زراعة القطن في الجزيرة السورية تسير نحو الزوال

سري كانييه/رأس العين – حسن عبد الله – NPA
شهدت زراعة محصول القطن تراجعاً كبيراً، في سوريا عموماً ومنطقة الجزيرة بشكل خاص، خلال السنوات السابقة، من حيث المساحة المزروعة وكمية الإنتاج.
وانخفض إنتاج سوريا من المحصول إلى أقل من مئة ألف طن خلال سنيِّ الحرب،  بعد أن كان يصل لأكثر من مليون طن (قرابة نصفه كانت من الحسكة).
وكان العام الماضي الأكثر كارثية على زراعة هذا المحصول، فقد انخفض إنتاج الهكتار الواحد منه  إلى أقل من /50/ كغ، بفعل إصابته بنوع من الديدان التي تصيب جوز القطن، فيما كان إنتاج الهكتار يصل لأكثر من /400/ كغ في الأعوام السابقة، مما كبد الفلاحين خسائر فادحة.
في منطقة سري كانيه /رأس العين التابعة لمقاطعة الحسكة شمالي سوريا، تعتبر زراعة القطن من أهم الزراعات التي تساهم بدور كبير في الحركة الاقتصادية.
مساحات شاسعة كانت تُزرع بالمحصول الذي كان يدر نسبة قُدرت بـ/22/ بالمئة  من دخل الأسر، بحسب بعض الإحصائيات.
لكنها تراجعت في سري كانيه، كما في باقي مناطق البلاد، على الرغم من محاولات الإدارة الذاتية تقديم بعض الدعم والتسهيلات، التي وإن ساهمت بإعادة بعض المساحة  المزروعة خلال العامين الماضيين، لكن دون أن تساعد في زيادة الإنتاج.
وبحسب لجنة الزراعة التابعة للإدارة الذاتية في سري كانيه، فإن المساحة المزروعة بمحصول القطن هذا العام بلغت /42400/ دنماً.
ويعزو الفلاحون أسباب عزوفهم عن زراعة القطن إلى عدة أسباب تتلخص بارتفاع تكاليفها، وانتشار الإصابة بدودة الجوز، وانخفاض التسعيرة؛ لصعوبة تصريف الإنتاج.
خسائر فادحة
غسان إسماعيل حسين، مزارع من قرية تل سنان شرقي سري كانيه، خسر أكثر من خمسة ملايين ليرة سورية (أكثر من ثمانية آلاف دولار) العام الماضي، بسبب إصابة محصوله بدودة الجوز.
يقول غسان لـ"نورث برس" إنه زرع العام الماضي /150/ دنماً من القطن، "قضت الدودة عليه ولم نجنِ منه سوى طنين اثنين، لم يغطِيا سوى جزء بسيط من خسائرنا".
لافتاً إلى أنه لم يزرع سوى /50/ دنماً هذا العام، فـ"إذا خسرت أيضاً أظن إني لن أزرعه مجدداً، خاصة بعد أن ظهرت حالات قليلة من الإصابة بالدودة هذا العام".
إبراهيم جاسم السنجار مزارع آخر، من قرية الجلبية /10/ كم شرقي سري كانيه، كان يزرع قرابة /50/ دنماً في الأعوام السابقة، لم يزرع هذا العام  سوى /15/ دنماً،  يقول "لم أجنِ كيلو غراماً واحداً من القطن العام الماضي، لقد خسرنا خسارة فادحة، وأظن أن زراعة هذا المحصول ذاهبة إلى الزوال".
ويعتبر السنجار أن آفة ديدان الجوز التي تصيب المحصول، هي أكبر المشاكل التي تهدد زراعة القطن.
صعوبات أخرى
لكن الصعوبات التي تواجه زراعة القطن لا تقتصر على عدم توفر مكافحة دودة الجوز فقط؛ فيؤكد عادل محمد من قرية الصالحية أن "قلة مياه الريّ بسبب جفاف المجاري المائية، وفقدان الدعم  كالقروض، وصعوبة تأمين المستلزمات وغلاء أسعارها، وهجرة الأيدي العاملة، وصعوبة تصريف الإنتاج، كلها أدت إلى تراجع زراعة القطن" بحسب محمد.
