أربيل.. صداقات وسكن مشترك بين سوريين وأجانب.. تجارب على لسان أصحابها
أربيل- نورث برس
لا يزال زاكي، يتذكر جيداً لقائه الأول، مع شريكه في السكن، السوري الجنسية، بمدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، حينها لم يعرف الشاب سوى كلمة شكراً؛ وجّهها لشريكه بعد أن عرَّفه الأخير بمكان سريره والحمام وباقي غرف المنزل.
يقول الشاب الفرنسي؛ زاكي ماهيو، (28 عاماً)، عن ذلك اليوم، “جلستُ على الكرسي القريب، نظرتُ إليه وابتسمت، قال: مرحباً، ثم رأيته يُحرّك يديه يميناً ويساراً، يُعرِّفُني على المنزل وبعد أن أنهى قال: أنا ماجد من سوريا، مدينة دمشق، سررتُ بمعرفتك”.
يُضيف؛ ضاحكاً: “لم أنطق سوى كلمة شكراً، الحقيقة لم أعرف غيرها”.
عاش “ماهيو”، الذي يعمل في شركة تجارية، في أربيل، مع ماجد؛ عدّة أشهر، ثم انضم إليهما أنس، شاب سوري، من حلب، وفي نهاية العام 2020، أصبح الشاب الفرنسي مع ثلاثة شبّان سوريين، آخرهم فراس، من الساحل السوري.
ومنذ بداية الحرب السورية، 2011، لجأ آلاف السوريين إلى الدول المجاورة، وبعضهم إلى أوروبا، وخلال رحلة لجوئهم؛ اندمجوا مع الثقافات والمجتمعات التي وفدوا إليها، نقلوا ثقافتهم وعاداتهم، فأضحوا جسراً ثقافياً واجتماعياً بين بلدهم والدول الأخرى.
“مفردات لطيفة”
يرى الفرنسي؛ الذي يعيش الآن في مكان عمله، أن أعظم ما تعلّمه من أصدقائه السوريين، اللغة العربية، فبعد ستة أشهر، أتقن اللهجة السورية “بشكلٍ ممتاز”.
يعبّر “ماهيو”، عن إعجابه بها، فهي “ساحرة، مختلفة عن بقية اللهجات في الدول العربية، لديهم مفردات لطيفة لكل حركة يومية تقوم بها”.
فبعد الاستحمام، يستقبلونك بكلمة “نعيماً”، بدلاً من “ربنا يحفظك” في المغرب أو الجزائر، كذلك “حبيبي وتقبرني ويا قلبي وعلى عيني، كلها جمل يومية يستخدمها السوريون أثناء حديثهم”.
وفي أحد ليالي شتاء أربيل، الباردة، أُصيب “ماهيو”؛ بنوبة زُكام، تلاها عُطاس متكرّر، فكان ماجد يسعفه بعد كل عطاس، بكلمة: “صحة”، ما وجده لطفٌ منه.
يقول: “أصدقائي العراقيون؛ يقولون عندما يأتيك العطاس، يجب أن تقول الحمد الله، ونحن نجيب يرحمكم الله، لاحظت أن كلمة الله؛ تدخل في الكثير من الجُمل اليومية في مختلف اللهجات العربية عدا السورية”.
ويرى الشاب الفرنسي؛ أن السوريين لا يربطون لفظة الله؛ بأي فعل يومي يقومون به، “هذا أكثر ما أعجبني، خاصة أنني زرتُ الأردن منذ فترة قريبة، سألتُ أحدهم ما اسمك؟ أجاب: محمد إن شاء الله!، كان ذلك غريباً فعلاً”.
ويزيد على كلامه، “يستخدمون كلمة مرحباً؛ لإلقاء التحية، بدلاً من السلام عليكم المنتشرة في الخليج ومصر، وبدلاً من الله بالخير في العراق”.
