وبالنظر إلى النسخ البدائية لجبهة النصرة أي قبل أن تتحوّل إلى هيئة تحرير الشام، يتّضح أن الجزء الأكبر من بياناتها ركّز على عملياتها العسكرية، فقد ازدادت النشرات الإعلامية المتعلقة بالحكم بشكل هائل في الفترة ما بين 2017-2018، لتعكس التطورات على أرض الواقع.

 في الواقع، يمكن اعتبار هذه السنوات الخمس الماضية؛ فترة ترسيخ إقليمي في شمال غرب سوريا، بالنسبة لهيئة تحرير الشام؛ من حيث تهميش الجماعات المتنافسة والمشاركة في الحكم، فيقول زكريا مامبيلي؛ إن توحيد جماعات المعارضة في مواجهة الخصوم هو “شرط مسبق لتطبيق نظام سياسي واجتماعي جديد”.

“السنوات الخمس الماضية؛ فترة ترسيخ إقليمي في شمال غرب سوريا، بالنسبة لهيئة تحرير الشام؛ من حيث تهميش الجماعات المتنافسة والمشاركة في الحكم”

يبدو أن هذا ما حدث في حالة هيئة تحرير الشام، حيث حقّقت إحداث توازن في مواجهتها للقوات الداعمة للنظام السوري، وهيمنةً على جماعات المعارضة الأخرى، ويعتبر شهر تموز/يوليو، 2017، أول نقطة تحوُّل رئيسية بالنسبة للهيئة كونها استطاعت هزيمة حركة أحرار الشام المنافسة، وفي كانون الثاني/يناير، 2019، سيطرت الهيئة على المنطقة بالكامل، حيث قامت بتصفية فصيل إسلامي متشدّد آخر – حركة نور الدين الزنكي – الذي كان يعمل في إدلب؛ في ذلك الوقت.

 وبعد عام 2019، قامت هيئة تحرير الشام بقمع الفصائل الأخرى، وفي صيف عام 2020، شهدنا “مرحلة جديدة” في علاقاتها المعقّدة والمتقطِّعة بين الهيئة وتنظيم حراس الدين, المجموعة التي أنشأها الموالون للقاعدة في شباط/فبراير 2018, حيث بدأت الهيئة بتضييق الخناق على أعضائها بشكلٍ ممنهج.

استمر هذا الوضع حتى الآن حيث تمّ استهداف مجموعات جهادية أخرى أصغر من المذكورة اعلاه كجند الله وجند الشام، واقترن تهميش المجموعات الأخرى بإعادة هيكلة داخلية, حيث تمّ طرد أو تهميش الأعضاء الذين لم يتماشوا مع مسار هيئة تحرير الشام نحو البراغماتية.

تخدم أفعال هيئة تحرير الشام؛ أهدافاً متعددة وتنقل رسائل إلى فئات مختلفة من الجماهير في نفس الوقت، فالهيئة؛ ومن خلال تضييق الخناق على الجماعات المتنافسة المختلفة، تتأكّد من ضمان سيطرتها الكاملة على المنطقة؛ لا سيما مع العمليات الأمنية التي تنفّذها دائرة الأمن العام التابعة لها، هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى؛ تريد الهيئة تحقيق هدف خارجي ألا وهو نيل الشرعية، وذلك من خلال تضييق الخناق على الجماعات المتحالفة مع القاعدة (تنظيم حراس الدين)، أو التنظيمات التي تضمّ مقاتلين أجانب كجند الله وجند الشام، وأيضاً من خلال تفكيك الخلايا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

“من خلال تضييق الخناق على الجماعات المتنافسة المختلفة، تتأكّد الهيئة من ضمان سيطرتها الكاملة”

أدّت هيمنة هيئة تحرير الشام؛ إلى الوصول الى مرحلة مركزية الحكم، حيث قدمت الدعم من أجل إنشاء حكومة الإنقاذ السورية؛ التي تمّ الإعلان عنها رسمياً في تشرين الثاني/نوفمبر 2017, أي بعد تهميش حركة أحرار الشام.

جاء إنشاء حكومة الانقاذ السورية في أعقاب مبادرة عُرفت باسم “مبادرة الإدارة المدنية في المناطق المحررة”, التي أطلقها أكاديميون، بالتعاون مع أطراف غير حكومية أخرى في آب/أغسطس، 2017.

وتتألف حكومة الإنقاذ السورية حالياً من عشر وزارات وهي: وزارة الداخلية، وزارة العدل، وزارة الأوقاف والدعوة والإرشاد, وزارة التربية والتعليم, وزارة الصحة، وزارة الإدارة المحلية والخدمات، وزارة الاقتصاد والموارد، وزارة التنمية والشؤون الإنسانية، وزارة التعليم العالي، وزارة الزراعة والري، وإلى جانب وزارات حكومة الإنقاذ؛ هناك أيضاً مجموعة من الهيئات (اللجان، المديريات، إلخ…) التابعة لها. 

