صناديق المالية الخاوية تدفع الحكومة لتفعيل نظام “الفوترة” في سوريا

دمشق ـ نورث برس

لم يعد إصلاح النظام الضريبي في سوريا؛ خياراً، فمحدودية الموارد التي تُغذّي صناديق المالية؛ تدفع الحكومة لاتّخاذ إجراءات فاعلة في مجال النظام الضريبي، الذي يُعدّ الأسوأ والأقدم في المنطقة.

نظام ضريبي يعود لعام 1948، طُبِّقت عليه تعديلات، لكنه لم يتغيّر بشكل أساسي، وكانت آخر التعديلات في العام الماضي لبعض المواد فقط.

ويرى بعض خبراء الاقتصاد، أن الحفاظ على هذا النظام “يُحقّق منافع شخصية، أكثر مما يُحقّق مصلحة عامّة للبلاد”.

ولكن تراجع موارد الدولة، وخسارتها؛ لمصادر الحصول على القطع؛ كالنفط، والتصدير الزراعي، والصناعي، والسياحة، خلال هذه الحرب، جعل إعادة النّظر في موضوع الإصلاح الضريبي أمراً لا مفرّ منه.

انتهت المفاجآت

الصناعي، عصام تيزيني، نشر على صفحته؛ منشوراً احتفالياً؛ بقرار وزارة المالية باعتماد نظام الفوترة الإلكترونية.

وعدَّ تطبيق هذا الإجراء؛ بمثابة نهاية “لعهد الجلطات والمفاجآت”؛ في إشارة منه إلى المشاكل التي تسبّبت فيها طريقة التكليف التي اعتمدها عناصر وزارة المالية مؤخّراً؛ من مداهمة المحلات، ومسك دفاتر العمل، وفرض ضرائب بمبالغ وصفها أكثرهم، لنورث برس؛ بـ”غير المُنصفة والكارثية”.

لمتابعة جميع الأخبار… حمل تطبيق نورث برس من متجر سوق بلاي

وقد تسبّبت هذه الآلية؛ بإصابة بعض أصحاب الفعاليات بجلطات أنهت حياتهم.

وأشار، “تيزيني”؛ إلى أن اعتماد نظام الفوترة؛ “سيغلق أبواب الفساد في التكاليف الضريبية”، وذلك في إشارة أيضاً إلى الصفقات التي كانت تتمّ من تحت الطاولة؛ بين المُكلّفين ضريبياً، وأصحاب الفعاليات الاقتصادية.

وكانت آخر الأخبار في هذا المجال، إحالة الفريق العامل في دائرة الاستعلام الضريبي في وزارة المالية؛ إلى القضاء؛ بعد تبادل اتّهامات بين تجّار وإدارة الاستعلام بتقديم رشاوى، انتهت بوضعهم في السجن على ذمة التحقيق.

ونشر “تيزيني”، “انتهى عهد المفاجآت والجلطات؛ التي كانت تحلّ بأصحاب العمل، حين يتمُّ إبلاغهم بعد غياب؛ أن عليكم دفع كذا وكذا..، أو إخبارهم على الحدود أنكم ممنوعون من المغادرة..، راجعوا وزارة المالية..، انتهت فوضى التكاليف”.

وأضاف: “لا صفقات فاسدة بعد الآن …، لا دفاتر، ولا تراكم، ولا بيانات، ولا شخصنة، ولا ابتزاز، ولا ..؛ إنها الأتمتة ..؛ مفتاح بتر الفساد”.

لم يحصل

ولكن هل يمكن تطبيق هذا النظام ضمن بيئة العمل السائدة في سوريا، والتي تفتقد للبنية التحتية من جهة، ولبيئة عمل مختلفة من جهة أخرى؟.

مدير سابق في وزارة المالية، بيّن لنورث برس، أنه كان من المقرّر أن يتمّ تقديم رؤية عن كيفية تطبيق نظام الفوترة، خلال شهرين، وذلك عن طريق لجنة مُختصّة؛ “لكن هذا لم يحصل حتى الآن”.

وأشار، إلى أن تطبيق هذا النظام “ليس بالأمر  السهل والمُيسّر”، وأن هنالك الكثير من “العوائق”، ويأتي في مقدمتها التكاليف غير المنظورة؛ التي تُدفع من هنا وهناك عند استيراد أي مادة، إضافة إلى “ضبابية” تسديد قيمة البضاعة، وتبدُّل سعر الصرف، والبيانات الجمركية غير الدقيقة.

في حين، قال عضو لجنة الموازنة، في مجلس الشعب، زهير تيناوي، في إحدى تصريحاته؛ إن تحقيق نظام الفوترة؛ يتطلّب إجراءات تنفيذية، وتنسيقاً من قِبل الوزارات، وجهات القِطاع العام والخاص كافة، وتقديم ما يلزم لإنجاز المشروع.

بالإضافة، لتعديل التشريعات الناظمة، واعتماد الرقم الضريبي للمُكلّفين؛ بما يتلاءم مع مُتطلّبات عمل الفوترة، بحسب “تيناوي”.

في حين، بيَّن إعلامي مُتخصّص في الشأن الاقتصادي، أنه رغم كل هذه الشروط “غير المُتحقّقة” حتى الآن، ولكن الحاجة إلى الموارد “تُوحي بنيّة تطبيق نظام الفوترة، أكثر من أي وقت مضى”.

وأرجع الإعلامي، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، الأمر في ذلك، إلى “أن تراجع الموارد الحكومية، وغياب مصادر رفد الخزائن؛ يفرض على الحكومة السورية، ووزارة المالية؛ العمل بطريقة مختلفة، بدأت تظهر نتائجها على عكس ما كان شائعاً؛ بالتغاضي عن إصلاح النظام الضريبي؛ الذي أحجمت الحكومة عن إصلاحه عبر كل تلك العقود”.

أرقام كبيرة

وتُشير الأرقام المتداولة في سوريا، إلى الارتفاع  الكبير في نسب التهرُّب الضريبي، حيث قدَّرها الخبير الاقتصادي في مجال الضرائب، الدكتور إبراهيم العدي، بأكثر من ألفي مليار ليرة، ووصف آلية التكليف الضريبي السائدة  بأنها “جنة ضريبية”، بالنسبة لأصحاب الفعاليات الاقتصادية.

وأضاف، خبير اقتصادي، من كلية الاقتصاد، بدمشق؛ لنورث برس؛ أن “هنالك توجُّه عالمي، نحو تخفيف الضرائب عن الأرباح، والمستثمرين؛ بقصد تشجيعهم على الاستثمار، سواء كانوا من خارج البلاد أم داخلها، والتوجُّه نحو ضريبة المبيعات كبديل؛ لأن عوائدها أكثر، وتحصيلها أسهل”.

وأشار الخبير الاقتصادي، الذي رفض الكشف عن اسمه، إلى أن هذه الضريبة شأنها شأن كل الضرائب الأُخرى “تنتهي عند المستهلك”، لكنها تمتاز بأنها “أكثر شفافية ووضوحاً من ضريبة الأرباح؛ التي تتسبّب بتآكل رأس مال المستثمر؛ إذا لم يتمّ التعامل معها بطريقة علمية وشفّافة، والتوجُّس من الإقبال على الاستثمار”.

إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: قيس العبدالله