قماش أسود.. رواية تُوثِّق الرُّعب في الرقَّة السوريَّة

القامشلي ـ نورث برس

أصدرت الساحة الثقافية في سوريا، منذ العام 2011، وحتَّى الآن، عشرات الكتب والأفلام السينمائية، وحتى الوثائقيات، التي استعرضت حجم الرعب والدّمار الذي حلّ بسوريا.

وعمَّ ذلك الخراب والرُّعب عموم الأراضي السورية، ولا تكاد تخلو قرية من القُرى السورية من مشاهد رعب، أرهقت قاطنيها، ودفعت بهم إمَّا إلى الهرب، أو معايشة الخوف والرُّعب، ومن ثمّ سرد الندوب التي تسبّبت بها حالات الرُّعب، وليتمّ توثيق كل ذلك، إمَّا بأعمال روائيَّة، أو قصص، أو غيرها من الأجناس الأدبيَّة المختلفة.

رواية “الرُّعب السوريَّة”

تتمحور رواية الكاتب السوري، المغيرة الهويدي، المُعنوَنة بـ”قماش أسود”، حول كل أشكال الرُّعب التي عاشها سكان مدينة الرقة السوريَّة، بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عليها، لتُنسَجَ الحكايات فيما بعد؛ عن تلك البقعة السوداء من تاريخ سوريا المعاصر، والتي لن تُمحَى بسهولة من الأذهان.

“قماش أسود”، هي من أبرع الروايات التي سردت ونجحت بشكلٍ فنّي، في إبراز قُبح اللون الأسود، الذي كان شؤماً على أبناء مدينة الرقة، وعلى سوريا بأكملها.

فهي رواية تُوثِّق الموت، الفاجعة، الخوف، والرُّعب؛ من أصحاب اللِحى القادمين من مختلف أصقاع المعمورة إلى حيث عاصمتهم المزعومة التي اختاروها من فتاوى مُزيَّفة وكلامٍ فارغ من كل شيء إلَّا من الدمويَّة.

الرواية صادمة، لا يمكن للقارئ أن يُفسِّر أو يقوم بفعل التأويل، فالأحداث تمرُّ أمام الأعيُن كشريطٍ سينمائيٍّ غائرٍ في التفاصيل ودقائقها، أي، لا يمكن وصف الشخصيات الواردة في سياق هذا العمل الروائي-التوثيقي، على أنَّهم محض خيال، بل سيتعثَّر أيّ أحد بأي شخصيَّة مشابهة على أرض الواقع، لمُجرَّد تجواله في مدينة الرقة، التي غدت حُطاماً، بعد أن أطبقت الرّايات السوداء براثِنها حول البيوت والشوارع الوادعة.

تقنية الرواية والسَّرد الحِكائي

ينطلق الأسلوب الروائي لهذا العمل، من نقطة هامَّة للغاية، وهي مقولة يجب أن تُعامَل على أنَّها قاعدة حياتيَّة تُرافق الكوارث، والتي تنصّ على: “عندما نتوقَّف عن سرد القصة السيّئة فإنَّنا ننساها”.

وما أكثر القصص السيئة التي حصلت تحت حُكم الرّايات السوداء، والتي يجب أن تُسرَد لئلَّا تُطوى وتُنسى وتختفي، حيث سنقرأ حكاية امرأتين سوريّتين، قادتهُما الأقدار لأن تكونا في الرقة، وأن تعيشا التناقض الدموي، والحديث عن الأحلام والخيبات التي تراوِدهُما، والخوف من فقدان الحياة.

ونحن هنا في مواجهة تناقضَين ضمن أحداث العمل الروائي، شخصيَّة تريد أن تنجو بحياتها وتُنقذها، فيما الشخصيَّة الثانية تريد وتحاول أن تنسى ما مرَّت به، ولكن لا يمكن لأي شخصيَة بشريَّة نسيان ما مرّت به من ويلات وتعنيف وقتل وقطع الرؤوس أمام أعيُن البشر، إمعاناً في قتل الحياة بداخلهم، وإمعاناً في الوقت نفسه بجعلهم خاضعين ومذلولين أمام السّطوة الدموية للون الأسود.

حين تتحول المأساة إلى رواية

ليس سهلاً على أي كاتب، أو شاعر، “سوري” على وجه الخصوص، ترجمة ما حصل من مأساة على الأرض إلى عملٍ أدبي.

فالمُفارقات المُبكية، تجعل من الكتابة أمراً صعباً للغاية، وهو امتحانٌ جديّ للكتابة والسَّرد الحكائي الروائي، فمصائر السوريين متشابهة، أو على الأقلّ كانت متشابهة منذ العام 2011، وما تلاه من أعوام، وصولاً إلى وقتنا الرَّاهن، ليزداد الوضعُ قَتامَةٍ وإمعاناً في السَّواد العام، حيث القتل والاختطاف والتعنيف والتهجير وكل أشكال وأنواع الظلم التي لم تعرفها البشريَّة ولم تمرّ عليها إطلاقاً.

والمفارقة الأقسى في هذا العمل الروائي، هو أن تسرِد النساءُ المأساة، وهذه تقنية صعبة للغاية، ما لم تعتمد على شهادات حقيقيَّة لنساء خُضنَ التجربة فعليَّاً على الأرض، حيث التفاصيل السوداء لفترة تاريخية من حياة السوريين، سرد كامل عن المآسي، وليس مأساة بعينها، مآسٍ ستبقى ظلالها مُخيِّمة على وجوه وأفئدة الناس طوال الحياة.

يُذكر في السياق؛ أنَ العمل الروائي، “قماش أسود”، حصل مؤخَّراً على جائزة غسان كنفاني للرواية العربيَّة، وتُعتبر من أبرز الجوائز الأدبية في فلسطين، وقد جاء في حيثيَّات اختيار الرواية للفوز بهذه الجائزة، وحسب تصريح رئيسة لجنة التحكيم: “الرّواية رصدت وجع السوريين، وعذاباتهم في منطقة الرقة؛ من خلال حبكة روائية مُتقنة، تمكّنت وباقتدار من تسليط الضوء على معاناة المرأة في أماكن النزاع المُسلّح”.

المغيرة الهويدي، روائي وشاعر من مواليد سوريا – الرقة 1979، ويقيم حاليَّاً في الكويت، وقد صدرت له مجموعة من الأعمال المتنوعة بين شعر ورواية، منها: مجموعة شعرية بعنوان: “كان البيت أخي السابع”، الصادرة عن دار ممدوح عدوان، خلال العام 2018، و “الحب لا يغادر البلاد”؛ عن الدار العربية للعلوم – ناشرون، خلال العام 2014.