دمشق – نورث برس
يتفق وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي على مبدأ خطة لوضع حد أقصى لسعر الغاز الروسي، لكن دولاً في التكتل؛ تتخوّف من الضرر الذي سيلحق بها؛ عند المُضي في هذا الإجراء الذي لم يرَ النور حتى اللحظة، وبقي في إطار الاقتراح المدروس ضدّ ما يوصف بـ”الابتزاز الروسي”.
يأتي ذلك بينما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية؛ عن توجيهات تهدف إلى كبح جماح الأرباح الروسية من مبيعات الغاز و النفط.
هكذا اشتدّ الصراع بين روسيا، وهي لازالت تراهن على تحالفات اقتصادية مع دول آسيوية كالهند والصين، والدول الغربية التي تُناقش خططاً لوضع موسكو في قاع الحصار، رغم أنه ما من منفذ لتفادي تداعيات ذلك، ولاسيما أوروبا التي لطالما اعتمدت بشكل كبير على روسيا في تأمين الطاقة.
وفي حديثه بعد اجتماع طارئ، أمس الجمعة، في بروكسل، رداً على ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء، قال مفوض الاتحاد الأوروبي للطاقة، كادري سيمسون، إنه لم يتم اتخاذ أي قرار في الاجتماع بشأن مقترحات للحدّ من دخل روسيا.
وطالبت دول الاتحاد الأوروبي في الاجتماع؛ بإجراءات طارئة ومؤقتة لتحديد سقف لأسعار الغاز، لكنها لم تتضمّن المصادقة على قرار لتحديد سقف لسعر الغاز الروسي.
وتريد المفوضية الأوروبية؛ تقليل إيرادات روسيا من أسواق الغاز عن طريق تقديم مقترح تحديد سقف لسعر الغاز الروسي المرسل إلى أوروبا عبر خطوط أنابيب.
روسيا تقلّل من الشأن
حجّم الروس من الخطط الغربية؛ التي تأتي في إطار العقوبات ضد موسكو بعد الحرب التي شنتها ضد أوكرانيا، إذ وصف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الفكرة بأنها “غبية”؛ وهدّد الأسبوع الفائت، بجعل أوروبا “تتجمّد” هذا الشتاء؛ إذا تمّ الاتفاق على سقفٍ لسعر غاز بلاده.
وخفّضت روسيا بالفعل الإمدادات لأوروبا، وقالت إنها، لن تستأنف التدفقات بأحجام سابقة حتى يرفع الاتحاد الأوروبي العقوبات.
وحذّر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يوم الأربعاء، من أن موسكو ستوقف صادرات الطاقة إذا مضت الدول الغربية في خطط للحدّ من أسعار النفط والغاز.
في وقت سابق من الأسبوع، قالت موسكو، إنها لن تُعيد فتح خط أنابيب الغاز الطبيعي نورد ستريم 1، إلى أوروبا ما لم يتم رفع العقوبات.
ومن المحتمل أن تعتزم روسيا عدم البيع بأقل من السعر الذي يسعى الغرب لتحديده، ما يعني أن القرار الغربي بتحديد السعر قد لا يؤثر بشدة على موسكو؛ طالما هناك وجود للصين والهند كأكبر مستوردتين للنفط الروسي، وهاتان الدولتان لا تدخلان في الحلف الغربي للحدّ من السعر.
وتكافح مجموعة السبع؛ لإيجاد طرق للحدّ من عائدات تصدير النفط الروسية المربحة، في أعقاب هجومها على أوكرانيا، في شباط/فبراير.
وحظرت عدّة دول مختلفة، واردات النفط الخام والوقود الروسي، لكن موسكو تمكّنت من الحفاظ على جزء كبير من إيراداتها من خلال زيادة مبيعات الخام إلى آسيا، وخاصة الصين والهند.
مخاوف
وتحدثت الدول الأوروبية، التي تستورد كميات كبيرة من روسيا، بما في ذلك المجر وسلوفاكيا والنمسا، ضد اقتراح الحدّ الأقصى الذي تمّ بحثه، في بروكسل أمس، لأنها تخشى أن يوقف الكرملين جميع تدفقات الغاز ، مما يدفع بلدانهم إلى الركود.
وقال وزير الخارجية، المجري، بيتر سزيجارتو، الذي كان يحضر الاجتماع، إنه “إذا تمّ فرض قيود على الأسعار حصرياً؛ على الغاز الروسي، فمن الواضح أن ذلك سيؤدي إلى قطع فوري لإمدادات الغاز الروسي”.
تحاول دول الاتحاد الأوروبي؛ التوصُّل إلى إجماع كامل بشأن سبل حماية السكان من الزيادة الهائلة في أسعار الطاقة؛ التي تهدّد بإغراق الملايين في الفقر والبرد خلال فصل الشتاء، حيث تخنق روسيا إمدادات الغاز الطبيعي.
ومع تصاعد التوترات مع موسكو؛ بشأن الحرب في أوكرانيا، لم يتمكن وزراء الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة، من حسم الخلافات حول ما إذا كان سيتمّ فرض حدّ أقصى لسعر الغاز الطبيعي الروسي وكيفية ذلك.
وتتباين رؤى دول أوروبية؛ حول اتخاذ الموقف حيال سعر الغاز الروسي، إذ رفضت المجر، حتى اللحظة الموافقة على الطرح الغربي باعتباره يتعارض مع مصالح التوريد الخاصة بها.
