بلدات في ريف الحسكة تفتقر للخدمات الطبية

ريف الحسكة ـ نورث برس

يتمُّ التحقيق في قضية “استهتار”، ارتكبها سائق سيارة الإسعاف الوحيدة، في مستوصف بلدة عبدان، 70 كم، جنوبي الحسكة، تسبّبت بوفاة خلف السليم، (35 عاماً)، من سكان البلدة، وإغلاق المستوصف.

والأسبوع الماضي، تعرّض الشاب “السليم”، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، لوعكة صحية “خطيرة”، استدعت من ذويه الاتصال بسائق سيارة الإسعاف في مستوصف البلدة لنقله إلى أحد مشافي الحسكة، لكن السائق رفض القدوم لمنزل المريض، ما تسبّب بوفاته.

ولهذا السبب قام ذوو الشابّ، بتقديم شكوى إلى المجلس المدني في البلدة، ضدّ سائق سيارة الإسعاف، ليُصار إلى إبلاغ لجنة الصحة، وإغلاق المستوصف لمدّة محدّدة؛ يتم خلالها التحقيق في القضية، ما زاد من الواقع الصحي سوءاً لسكان البلدة.

ويضطّر عواد المحمد، (50 عاماً)، من سكان البلدة، لدفع أجور مواصلات عالية بين فترة وأخرى، لقصد أطباء ومشافي الحسكة، لتلقّي العلاج في ظلّ تردّي الواقع الصحي في البلدة، وافتقارها لطبيب أخصائي.

ويقتصر المستوصف الطبي الوحيد في عندان، على ثلاثة ممرضين؛ مهمتهم تقديم الإسعافات الأولية وسط غياب كادر طبي من جميع الاختصاصات، لذلك يصف “المحمد”، واقع الصحة في البلدة بـ”المتردّي والسيء”.

ويتبع مجلس بلدة عبدان المدني، والمؤسسات المدنية الأخرى المتواجدة فيها إدارياً؛ إلى مجلس مدينة الشدّادي، جنوبي الحسكة.

ووصف طارق الكريعي، مسؤول لجنة الصحة في الشدّادي، القِطاع الصحي في البلدة بـ”المُتردّي جداً”، وأضاف: “لا يوجد فيها سوى المستوصف، ويفتقر لوجود كادر طبي متكامل، ويقوم بتقديم الخدمات حسب الإمكانيات المتاحة له”.

وأشار “الكريعي”، إلى أنهم طالبوا هيئة الصحة، في الحسكة، بتحسين الواقع الصحي في البلدة، وتزويد عدد الكادر الطبي، وتوفير الأدوية في المستوصف، “لكن حتى اللحظة لم يتم الاستجابة لمطالبنا، بسبب عدم توفُّر الإمكانيات”.

وتطرَّق المسؤول الصحي لإغلاق المستوصف، بسبب شكوى مُقدّمة من أحد السكان، الأسبوع الماضي، وقال لنورث برس: “خلال فترة قصيرة لا تتجاوز الأسبوع سيعود المستوصف إلى العمل”.

وعلّل رفض السائق لنقل المريض “السليم”، إلى أحد مشافي الحسكة، بأن السائق “كان يُطبِّق التعليمات التي تلقّاها، وهي أن مهمة سيارة الإسعاف هي نقل المرضى من المستوصف إلى مشافي الحسكة فقط”.

بلدات أخرى

ولا يقتصر الأمر عند بلدة عندان، إذ تُعاني جميع نواحي، وبلدات ريف الحسكة الجنوبي، من تدهُّور القطاع الصحي، بسبب قلّة الكوادر المتخصصة، والتأخُّر في إعادة تأهيل البنية التحتية للقطاع الذي تعرَّض لدمار لحق به، أثناء سنوات الصراع السوري، لا سيما أثناء سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

ويوجد في ريف الحسكة الجنوبي، العديد من النواحي، والبلدات ومنها: (ناحية العريشة، والحدادية، والشدّادي، وعبدان، وأبو فاس، ومركدة، وتل الشاير).