أما العلاقة بين حكومة الإنقاذ السورية و هيئة تحرير الشام فهي علاقة معقّدة، فمن ناحية؛ تضم وزاراتها كل من التكنوقراط المستقلين والشخصيات المرتبطة بهيئة تحرير الشام, وبالتأكيد كان لهيئة تحرير الشام دوراً حاسماً في تشكيل حكومة الإنقاذ السورية، ومن ناحية أخرى؛ لاحظ الباحثان (جيروم دريفون وباتريك هيني) أنّ “حكومة الإنقاذ السورية تشارك في استراتيجية القوة لهيئة تحرير الشام ولكن لا يمكن اعتبارها فرعاً من إدارة هيئة تحرير الشام أو حتى كفرع مدني لها”.

يبدو أن تشكيل الانقاذ السورية؛ في الواقع؛ هو نتاج تقارب المصالح بين أجزاء من النخبة المحلية وهيئة تحرير الشام، فالمجالات التي تمارس عليها هيئة تحرير الشام السيطرة الأكثر إحكاماً هي قطاع الأمن، جهاز الأمن العام؛ بالإضافة إلى أجزاء مهمّة من الاقتصاد المحلي.

وعموماً، فيما يتعلق بنظام الحكم في منطقة إدلب، يقول تقرير صادر عن لجنة حقوق الإنسان أن هيئة تحرير الشام؛ تسعى إلى تحقيق توازن بين تأثيرها المباشر على هيئات الحكم والحفاظ عليها “شبه مستقلة”.

“تشكيل الانقاذ السورية؛ في الواقع؛ هو نتاج تقارب المصالح بين أجزاء من النخبة المحلية وهيئة تحرير الشام، فالمجالات التي تمارس عليها هيئة تحرير الشام السيطرة الأكثر إحكاماً هي قطاع الأمن، جهاز الأمن العام؛ بالإضافة إلى أجزاء مهمّة من الاقتصاد المحلي”

بناء الشرعية في ظلّ حكم المعارضة

يعتبر مفهوم بناء الشرعية في ظل حكم المعارضة أمراً جديراً بالاهتمام؛ لأنها تساعد في إلقاء الضوء على بعض جوانب سلوك هيئة تحرير الشام و سلوك جماعات المعارضة والأطراف غير الحكومية الأخرى بشكل عام خارج الإطار السوري.

يمكن فهم الشرعية على أنها عملية تفاعلية ومعقّدة وعلائقية نتيجة تفاعل عدد كبير من الأطراف فيما بينها، حيث تتفاعل جماعات المعارضة مع الأنظمة الاجتماعية والسياسية البديلة والحكومة الحالية والسكان المحليين لتبرير أفعالها وحكمها، إلى جانب ذلك؛ قد يتمّ مخاطبة المجتمع الدولي ككل من قبل تلك الأطراف من خلال عملية التفاعل أعلاه وبالتالي محاولة الحصول على اعتراف خارجي.

تعدّ الشرعية والإكراه في ظل الحكومة أو الأطراف غير الحكومية؛ جزءاً من التوازن الصعب، فالقدرة على استخدام القوة وحدها ليست كافية، وبالتالي فإن الشرعية ضرورية للطرف السياسي من أجل السيطرة الناجحة على منطقة ما، وتنبع الشرعية من “تداخل أشكال مختلفة من الموافقة والولاء والأنظمة الأخلاقية وأوجه الترابط والفرص”، وبالتوازي مع ذلك؛ فإنها تولد أيضاً “موارد رمزية وتأثيراً متبادلاً”.

يعتبر بناء الشرعية عملية متعددة الأبعاد؛ كونها تنطوي على بُعدين على الأقل أحدهما مادي والآخر رمزي، وغالباً ما يعزّز كل منهما الآخر، ويتعلق البُعد الرمزي لبناء الشرعية؛ بالعمليات الرمزية التي تنشرها جماعة معارضة من أجل ضمان الامتثال نيابة عن السكان وزيادة التعريف بين سلطات المعارضة والسكان الذين يتعاملون معها وما إلى ذلك، على سبيل المثال: في حالة هيئة تحرير الشام، تشمل محاولات الهيئة لتعزيز سيطرتها على المنطقة؛ محاولات أخرى لإضفاء الشرعية على السكان المحليين وتحسين صورتها، وتبيّن ذلك من خلال آخر ظهور إعلامي لزعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، وعلاوةً على ذلك، وإلى جانب رموزها الإسلامية الأكثر “تقليدية”.

