في عام 2013، قال الجنرال، رحيم صفوي، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، والمستشار العسكري للسيد علي الخامنئي، الكلمات التالية: “إيران هي الدولة الإقليمية العُظمى”، في فترةٍ كانت فيها المفاوضات الأميركية مع طهران حول الملف النووي الإيراني جارية، وبشكل أوحى من خلاله الجنرال الإيراني؛ بأن تلك المفاوضات تجري بين الدولة العظمى العالمية، وبين ما أسماه “الدولة الإقليمية العُظمى”، وهو بالتأكيد كان يفكّر بالمنافسين الإقليميين لإيران، أي إسرائيل والسعودية، وقد كانا آنذاك في حالة توتر ومعارضة شديدتين لتلك المفاوضات، ويعتريهما القلق من أن تُطَوِّب واشنطن طهران في ذلك المركز، وأن تترك الإقليم مفتوحاً أمام التمدّد الإيراني أكثر؛ كنتيجة للاتفاق المُزمع توقيعه إثر تلك المفاوضات.
هنا، يمكن القول بأن كلام الجنرال صفوي، ليس فيه مبالغة إذا فكرنا بتبعية حكومة نوري المالكي، 2006-2014، في العراق لإيران، وفي هيمنة حزب الله على الحياة السياسية في لبنان، بعد عملية 7 أيار 2008، وفي سيطرة حركة حماس الحليفة لإيران؛ على قطاع غزة، منذ يوم 15 حزيران 2007، هذا غير الحركة الحوثية في اليمن؛ التي كانت تسيطر على المناطق اليمنية شمال صنعاء آنذاك، وتتأهَّب للزحف على العاصمة للسيطرة عليها، وهو ما حصل بالعام التالي، ويجب أن يُضاف لكل ذلك؛ تبعية الأحزاب الشيعية في البحرين، وأفغانستان؛ للنظام الإيراني.
في هذا الصدد، إذا تفحّصنا هذه الحالات الخمس، فإننا نجد حالات ارتباط عقائدية؛ تجعل لطهران نفوذاً على بلدان أخرى تحكمها أو تهيمن عليها أحزاب ترتبط بالنظام الإيراني، أيديولوجياً؛ بحكم إيمانها بالعقيدة الشيعية حول (ولاية الفقيه)؛ التي قال بها الخميني، وأسّس على أساس ذلك الجمهورية الإسلامية في إيران، منذ عام 1979، وخلفه الخامنئي بعام 1989؛ في موقع (الولي الفقيه)، في وضع شبيه بالنفوذ السوفياتي على بلدان كانت تحكمها الأحزاب الشيوعية. نجد هذا الارتباط العقائدي عند (حزب الدعوة الإسلامية) في العراق؛ الذي حكم بفترة؛ 2006- 2018، وعند حزب الله اللبناني الذي مازال يهيمن على لبنان حتى الآن، وعند الحوثيين في اليمن؛ الذين انزاحوا عن وسطية المذهب الزيدي بين الشيعة والسُنّة، واتجهوا بأتباعهم نحو الاقتراب من التشيُّع، فيما الأحزاب والحركات الشيعية في البحرين وأفغانستان؛ بعضها يؤمن بولاية الفقيه وبعضها حليف لطهران سياسياً؛ بمثل وضعية حركة أمل في لبنان، ولكن من دون ارتباط عقائدي، بينما في حالة حركة حماس؛ نجد أن هناك أكثر من حلف سياسي مع طهران، يصل إلى نوع من المشتركات العقيدية (مثل الإيمان بالحل الإسلامي للمجتمع)، والسياسية (مثل العداء للغرب وإسرائيل)، تجمع بين الحركات الإسلامية الإخوانية الأصولية؛ وبين الحركة الخمينية، ولكن من دون ذلك الرباط الموجود بين حركات شيعية والنظام الإيراني، وإن كانت طهران ترى أن تحالفها مع حركات إسلامية سُنيّة؛ مثل حركتي حماس والجهاد في فلسطين، والعلاقات المتينة التي تجمع بين إيران، وبين الكثير من تنظيمات جماعة الإخوان المسلمين؛ مفيد من أجل مجابهة من يتّهم الحركة الخمينية بالنزعة الطائفية، وفي هذا الصدد، يجب الإضافة لما سبق؛ استفادة طهران من حالة فكرية- سياسية؛ تضمُّ يساريين ماركسيين، وقوميين عروبيين؛ يؤمنون بنظرية “المقاومة والممانعة”؛ من أجل تقديم نفسها في صورة بعيدة عن الحالة الشيعية أيضاً.
