دمشق.. نقص الأسمدة يدفع مزارعين لاستبدال زراعة القمح بالشعير والجلبان

دمشق ـ نورث برس

ارتفاع أسعار الأسمدة ونقصها يتسبّبان بمشاكل جوهرية في واقع الإنتاج الزراعي في مناطق سورية، ويجعل المنتجين يستبدلون محصولاً مثل القمح بالشعير والجلبان.

الإنتاج الزراعي هو المنقذ الحقيقي لاقتصاد البلاد، لكن عجز الحكومة عن تأمين متطلّباته يجعل الوضع  في حالة تدهور مستمر.

يقول المزارع إبراهيم أحمد، لنورث برس، من اللاذقية، إن ارتفاع أسعار الأسمدة وصعوبة تأمينها من أهم المشاكل التي تواجه عمله في الزراعة.

وأكّد أن هناك أنواعاً جديدة تظهر بعد كل ارتفاع في الأسعار، ولكنها تفتقد للمادة الفعّالة، وأشار “أحمد”، إلى أن فقدان السماد من المراكز النظامية لتوزيعه (كالمصارف الزراعية والجمعيات)؛ يفتح باباً للسوق السوداء عند التجار والصيادلة الزراعيين، حسب قوله.

وأضاف “أحمد”، أن الحكومة أعلنت الموسم الماضي عن تخصيص السماد لمحصول القمح فقط، ما جعل الشراء الحرّ هو المصدر الوحيد للحصول على السماد.

الأمر الذي أثّر كثيراً على منتجي الحمضيات خاصة، حيث  تراجع استخدام السماد نتيجة ارتفاع أسعاره مقابل انخفاض أسعار الحمضيات، والنتيجة تراجع إضافي في مستوى المحاصيل كمّاً ونوعاً، بحسب المزارع.

والاستراتيجية كذلك

هذا الحال ينطبق على المحاصيل الاستراتيجية أيضاً، رغم كل التصريحات التي يطلقها المسؤولون عن دعمها، فعدم توفر الأسمدة الآزوتية بالكميات الكافية؛ دفع الكثير من مزارعي الغاب للتوجّه إلى زراعة بدائلٍ للقمح والشوندر السكري، بحيث تكون حاجتها للأسمدة أقل، ومن هذه الأنواع البديلة (الفستق والشعير والجلبان).

يقول مزارعون من الغاب، لنورث برس، إن كميات الأسمدة الآزوتية المخصصة للدونم من المزروعات الاستراتيجية “غير كافية”، إذ أن حاجة دونم الشوندر السكري مثلاً لا تقلّ عن 50 كيلو، بينما المخصّصات لا تتجاوز 20 كيلو، وكذلك يخصص دونم القمح بكمية لا تتجاوز 24 كيلو، بينما الحاجة الفعلية 50 كيلو سماد يوريا.

ويُضيف المزارع علي حسن، من الغاب، إن نقص الأسمدة يجعل السوق السوداء هي الملاذ الوحيد لهم، وهذا يعني أنهم يصبحون تحت رحمة تجّار السوق الحرّ، وأن عليهم شراء كيس سماد اليوريا مثلاً بسعر 225 ألف ليرة سورية؛ من السوق السوداء، بدلاً من 80 ألف ليرة من المصرف الزراعي.

لكل هذا كان خيار الإقلاع عن زراعة المحاصيل الاستراتيجية واستبدالها بأخرى أقل حاجة للأسمدة لا مفرّ منه، وأصبحت زراعة محصولاً مثل الجلبان رغم أنه أقل أهمية وحاجة من القمح؛ أكثر جدوى اقتصادية، ولذلك توسّعت زراعته على حساب القمح، بحسب “حسن”.

