سيناريوهات التقارُب بين دمشق وأنقرة ورسائل روسية

إدلب – نورث برس

باتت السيناريوهات التي تشهدها الساحة السياسية والعسكرية في سوريا، تستوقف المتابع للملف السوري، بدءاً من التحرُّكات الأخيرة لأنقرة وتلميحها بالتقارُب مع الحكومة السورية، وليس انتهاءً بالتسريبات الإعلامية، حول بدء العدّ التنازلي لمغادرة المعارضة السورية لتركيا، وسط رسائل روسية لتركيا بالاستعجال بالتنفيذ.

التغيّر في موقف النظام التركي حيال نظيره السوري، أصبح واضحاً، واللاعب الرئيسي في حدوث هذا التغيّر هو روسيا، التي لا تدّخر جهداً في تحقيق هذا التقارُب وسعيها الحثيث لتجاوز الطرفين خلافاتهما، بحسب التصريحات الرسمية وما يجري على الأرض.

ويكمُن التحدّي الأكبر في تحقيق هذا التقارُب وفق ما تريد موسكو، في رغبة تركيا بإشراك المعارضة السورية في المحادثات مع دمشق.

وقبل يومين، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنه كان مستعداً للقاء نظيره السوري بشار الأسد، على هامش قمة منظمة شنغهاي؛ للتعاون في سمرقند  لو أن الأخير حضر، وفقاً لصحيفة “حرييت” التركية.

ويأتي كل هذا بالتزامن مع تصعيد روسي على مناطق المعارضة الموالية لتركيا، في شمال غربي سوريا، في إشارة لأنقرة بضرورة الإسراع في التفاهم مع دمشق، وإنهاء الفصائل المتشدّدة.

هل هناك اجتماعات أعلى؟

والخميس الماضي، قالت مصادر، لوكالة “رويترز”، إن رئيس المخابرات التركية، عقد عدّة اجتماعات مع نظيره السوري في دمشق، خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وقال مصدر إقليمي مُقرّب من الحكومة السورية؛ للوكالة، إن رئيس جهاز المخابرات الوطنية التركي، هاكان فيدان، ورئيس المخابرات السورية علي مملوك، “التقيا مؤخراً؛ هذا الأسبوع (الماضي) في العاصمة السورية”.

وخلال الاجتماعات، قيَّم المسؤولان كيفية لقاء وزيري خارجية البلدين.

فيما قال المصدر المُقرّب من دمشق، إن “الاجتماعات الأخيرة، بما في ذلك زيارة فيدان لدمشق، استمرت يومين في نهاية آب/ أغسطس، سعت إلى تمهيد الطريق لجلسات على مستوى أعلى”.

هل تصدق الروايات الإعلامية؟

تداولت وسائل إعلام وبالتحديد روسية وإيرانية، أنباء تُفيد بإخطار السلطات التركية لأعضاء الائتلاف الوطني السوري المعارض، بمغادرة الأراضي التركية قبل نهاية العام الحالي، ما يُثير تساؤلاً فيما إذا كان بدأ العدّ التنازلي للمعارضة السورية بأنقرة؟.

وذهبت وكالة “سبوتنيك” الروسية، إلى أن هذا الإجراء صادر عن الاستخبارات التركية، وأنه جاء بعد قرار سياسي تمّ اتخاذه مؤخّراً على خلفية التقارب السوري- التركي، برعاية موسكو.

وبحسب الوكالة الروسية، “تمّ إبلاغ عدد من أعضاء الائتلاف، عن طريق الأجهزة الأمنية التركية، بضرورة إيجاد مكان آخر لممارسة النشاط السياسي الخاص بـالمعارضة السورية، على أن يكون خارج الأراضي التركية”.

بالإضافة؛ “لإنهاء جميع النشاطات السياسية والإعلامية المرتبطة بهذا الائتلاف في موعدٍ أقصاه نهاية العام الجاري”.

وأضافت أنه “سيسمح لمن يرغب من أعضاء الائتلاف من الحاصلين على الجنسية التركية أو الإقامة الدائمة بالبقاء على الأراضي التركية، لكن دون ممارسة أي نشاط سياسي أو إعلامي”.

أيضاً نشرت وكالة الأنباء الإيرانية “تسنيم”، قبل أكثر من أسبوع، أن تركيا طلبت من الائتلاف السوري مغادرة الأراضي التركية، وإيجاد بديل لها.