يلاحظ في هذا المجال، أن إيران تملك نفوذاً في بلد ذي غالبية شيعية، مثل العراق؛ بعد أن أصبحت الأحزاب الشيعية مسيطرة على المشهد السياسي فيه، كما حصل بفترة ما بعد سقوط نظام صدام حسين، أو في بلد تُهيمن أحزاب شيعية (حزب الله وحليفته حركة أمل) على المشهد السياسي فيه مثل لبنان، أو مثل اليمن الذي تسيطر على قسم كبير منه؛ قوة عقائدية متشيّعة حديثاً؛ مثل الحوثيين، فيما النفوذ الإيراني؛ يستطيع من خلال أحزاب شيعية قوية كما في البحرين؛ أن يزرع الاضطراب السياسي أو أن يقول كما في حالة (حزب الوحدة الإسلامية) في أفغانستان، بأن طهران تملك رقماً صعباً في الحياة السياسية المحلية.
في كل هذه الحالات الآنفة الذكر، توجد كتلة مجتمعية شيعية هي “الحامل الاجتماعي” لأحزاب أو حركات موالية أو حليفة للنظام الإيراني، ويمكن هنا التفكير؛ كيف كان الحزب الشيوعي العراقي أقوى من (حزب الدعوة الإسلامية)، الذي تأسّس في عام 1959، على يدي السيد محمد باقر الصدر؛ الذي يرتكز كتابه: “فلسفتنا” على مقارعة الماركسية فكرياً، في الوسط الشيعي العراقي، حتى النصف الثاني من السبعينيات ثم انقلبت الآية.
في سوريا؛ وحيث الشيعة هم أقلية ضئيلة عددياً؛ لا تملك إيران نفوذاً مجتمعياً يقارن بما لديها في العراق ولبنان مثلاً، وهي أضعف من روسيا وتركيا من حيث النفوذ. في حالة حركتي حماس والجهاد؛ يأتي النفوذ الإيراني من المساعدات الإيرانية العسكرية، والمالية للحركتين، إضافة إلى الراديكالية الإيرانية؛ في الالتزام بالقضية الفلسطينية، وفي العداء لدولة إسرائيل، في وقت تتّجه دول مثل الإمارات والبحرين، وبشكل مُضمر السعودية؛ إلى التقارب مع إسرائيل، وهنا يمكن القول بأن وجود قِوى مثل حركتي حماس والجهاد وحزب الله اللبناني؛ في قلب الصراع العربي- الإسرائيلي؛ يجعل طهران لاعباً كبيراً في هذا الصراع، هذا إذا لم يصبح مع التحكّم الإيراني بمفاتيح عدّة منه فاقداً لاسمه؛ بحيث لا يمكن القول بأنه مازال صراعاً عربياً- إسرائيلياً، وإنما يجب البحث عن تسمية جديدة له.
ربما، أيضاً، يجب التفكير أكثر في عوامل القوة الإيرانية في الإقليم، لمدها نحو تفكير أميركي وُجد في السبعينيات، مع هنري كيسنجر؛ الذي اتجه لإعطاء شاه إيران دور “شرطي الخليج”، وهناك الكثير من المؤشرات على أن؛ باراك أوباما؛ عندما عقد الاتفاق النووي مع طهران، عام 2015، مع غضّ بصره عن التمدّد الإيراني في الإقليم؛ كان يفكّر على الأرجح بشيء شبيه بتفكير كيسنجر؛ ربما بمرحلة “إيران ما بعد العمائم”، أو حتى بإيران “صديقة أو متقاربة مع واشنطن”، مع نظامها الحالي ضدّ الصين وروسيا. على الأرجح أن إدارة بايدن؛ المُصرّة على عقد الاتفاق النووي مع طهران، لا يبعد تفكيرها عن ما كان يفكر به أوباما؛ الذي كان جو بايدن نائبه.
كتكثيف: يمكن للحالة الإيرانية الراهنة في الإقليم، أن تكون شبيهة بنفوذ الرئيس المصري جمال عبدالناصر؛ في عموم الإقليم، الذي كان كنفوذ أيضاً ببُعدين من خلال الأيديولوجية العروبية؛ التي انتشرت بقوة في بلدان عربية عدّة وخاصة في طبعتها الناصرية، ومن خلال التحالفات التي أقامها عبدالناصر، مع أنظمة سياسية (مثل نظام عبدالسلام عارف بالعراق، بين عامي1963و1966)، أو مع حركات سياسية مثل (جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل)؛ بقيادة عبدالله الأصنج. تحاول تركيا من خلال الحركات الإسلامية أن تمتد في الإقليم، كما في الحالتين السورية والليبية، ولكنها لاتصل لقوة الحالتين الناصرية والخمينية- الخامنئية.