خيارات محدودة

ليس لدى الحكومة السورية الكثير من الخيارات، فهي لا تستطيع تأمين حاجة الزراعة من الأسمدة لأسباب ذكرها وزير الزراعة، حسان قطنا؛ وحددها رئيس الحكومة، حسين عرنوس؛ خلال مؤتمر اتحاد العمال العام الذي عُقد مؤخّراً، ترتبط بـ”العقوبات الاقتصادية” التي تحول دون إمكانية تأمين السماد عن طريق الاستيراد.

وكان وزير الزراعة قطنا، قد أعاد التأكيد أن ما يتمّ تأمينه من السماد؛ سيُخصّص أيضاً لمحصول القمح للموسم القادم، رغم أن هذا الإجراء تمّ اعتماده خلال الموسم الفائت لكنه لم يُحقِّق قفزات نوعية في إنتاج القمح، ولم يُرضِ منتجي القمح أيضاً، لأنهم لم يحصلوا على كامل احتياجاتهم، حسب قول بعضهم.

وكان المصرف الزراعي السوري، قد أصدر تعميماً بتحرير أسعار بعض أنواع الأسمدة المدعومة، وبذلك ارتفع سعر طن اليوريا من مليون و366 ألف ليرة، إلى 2 مليون و433 ألف ليرة،  وارتفع سعر طن نترات الأمونيوم من 790 ألف ليرة، إلى مليون و516 ألف ليرة، حسب نشرة المصرف الزراعي.

وفي حديثه عن مبرّرات هذا القرار؛ قال مدير عام المصرف الزراعي التعاوني، إبراهيم زيدان؛ في تصريحاته؛ إن سبب ارتفاع أسعار الأسمدة الأخير هو ارتفاع تكاليف الإنتاج من قِبل الشركة العامة للأسمدة، ومؤسسة التجارة الخارجية تبعاً لتكاليف العقود المُبرمة مع الجهات الأخرى.

ارتفاع عالمي

أستاذ جامعي في كلية الزراعة، بدمشق، أكّد لنورث برس، أن ارتفاع أسعار الأسمدة هو ارتفاع عالمي، وأن السبب الرئيس ناتج عن ارتفاع أسعار الغاز الذي يُشكِّل النسبة الأكبر من تكاليف إنتاج الأسمدة.

وأضاف: “ارتفاع الغاز جعل المعامل تُقلّص إنتاجها كثيراً من جهة، وبسبب الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات المفروضة على روسيا؛ التي تعدّ المنتج الأول للأسمدة في العالم، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار بأضعاف”.

وبيّن المصدر، أن هذا سينتج عنه انخفاض كبير في الإنتاج الزراعي في مختلف دول العالم وليس سوريا فحسب، وارتفاع في أسعار المواد الغذائية.

يضاف لهذا أن سوريا؛ تعتمد في تأمين حاجاتها من الأسمدة على الاستيراد، خاصة بعد خروج معمل الأسمدة في حمص عن الإنتاج، وعدم التمكُّن من تحقيق فائدة تُذكر بعد توقيع عقد استثماره مع الجانب الروسي منذ عام 2018.

السوق للمهرِّبين

وكما يحصل دائماً؛ غزت الأسمدة المُهرّبة الأسواق، وأكد مصدر في وزارة الزراعة، لنورث برس، “دخول الأسمدة المهرّبة من المناطق الحدودية”، وأن مديرية وقاية النبات في الوزارة؛ تصادر هذه الكميات وتُنظّم ضبوطاً بأصحاب المحلات الذين يبيعونها، ولكن الواقع يشير إلى أن هذه الإجراءات لن تُحقق أي جدوى مع النقص في المادة، وبيع المهرّب بسعر أقل.

وتشير إحصاءات وزارة الزراعة؛ إلى أن حاجة أربعة محاصيل رئيسية (القمح، الشوندر السكري، القطن، والتبغ)؛ بلغت العام الماضي  نحو 300 ألف طن سماد يوريا وفوسفات، وأن المتوافر من هذه الكمية في المصرف الزراعي لم يتجاوز 67.5 ألف طن.

إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: قيس العبدالله