ماذا بعد المحادثات النوويّة الإيرانية؟

يُدرك النظام الإيراني، حدود قدرة الولايات المتحدة على التعامل مع تهديداته، كما أنه يعرف بالضبط كيفية الردّ على أي هجوم عسكري أميركي؛ على الميليشيات الموالية لإيران.

وسواء أكانت المفاوضات الجارية في فيينا والعواصم الأخرى؛ لإحياء الاتفاق النوويّ تنتهي بصيغة جديدة أم لا، فإن الشرق الأوسط على وشك الدخول في مرحلة جديدة لوقت أكثر وضوحاً وخطورة، والتي سيكون التقدُّم  فيها هو المتوقّع. دور إيران في المنطقة في الواقع؛ يُبدي أن التوسُّع الإيراني في عدد من الدول العربية ليس بالأمر الجديد.

ولكن المنطقة الآن؛ تتأرجح على شفا مرحلة جديدة من هذا المشروع التوسُّعي.

انخفض عامل الخوف، وأصبح الانتقام والهجوم المضادّ من السمات المُتكرّرة للعلاقات الأميركية ـــ الإيرانية، هذا في حدّ ذاته تطوُّر نوعي يهمُّ طهران، مع كل ما يعنيه التخطيط الاستراتيجي الإيرانيّ، ومن الواضح أن إيران لا تتفاوض بشأن القدرات النوويّة في الوقت الحالي.

يتمُّ البتّ في القضية ليس فقط على أساس تقييمات خبراء متخصصين في إسرائيل والغرب؛ ولكن أيضاً على أساس وجهات نظر رفيعة المستوى، تُشير إلى أن قدرة إيران النوويّة ليست سوى قرار سياسي بعيد المدى؛ الشيء الذي تدركه الولايات المتحدة جيداً.

لكن طهران تتفاوض لتحقيق أقصى فائدة استراتيجية، على الرّغم من أن أجندة التفاوض بحدّ ذاتها؛ تُمثِّل فوزاً كبيراً لها، إلا أنه لم يَرِد ذكرٌ لبرنامج الصواريخ والطائرات بدون طيّار التي أصبحت تهديداً حقيقياً للجميع، بما في ذلك الغرب (هناك اتفاق بشأن الطائرات بدون طيّار الإيرانية، بتكليف من روسيا لتعزيز قدراتها العملِيّاتيّة في أوكرانيا)، والسياسات التوسُّعية الإيرانية التي تحدّ من النقاش حول البرنامج النووي، وهي سياسات مُستعصية للغاية حتى بالنسبة للوكالة الدولية للطاقة الذّرية.

اللغز في التعامل مع إيران ليس إيران نفسها، بل استراتيجية إدارة بايدن تجاهها، سواءً من خلال المفاوضات، أو العمل العسكري؛ كالردّ على التهديدات للقوات والمصالح الأميركية في سوريا، والعراق، وأماكن أخرى. لقد أوقعت المفاوضات المطوَّلة البيت الأبيض في فخّ؛ في حين لم يتبقَّ سوى أسابيع قليلة على انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأميركي.

هذه هي نفس الاستراتيجية التي استخدمها الإيرانيون مع الرئيس السابق باراك أوباما، عندما استمرّت المفاوضات عدّة سنوات، حتى أُجبر أوباما أخيراً على التوقيع على النسخة الكارثية الحالية من الاتفاقية قبل انتهاء ولايته الثانية. في النهاية، نحن أمام مرحلة إيرانية جديدة، سواءً تم إحياء الاتفاق النووي أم لم يتمّ، في كلتا الحالتين، سينظر الشرق الأوسط إلى إيران بشكل مختلف.

ربما ستدعم المزيد من الميليشيات الطائفية الموالية لها، وهي تحاول بقوّة جني ثمار توسُّعِها في اليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان في السنوات الأخيرة، ومن المرجّح أن تتصاعد وتيرة الهدوء الذي تمارسه في العلاقات مع جيرانها في المنطقة لتصبح أقوى.

هل من المسموح لإيران تقديم تنازلات؟

من الصعب تصوُّر التنازلات السياسية الإيرانية في شؤون المنطقة؛ بل ما يمكن توقُّعه هو عكس ذلك تماماً، حيث يعتبر النظام الإيراني أن تحوّل النظام الدولي في مصلحته بالكامل.

هذا هو أحد الدوافع لمناورات التفاوض الجارية في فيينا، كما يعترف بتراجع المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة وتدهّور علاقات واشنطن مع حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط، حيث اختبرت إيران قوّة هذا التّحالف أكثر من مرة في العامين الماضيين.

ومع ذلك ، فقد فعلت واشنطن بالضبط ما توقّعه الجانب الإيراني، لقد رأينا في الأيام الأخيرة مدى قسوة حديث الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي؛ عن إسرائيل، بل إنه هدّد إسرائيل بالإبادة الكاملة إذا شنّت هجمات على المنشآت النوويّة الإيرانية.

هذه التهديدات هي نفسها التي يتمّ إطلاقها مراراً وتكراراً من قِبل المتشدّدين في الحرس الثوري الإسلامي، لكن ذلك كان بعيداً نسبياً عن لهجة خطاب الرئيس الإيراني، الذي أصبح عدوانياً وقاسياً؛ متجاهلاً غضب واشنطن في هذا الوقت الحسّاس للغاية، كما يجب على الجميع في منطقتنا ألّا يتجاهلوا تأثير الاندفاع الأوروبي على إيران لتهدئة أسواق الطاقة.

علينا أن نتخيّل كيف يمكن لطهران أن تستغلّ كل هذا لصالحها، باستخدام خبرتها الطويلة في المفاوضات مع دبلوماسيين غربيين من مختلف الأطياف والتوجُّهات السياسية، كما يعلم الإيرانيون جيداً أن الرئيس جو بايدن؛ لن يخاطر بحرب أخرى ضدّهم حتى نهاية فترته الرئاسية.

كما أن الايرانيين يعلمون تماماً أن إسرائيل ستُفكّر مرتين في توجيه ضربة عسكرية إليهم؛ لأنها غير متأكدة من أنها ستحصل على دعم أميركي واضح وقوي، وهذا غير مرجّح، خاصةً إذا تمّ التوصُّل إلى صيغة لاتفاقٍ نوويّ جديد؛ لذلك سيواصلون ويوسِّعون خطة انتشارهم في سوريا، وسيواصلون دعم الفصائل والميليشيات.

كما تعلم طهران؛ أن الوقت في مصلحتها، كما أن الواقع الدولي الصّعب هو فرصة مثالية لتحقيق ما تريده إقليمياً وخارجياً؛ وهذا ما يُفسِّر جزئياً القسوة التي تتعامل بها مع تصرفات إسرائيل وما خفي كان أعظم.

لذا فإن السؤال الأكثر إلحاحاً؛ هو عن طبيعة السيناريو الأفضل لمنطقتنا: إحياء الاتفاق النوويّ، أم فشل المفاوضات الجارية؟ والجواب أن النتيجتين متشابهتين مع اختلافات قليلة في مستوى السلوك الإيراني.

لكن يبدو أن إحياء الاتفاقية هو السيناريو الأفضل و الأمثل لإيران؛ من حيث الفوائد الاستراتيجية الكبرى المتوقّعة: كتحييد الغرب لشَغلِ مقعدٍ خلفي، والبحث عن حلول لأزماتها، وفوائد متعلّقة بصراعها الإقليمي بكل ما يترتّب على ذلك من نتائج سلبية على أزمات ومشاكل الشرق الأوسط.

المصدر: صحيفة جيروزالم بوست الإسرائيلية