وجميع هذه البلدات يوجد فيها مراكز طبية تفتقر للكوادر الطبية والأجهزة، وتُعاني من نقصٍ حادّ في الأدوية، وكل مركز يوجد فيه سيارة إسعاف واحدة تنقل المرضى إلى مشافي الحسكة.

وتحصل المراكز الطبية المتواجدة في هذه البلدات؛ على الدّعم من الإدارة الذاتية، سوى مستوصف الشدّادي؛ الذي يتلقّى الدّعم من الهلال الأحمر الكردي.

ويوجد مشفى وحيد في مدينة الشدّادي، تعرَّض للدمار والتخريب خلال سنوات الحرب بين عامي 2013 و2016.

وفي عام 2020، بدأت هيئة الصحة، التابعة للإدارة الذاتية، لشمال وشرق سوريا، بإعادة تأهيل المشفى، بتكلفة تبلغ أربعة مليون دولار، والعام الماضي، تمّ الانتهاء من المشروع، ولكن حتى اللحظة لم يتمّ افتتاحه.

وفي حال تمّ افتتاح المشفى، “سيُصبح مقصداً لعددٍ كبير من المرضى؛ من قُرى، وبلدات جنوب الحسكة؛ وصولاً إلى بلدة الصور في ريف دير الزور”.

دعم محدود

يقف علي الخليل، (40 عاماً)، وهو من سكان ناحية مركدة، جنوبي الحسكة، عاجزاً عن تخفيف آلام ابنه ذو الثمانية أعوام، بعد تعرُّضه لحروق بالغة في جسده، لغياب أطباء أخصائيين في المنطقة.

ويقول “الخليل”، لنورث برس، إن طفله تعرَّض لحروق في الأيام القليلة الماضية، “اضطررت في البداية لنقله إلى مشافي الحسكة، بسبب سوء القطاع الصحي في مركدة”، لكن بُعد المسافة، وقلة الإمكانيات؛ تُثقل كاهل الأب الذي يقف عاجزاً عن التخفيف من آلام ابنه.

وأشار، إلى أن القطاع الصحي في المنطقة “مُتردّي جداً”، ولا يوجد سوى نقطة طبية واحدة وهي المستوصف، ويفتقر للأجهزة والكوادر، ويعاني من نقص في الأدوية، حيث اقتصر عمله على الإسعافات الأولية.

ويخدِّم مستوصف مركدة المُؤهَّل، 85 ألف نسمة، لكنه يفتقر لكوادر، ومستلزمات طبية؛ ما يدفع السكان لسلك طُرق بعيدة تتجاوز 100 كم؛ للوصول إلى مشافي الحسكة.

وفي بداية عام 2011، تمّ تجهيز مشفى في ناحية مركدة، إلا أن اندلاع الحرب السورية حال دون افتتاحه.

وأثناء سيطرة “داعش”، على مركدة؛ في 2014، اتّخذ التنظيم من المشفى مقرّاً لعناصره.

ومؤخَّراً، طالب سكان ناحية مركدة، الإدارة الذاتية، بإعادة تأهيل مشفى الناحية ودخوله إلى الخدمة لتحسين الواقع الصحي المتدهور، ولكن حتى اللحظة لم يتمّ إعادة تأهيله.

وحال رضوان العكلة، (35 عاماً)، من ناحية العريشة، بريف الحسكة، لا يختلف عن باقي المناطق، فهو الآخر يضطّر للذهاب إلى مشافي الحسكة، أثناء وجود حالات مرضية لدى عائلته.

ويوجد في ناحية العريشة؛ مستوصف وحيد يخدم أكثر من 100 ألف نسمة، وحاله كحال باقي المراكز الصحية بالمناطق المحيطة إذ يفتقر للكوادر والأجهزة الطبية إضافة لنقص الأدوية.

يقول الرجل الثلاثيني، لنورث برس، القطاع الصحي منذ سنوات في مناطق جنوب الحسكة “مُتردّي”، وهذا الأمر “استهتار بأرواح  السكان، ويجب أن يكون هناك مشفى واحدة على الأقل مُفعّل لتحسين القطاع الصحي”.

إعداد: باسم شويخ ـ تحرير: قيس العبدالله