صور وذكريات.. قذيفة تركية تفجع عائلة من كوباني بطفلها

كوباني- نورث برس

تزوره العائلة أسبوعياً، تسكب بعض الماء على الأحجار التي وضعت فوق قبره، يقرؤون الفاتحة ويبكون على رحيله المُبكّر.

وعند عودتهم من هناك، يتصفح كلٌّ على حِدى، صور عبد الكريم خلف، (14عاماً)، على هواتفهم، يبكي بعضهم سراً، فيما تنحب الأم والجدة على الفاجعة التي حلّت بهم.

ككل عائلة عندما تفقد مُحِبّاً، علّق ذوو عبد الكريم، صورته على أحد جدران المنزل، بينما يرقد هو في مقبرة قريته، بريف بلدة صرين، جنوبي كوباني.

قبل 25 يوماً من الحادثة، نصبت العائلة خيمتها، بالقرب من قرية زور آفا، بريف كوباني الغربي، إذ اعتادت أن تنتقل صيف كل عام من قريتها أبو الصفائح، جنوبي كوباني، إلى ريف مدينة كوباني؛ لرعي أغنامها لعدة أشهر، ثم العودة قبل حلول الشتاء.

يروي أحمد، (16 عاماً)، تفاصيل الحادثة، كان مع شقيقه يرعيان الأغنام سوياً قرب الحدود؛ عندما بدأ القصف التركي، على ريف كوباني الغربي، في السادس عشر من الشهر الماضي.

يشير إلى أن نقطة تركية؛ بدأت باستخدام أسلحةٍ رشاشة؛ باستهدافِ عمالٍ؛ كانوا يعملون في جني الخضار قرب الحدود، فهرب العمال من البستان، فيما عاد هو وشقيقه عبد الكريم؛ بالأغنام إلى خيمتهم في قرية زور آفا.

مع وصولهما إلى زور آفا، بدأ القصف يشتدّ أكثر، دخل إلى الخيمة؛ أحمد، مع شقيقه “عبد”، اللقب الذي عُرف به عبد الكريم ضمن عائلته، إلى أن جاء ابن خاله لزيارتهم والاطمئنان عليهم.

لحظة الاستهداف

 مع وصول ابن خاله إلى الخيمة، كان أحمد، وعبد الكريم، وجدتهما وعمتهما وعمهما في انتظاره، لم يسعفهم الوقت لتبادل التحية والسؤال عن أحوال بعضهم، سقطت ثلاث قذائف بالقرب منهم، اغتالت شظاياها حلم عبد الكريم.

يقول أحمد: “أصابت شظية إحدى القذائف عبد في بطنه، فوقع على الأرض، حاولت رشّ وجهه بالماء لكنه فقد حياته”.

ورغم إصابة أحمد؛ ببعض الشظايا، حاول إيجاد سيارة إسعاف لابن خاله عبد درويش؛ الذي أُصيب بشدة في القصف.

أسعف أحد جيران العائلة، عبد درويش، ونُقل جثمان عبد الكريم معه إلى مشفى الأمل، في كوباني، فيما بقي أحمد مع عمته في القرية إلى جانب أغنامه.

ذلك اليوم، قصفت تركيا، ريف مدينة كوباني الغربي، بشكل عنيف، تسبّب بفقدان عبد الكريم لحياته، وإصابة أربعة مدنيين آخرين؛ بينهم طفل وامرأة، إضافة لفقدان ثلاثة من عناصر الجيش السوري لحياتهم، وإصابة 6 آخرين.

وتسبّب القصف الذي طال مكان إقامة العائلة، بأضرار مادية في الجرّار الزراعي الذي يمتلكونه، إضافة لنفوق أكثر من 30 رأساً من الأغنام.

وفي مشفى الأمل، لا يزال عبد درويش؛ يتلقّى العلاج، بعد أن بُترت يديه، وأُصيب بشظايا في ساقه بسبب القصف.

“كارثة مؤلمة”

يصف الأب، محمد خلف، (42 عاماً)، فقدان “عبد”؛ بأنه “كارثة مؤلمة وهي نفس الكارثة التي تستهدف كل السوريين وتُشرّدهم جرّاء هذه الحرب”.

 يذكر الأب المفجوع؛ آخر حديث بينه وبين طفله على الهاتف، حينما اتصل به ليخبره أن هناك  قصفاً عنيفاً على كوباني، وأنه لم يطال القرية التي يسكنوها حتى لحظة الاتصال.

أثناء القصف، تلقّى “خلف”؛ الذي كان في مدينة الطبقة، يتابع علاج ابنته المريضة، اتصالاً آخر، يخبره أنه لن يستطيع سماع صوت “عبد” مرة أخرى.

يحاول الأب إخفاء مشاعره، وهو يتحدث عن طفله الذي كان له مكانة خاصة عنده، لأنه يعتمد عليه في عمله، فابنه الفقيد “عبد”؛ كان حنوناً واجتماعياً وذكياً ومُحِبّاً لعمله، بحسب والده، وكان يحب قيادة الجرّارات والسيارات والدراجات.

فقدان “خلف” لطفله، دفعه لنقل ما تبقّى من أغنامه، ومغادرة كوباني، إلى مسقط رأسه، رغم أنه اعتاد أن يبقى في المنطقة؛ حتى شهر تشرين الأول/ أكتوبر، أو تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام.

يقول، إنه غادر المنطقة رغم أن أغنامه بحاجة إلى تلك المراعي التي لا تتوفر في قريته.

ويُضيف، بعد أن حاول جاهداً ألّا يبكي، أنه لم يتحمّل تواجده في المنطقة التي قُتل فيها طفله، وأنه لن يعود إلى تلك المنطقة لأنها تُذكّره بذلك.

وكانت عائلة “خلف”، تملك 150 رأساً من الأغنام، هي مصدر رزقها، تتشارك في تربيتها والاهتمام بها.

وتحت صورته مباشرة، يجلس شقيقه أحمد، وبجواره والده، ينظران إلى عبد الكريم، ويتحسّران على شباب فُنِي قبل أن يُزهر.

إعداد: فتاح عيسى- تحرير: سوزدار محمد