 تبنّت هيئة تحرير الشام على مدى السنوات الخمس الماضية الرموز الثورية, أي الرموز التي يتمّ مشاركتها مع السكان المحليين على نطاق أوسع، واعتمدت تصريحاتها الرسمية التي أدلى بها كبار قادتها؛ السرديات الثورية بما في ذلك الإشارات المتكررة إلى “الثورة المباركة” و “الثورة المستمرة”؛ إشارات إلى ثورة الحرية والشرف والكرامة، كما عرّفت هيئة تحرير الشام نفسها على أنها فصيل أساسي بين الفصائل الثورية، ووصف مسؤول ديني بارز (شرعي) من هيئة تحرير الشام، مظهر الويس، إدلب؛ بأنها “أيقونة الحرية ومسكن المظلوم والمكان الذي تنشده قلوب الثوار”، إن جميع الأمثلة المذكورة سابقاً تتعلّق بالبعد الرمزي لبناء الشرعية.

“تبنّت هيئة تحرير الشام على مدى السنوات الخمس الماضية الرموز الثورية, أي الرموز التي يتمّ مشاركتها مع السكان المحليين على نطاق أوسع، واعتمدت تصريحاتها الرسمية التي أدلى بها كبار قادتها؛ السرديات الثورية بما في ذلك الإشارات المتكررة إلى “الثورة المباركة” و “الثورة المستمرة”

ومن ناحية أخرى، يتعلق البُعد المادي للشرعية بالطريقة التي قد توفّر بها جماعات المعارضة؛ الخدمات العامة التي تقدمها لتلبية حاجات السكان المدنيين وتعزيزها، ما هو مؤكِّد أن القرارات المتعلقة بتقديم الخدمات  ــ بما في ذلك أنواع الخدمات المقدمة ومدى تقديمها والقيام بمشاريع الأشغال العامة ــ هي جزء لا يتجزأ من “القرار الاستراتيجي” الذي تتّخذه سلطات المعارضة تجاه السكان المحليين “لخلق التعاون” بينها وبين المدنيين.

توطيد حكم هيئة تحرير الشام ومحاولات بناء شرعية (مادية) 

يبدو أن هذين العاملين الظرفيين يتناسبان بشكل جيد مع حالة هيئة تحرير الشام والحكم في إدلب، وخاصة التطورات التي شهدناها في العامين الماضيين، فلقد مرت عدة سنوات على إنشاء حكومة الإنقاذ السورية المدعومة من هيئة تحرير الشام، وبرز توازن هشّ منذ اتفاق وقف إطلاق النار التركي ـــ الروسي، في آذار/مارس، 2020، وقد أدى ذلك إلى مرحلة من توطيد الحكم على مدى العامين الماضيين بالتوازي مع ديناميكيات تتكشّف لبناء الشرعية الداخلية والخارجية.

من المؤكد أن الحكم وتقديم الخدمات في إدلب، ليس أمراً غير مسبوقاً، حيث ظهرت حكومة الإنقاذ السورية إلى الوجود في عام 2017، ومع ذلك، يبدو أن الاتجاهات التي شوهدت في الآونة الأخيرة؛ تخطو خطوة أخرى مع عبارات احتفالية كمشاريع التنمية التي تروِّج لها حكومة الإنقاذ والهيئة، وانتقل تركيز الحكم إلى ما هو أبعد من الأمن في حدّ ذاته وانصبّ أكثر فأكثر على فكرة الاستقرار. 

ظهر هذا المفهوم في العديد من البيانات الصادرة عن قادة هيئة تحرير الشام، فقد وصف زعيم الهيئة أبو محمد الجولاني، في اجتماع عُقد في أيار/مايو، 2021، مع وجهاء العشائر؛ المرحلة الحالية في شمال غرب سوريا بأنها “مرحلة إعداد وبناء المؤسسات”، وفي محاضرة أُلقيت في أيلول/سبتمبر، 2021، في جامعة إدلب، ذكر أكبر الشرعيين عبد الرحيم عتون (المعروف أيضاً باسم أبو عبد الله الشامي)، الجوانب المتعلقة ببناء المؤسسات مثل “بناء الهيكل الإداري”، كما أن العديد من البيانات الأخرى تتماشى مع هذا الاتجاه

من بين مشاريع الأشغال العامة والتنمية التي تمّ إطلاقها خلال العام الماضي في المناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ السورية، وكانت إحدى أولى المبادرات مدينة باب الهوى الصناعية؛ التي أعلنت عنها حكومة الإنقاذ في أيلول/سبتمبر، 2021، مع الأهداف المعلنة لخلق وظائف جديدة وجذب الاستثمارات وتعزيز التكامل بين الصناعات وتقليل الاعتماد الخارجي. 