لكن أكثر ما استغربه “ماهيو”؛ استخدام السوريين لكلمة “حبيبي”؛ أثناء الخلافات أيضاً، يقول: “مرّة حدث اختلاف بالرأي بيني وبين أنس، فقال: حبيبي كل كلامك خطأ، ضحكتُ حينها لاستخدام كلمة حبيبي في هذه الجملة، لكن أحببت ذلك اللطف في الوقت ذاته”.
ذكريات في سوريا
وتُقلّب مليساند جينيت، الشابة الفرنسية؛ صورها القديمة في سوريا، ثم تعود لصورة التقطتها في مدينة الرصافة، شمالي الرقة، تقول: “كم أحببت هذه المدينة، حزنت لما حلّ بمدن سوريا؛ بعد الحرب، فأنا زرت كل مدنها، شربت من مياه دمشق، أكلت من مطبخ حلب، وتجوّلت في البادية”.
تعيش “جينيت”، الآن في أربيل، تعمل باحثة في منطقة بلاد النهرين، وسكنت عدة سنوات مع أصدقاء من دمشق والحسكة.
تقول، إنها سمعت سابقاً عن اهتمام السوريين بالنظافة، لكنها اكتشفت بعد سكنها معهم أنهم “محترفون من الدرجة الأولى، يمكن تصنيفهم بالأنظف بين الجميع، يليهم العراقيون ثم الأجانب”.
تضحك وتُضيف: “هذه حقيقة”.
تعتقد “جينيت”، أن “السوريون أكثر انفتاحاً، يتبادلون الأحاديث، ويعبّرون عن رأيهم بحرية دون قيود دينية، هذه القيود ظهرت جليّة أمامي لدى تبادل أطراف الحديث مع شبّان من فلسطين والأردن”.
تعلّمت الشابة الفرنسية، من أصدقائها السوريين، اللغة العربية وتاريخ المنطقة والطعام السوري، فتُعدّد بعضاً من الأطباق، “المقلوبة والملوخية والكفتة والمناقيش والزعتر والشاكرية”.
وأكثر ما أحبته طبق حمّص بطحينة، “فالمطبخ السوري غني بالأطباق، لكن بعضها عالية الدسم، يستخدمون الكثير من الزيت أثناء إعداد الطعام”.
صباحات أربيل السورية
ويتابع ألكس سميث(35 عاماً)، عبر اليوتيوب، حلقة “الهجرة إلى كندا”، من مسلسل “بقعة ضوء”، يُعيدها مراراً وتعلو ضحكته، عندما يقول الممثل السوري باسم ياخور: “دير كندا؟؟ لا دير الزور وهلق رح تنزلوا بالزور”.
ومنذ سنوات، جاء “سميث”، من واشنطن إلى أربيل، حينها كان يفهم القليل من اللغة العربية، لكن من أصدقائه السوريين أُتقنها، خاصة بعد إرشاده إلى المسلسلات السورية.
ويقول: “في البداية أردت مشاهدتها لتعلّم اللغة، بعدها وجدتها ممتعة، تحمل رسائل إنسانية عظيمة، وتعكس الواقع السوري بشكل ممتاز”.
واعتاد “سميث”، على العيش مع صديق سوري، من حلب، لكنه الآن يعيش وحيداً، بعد سفر صديقه إلى أوروبا، “أكثر ما أشتاق إليه بعد سفر صديقي، رائحة القهوة الصباحية، كانت تدخل إلى غرفة نومي كأنها تُلقي تحية الصباح”.
يضحك “سميث”، ويُضيف: “أحب عشق السوريين للقهوة، أصبحت الآن من محبي القهوة مثلهم، لديهم طقس صباحي هادئ، يرافقهم فيه صوت فيروز مع فنجان القهوة، هذا ما افتقدته عند سفري إلى مصر”.
يرى الأميركي، أن السوريين في أربيل، أثبتوا جدارتهم في مختلف المجالات، “أثق بهم، لأنهم يُتقنون عملهم، يقدّمون أفضل ما لديهم، يعملون لساعات طويلة دون شكوى”.
يعتدل في جلسته، ويُضيف: “برأيي، إن السوريين يحملون هذه المدينة على أكتافهم، أرى ذلك جليّاً”.