عزوف عن القطن
نوري حسن من قرية السفح يعمل فلاحا منذ /25/ عاماً يقول "كان دخلي يعتمد على مردود القطن بشكل أساسي، فزراعة القطن تُدرُّ دخلا أفضل من باقي المحاصيل في حال لو نجح المحصول ولم يصب بأية آفة، لكني لم أجنِ منه شيئاً العام الماضي؛ لذلك لم أغامر بزراعته هذا العام، وقد زرعت الخضروات بدلاً من القطن".
إصرار رغم الخسائر
كحال نوري، خسر محمد الجاسم – فلاح من قرية تل ذياب – محصوله العام الماضي، لكنه يصر على الاستمرار بزراعة القطن كونه العمل الوحيد الذي يجيده.
يقول الجاسم "رغم أن أغلب جيراني لم يعودوا يزرعون القطن، لكني أظن أنه محصول مربح إن لم يُصب بدودة الجوز؛ لذلك أعدت زراعته على أمل أن يعوض بعض خسارتنا التي منينا بها العام الماضي."
وأوضح الجاسم أن الإدارة الذاتية أمنت مستلزمات زراعة القطن من بذار ووقود وأسمدة وأدوية، قائلاً "مستلزمات الزراعة أصبحت متوفرة بشكل جيد هذا العام؛ لكنها غالية الثمن؛ فسعر الطن الواحد من السماد وصل إلى /300/ ألف ليرة (حوالي600 دولار)، وسعر أدوية مكافحة الآفات وتكاليف الفلاحة وغيرها، كلها تضاعفت، التكاليف مرتفعة جداً مقارنة بسعر القطن الذي لا يمكن بيعة إلا من خلال الإدارة الذاتية".
بدورها بينت ليلان صالح، الرئيسة المشاركة للجنة الزراعة في مدينة سري كانيه، أنهم يتوقعون إنتاجا أفضل من العام الماضي، بقولها "نتوقع أن الإنتاج سيكون جيداً هذا العام، رغم ظهور إصابات بدودة الجوز في البداية بنسبة/ 5,9/ بالمئة وانخفضت إلى قرابة /5,2/ بالمئة بسبب ارتفاع  معدلات درجات الحرارة، كما تم مكافحة الإصابة بالمبيدات، من قبل بعض المزارعين، بالرغم من أن الإصابة لم تصل إلى النسبة الاقتصادية."
وتضيف صالح أنه على الرغم من توفر بذار القطن، صنف حلب /124/ (صنف محسن يلائم ظروف وبيئة المنطقة) لدى لجنة الزراعة، إلا أنه لم يُقدم أي طلب من قبل المزارعين للحصول على البذار.
وتوضح صالح  أن البذار التي تمت زراعتها من قبل المزارعين مصدرها التجار، و"لجنة الزراعة ليست لديها أية معلومات عن هذه البذار وهي غير مكفولة من قبلها".
أما بخصوص استلام المحصول وتحديد سعره فتؤكد صالح أنه "لم يصدر قرار استلام المحصول من المزارعين حتى الآن من قبل الإدارة الذاتية، ومع ذلك تقوم لجنة الزراعة بتزويد المزارعين بمادتي المازوت والسماد اللازمتين للمحصول".
وعلى الرغم من محاولات الإدارة الذاتية تقديم المستلزمات الضرورية للزراعة، تبدو زراعة بعض المحاصيل، وكأنها ذاهبة إلى الزوال نتيجة التغيرات المناخية، وعدم توفر الإمكانات الاقتصادية والعلمية؛ لوضع خطة شاملة بإمكانها أن تأمن الشروط والظروف المناسبة لتطوير الإنتاج، ومواجهة التغييرات التي تؤثر في الزراعة، إلى جانب قلة الاهتمام من قبل الإدارة الذاتية بمحصول القطن، على عكس زراعة القمح والشعير الاستراتيجيين.