ومن المشاريع الأخرى التي تمّ الإعلان عنها وإطلاقها العام الماضي؛ هي نية إعادة تأهيل معبر الغزاوية (الذي يربط مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام بمناطق شمال حلب، حيث ينشط الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا)، وكذلك افتتاح سوق شعبي في بلدة سرمدا، شمالي إدلب، إلا أن المشروع الذي حظي بأكبر تغطية إعلامية كان افتتاح طريق حلب – باب الهوى، في كانون الثاني من هذا العام بحضور أبو محمد الجولاني؛ زعيم الهيئة وعلي قدح رئيس الحكومة.

وبحسب ما أوردته صحيفة عنب بلدي، فقد قدّمته حكومة الإنقاذ السورية على أنه “أول مشروع حكومي شعبي” في المنطقة، وافتتح بعد خمسة أشهر من العمل على الطريق، وفي الأشهر الماضية، كان تشغيل بئر ماء في منطقة جبل السماق بريف إدلب، ذات الأغلبية الدرزية من بين مشاريع الأشغال العامة، وكذلك افتتاح مشروع ضخّ المياه من عين الزرقاء إلى سهل الروج.

هذا وقد رافق العمل على إنشاء البنى التحتية؛ أنواع أخرى من المشاريع بما في ذلك أعمال إعادة التأهيل العمرانية في مدينة إدلب، فقد تمّ تداول مخطّط بياني على مواقع التواصل الاجتماعي في الأشهر الأخيرة بعنوان “الخطة الاستراتيجية الاقتصادية وقيادة المناطق المحررة” وصورة للجولاني, تكشف عن خطة تنموية على طول ثلاثة محاور: الصناعة (بما في ذلك تطوير مدينة صناعية وتعزيز الصناعات المحلية والجهود المبذولة لتقليل الواردات وتوظيف القوى العاملة)، والزراعة، والخدمات (الكهرباء والاتصالات ورصف الطرق وإمدادات المياه). 

ملاحظات ختامية 

ختاماً، فإن بناء الشرعية؛ سواء كان ذلك خارجياً (يستهدف المجتمع الدولي ككل)، أو داخلياً (يستهدف السكان المحليين)؛ هو مفهوم مهم يساعد في إلقاء الضوء على بعض جوانب سلوك هيئة تحرير الشام، وهو بالطبع مفهوم يمكن توسيعه لتحليل سلوك الجماعات المسلحة الأخرى، سواء أكانت إسلامية أم غير إسلامية.

ويأتي تهميش الخصوم والتأكد من سيطرتها الكاملة على المنطقة بهدف التبشير بمشروع حكم واحد (وحتى تصوير نفسها كمحاور رئيسية للأطراف الخارجية غير الحكومية)، وتهميش “المتشدّدين” واستهداف الجماعات الجهادية الأخرى؛ للإشارة إلى ابتعادها عن الجهاد العالمي، واحتضان المزيد والمزيد من الرموز الثورية لضمان تقديم نفسها كجزء من الثورة الشعبية والسعي للدخول في “مرحلة جديدة” من الحكم موجّهة نحو الاستقرار وبناء المؤسسات؛ كل هذه النقاط المهمة يجب وضعها في الاعتبار عند تحليل توطيد هيئة تحرير الشام في إدلب؛ ومشاركتها في الحكم.

“تهميش الخصوم والتأكد من سيطرتها الكاملة على المنطقة بهدف التبشير بمشروع حكم واحد وتهميش “المتشدّدين” واستهداف الجماعات الجهادية الأخرى للإشارة إلى ابتعادها عن الجهاد العالمي”

ومع ذلك، وبعيداً عن بناء الشرعية في حدّ ذاتها؛ فإن خطط وتطلُّعات هيئة تحرير الشام؛ تماماً مثل تلك الخاصة بالجهات السياسية الفاعلة الأخرى، فهي تتشابك مع العوامل الظرفية، وبالفعل فإن بعض تصرفات هيئة تحرير الشام وخاصة بيانها الذي يُشير إلى “مرحلة الاستقرار” وإطلاق مشاريع التنمية أصبحت ممكنة، وفي الوقت نفسه تمّ تقييدها بسبب التطوّرات على الأرض وديناميكيات الحرب الأوسع في سوريا. 

لذلك، فإن استدامة هذه المرحلة من الاستقرار، وبناء المؤسسات وتقدُّمها؛ مرهونة بتطور الحرب السورية بشكل عام؛ بما يتجاوز اعتبارات الجماعة حول الشرعية وحدها. 

المقال كتبته الباحثة سيلفيا كارينزي للمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية وترجمته نورث برس