ولكن الائتلاف السوري المعارض، نفى ذلك عبر بيانين منفصلين، وقال إن المسؤولين الأتراك لم يُبلِّغوا الائتلاف بالقرار الذي تحدثت عنه الوكالة الإيرانية وكذلك الروسية.

ورغم النفي، إلا أن ما يجري على الأرض يعكس غير ذلك، حيث أوقفت تركيا أو قلّصت بالاتفاق مع قطر، تمويل الائتلاف، وسحبت العديد من الامتيازات التي تتمتع بها قيادته ومعظم كوادره على الأراضي التركية، إضافة لإغلاق بعض المكاتب.

وتأتي أولوية الرئيس التركي هذه الأيام للمصالحة مع دمشق، لإيجاد حل سريع للتخلّص من حواليّ أربعة مليون لاجئ سوري على الأراضي التركيّة، باتت قضيّتهم تحتلّ مكانةً بارزةً في حمَلات المُعارضة ضدّه وحزبه الحاكم (العدالة والتنمية)؛ مع اقتراب موعد الانتِخابات الرئاسيّة والتشريعيّة المقررة في حزيران/ يونيو، العام المُقبل.

ولكن في الوقت ذاته، لا يمكن لتركيا أن تتخلّى بشكل كامل عن الائتلاف السوري المعارض، إذ تريد استِخدامه كورقة ضغط في المُفاوضات المُتسارعة حاليّاً مع نظيرتها السوريّة بوساطةٍ روسيّة.

وصرّح مصدر مُقرَّب من الحكومة السورية؛ لإحدى وسائل الإعلام، بأن  “أردوغان يُريد حصّة في أيّ حَلٍّ قادم في سوريا، سياسيّاً أو اقتصاديّاً، وفتْح الطُّرقات أمام صادراته إلى الخليج”.

ولهذا، وبحسب المصدر، “لن يُفرّط (أردوغان) بهذه الورقة، وكُل ما يفعله الآن هو مُمارسة ضُغوط على الائتلاف وقيادته، بما يتماشى وينسجم مع السّياسة التركيّة الجديدة تجاه سوريا، والفصل بين الائتلاف المُعتدل والفصائل الأخرى المُصَنَّفة إرهابيّاً والتي يجب القضاء عليها وِفقاً لتفاهماتِ قمّة سوتشي، وبُنود اتّفاق أضنة لتحقيق المطالب الأمنيّة للبلدين”. 

ما الهدف من تصعيد روسيا؟

وفي خطوة تؤكّد ما سبق ذكره، ولدفع عجلة الحوار السوري التركي، تُصعّد روسيا من قصفها واستهدافها لمناطق سيطرة فصائل المعارضة، في شمال غربي سوريا.

وأمس السبت، جدّدت الطائرات الحربية الروسية، غاراتها على مناطق سيطرة المعارضة السورية، في ريف إدلب، شمال غربي سوريا.

ويأتي هذا التصعيد، بالتزامن مع دخول قافلة مساعدات أممية من مناطق سيطرة الحكومة السورية، إلى إدلب، حيث تُسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً).

وقالت مصادر عسكرية في المعارضة السورية، لنورث برس، إن أربع طائرات حربية روسية؛ من طراز s24، و s34، استهدفت بنحو 10 غارات جوية؛ أطراف مدينة إدلب الغربية (منطقة الأحراش)، ومنشر للحجر بالقرب من بلدة حفسرجة، غربي إدلب، وأسفرت عن إصابة شخص.

وفي الثامن من هذا الشهر، قصف الطيران الحربي الروسي، أطراف مدينة إدلب، وقرى وبلدات: الشيخ يوسف، وحفسرجة، والغفر بمنطقة سهل الروج، غربي إدلب.

وتتسارع الاتّصالات السريّة السوريّة هذه الأيّام، في ظلّ حديث عن اتفاق وشيك بين الطرفين برعاية روسية، إذ أن أردوغان يريد المُصالحة قبل الانتخابات، وبدأ يُطبّق الشّروط السوريّة، واحتمال تحجيم دور الائتلاف السوري المعارض وتقليص صلاحياته، يكون أول خطوة في طريق الاتفاق.

إعداد وتحرير: فنصة تمو