بينما اختلفت دول أخرى؛ حول ما إذا كان يجب تطبيق سقف السعر على روسيا فقط، أو على المنتجين الآخرين أيضاً.
وليس من المتوقع إيجاد حلّ فوري لجميع المقترحات؛ لإعادة أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء إلى القدرة على تحمل التكاليف، لكن وزراء الطاقة قدموا توصيات عامة إلى المفوضية الأوروبية، بشأن خيارات مثل فرض ضرائب غير متوقعة على بعض شركات الطاقة التي حققت أرباحها، إلى جانب الارتفاع الكبير في الأسعار.
وتقول، حوالي 12 دولة أوروبية، بما في ذلك فرنسا وبولندا، إن سقف السعر يجب أن ينطبق على كل الغاز المستورد، بما في ذلك الغاز الطبيعي المُسال.
وأعرب مفوض الطاقة في الاتحاد الأوروبي؛ عن شكوكه بشأن هذا النهج، قائلاً، إن تحديد سقف عام للأسعار “يمكن أن يُمثّل تحدياً لأمن الإمداد”.
ومنذ الهجوم على أوكرانيا، يتدافع الاتحاد الأوروبي؛ لتأمين الإمدادات التي يتمّ شحنها من دول أخرى، مثل قطر، والنرويج، والولايات المتحدة، لكنه يواجه منافسة شديدة من آسيا.
وقال سيمسون؛ في أعقاب الاجتماع: “في الوقت الحالي، من المهم أن نتمكن من استبدال الكميات الروسية المتناقصة بمورِّدين بديلين”.
وفقط دول البلطيق، التي طالبت بفرض عقوبات على الغاز الروسي، قدمت دعماً كاملاً للخطة.
وحثّت، رينا سيكوت، وزيرة الشؤون الاقتصادية والبنية التحتية، في إستونيا، الأعضاء الآخرين على تجاهل تهديدات بوتين، قائلة: “إنه ابتزاز، إنها حرب تُشنّ خارج أوكرانيا (…)، علينا أن نمتلك الإرادة السياسية لجعل أوكرانيا تفوز”.
وما تدرسه دول الاتحاد الأوروبي؛ يندرج في إطار خطة متزامنة أعلنتها مجموعة السبع (الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وكندا، وألمانيا، واليابان، وإيطاليا) قبل أسبوع، حين قالت، إنها ستفرض “بصورة عاجلة” سقفاً لسعر النفط الروسي؛ داعية “ائتلافاً واسعاً” من الدول، للانضمام إلى هذا الإجراء.
توجيهات أميركية
وقالت الخزانة الأميركية، إن “الحدّ الأقصى للسعر الذي تريد دول مجموعة السبع فرضه على النفط الروسي، لمعاقبة موسكو؛ يجب أن يكون بقيمة سوقية عادلة، مطروحاً منها أي علاوة على مخاطر ناتجة عن غزوها لأوكرانيا”.
ومستوى سقف السعر “غير واضح”، ولم يحدّد مسؤولو الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي نطاقاً رقمياً، ومع ذلك؛ فإن الاستقراء من التوجيهات الأميركية الأخيرة؛ يُشير إلى أنه يمكن تحديده عند حوالي 60 دولاراً للبرميل.
وقالت إليزابيث روزنبرغ، مساعدة وزيرة الخزانة الأميركية لشؤون تمويل الإرهاب والجرائم المالية، إنه يجب تحديد السعر فوق التكلفة الحدية لإنتاج النفط الروسي مع مراعاة الأسعار التاريخية.
وأضافت روزنبرغ؛ في مؤتمر صحفي، عقدته لوسائل الإعلام في آسيا، “هناك عدّة نقاطِ بياناتٍ رئيسية ندرسها، وكيف ينبغي تحديد الأسعار في نهاية المطاف؛ وهذا يشمل التكلفة الهامشية لإنتاج النفط الروسي”.
وتهدّد الولايات المتحدة، بفرض عقوبات على مشتري النفط الروسي؛ الذين يعتمدون على الخدمات الغربية، ولا يلتزمون بسقف الأسعار الذي اقترحته دول مجموعة السبع، حيث تتعهّد إدارة بايدن، بتطبيق السياسة بصرامة بمجرد دخولها حيّز التنفيذ.
في التوجيهات الصادرة، يوم الجمعة، قالت وزارة الخزانة الأميركية، إن الأفراد الذين يقومون “بمشتريات كبيرة من النفط أعلى من الحدّ الأقصى للسعر، وكذلك أولئك الذين يقدمون معلومات خاطئة عن تلك المشتريات ، قد يكونون هدفاً للعقوبات”.
وسينطبق التحذير من إدارة بايدن، على مشتريّ النفط الروسي في جميع أنحاء العالم؛ الذين يفكّرون فيما إذا كانوا سيحترمون سقف السعر بمجرد أن تحدده دول مجموعة السبع، وربما دول أخرى.
وليس من المتوقّع أن تفرض الولايات المتحدة؛ عقوبات على مشتري النفط الروسي؛ الذين لا يستخدمون مزوّدي الخدمات الغربيين.
وتأتي توجيهات وزارة الخزانة؛ بعد أسبوع من توصُّل وزراء مالية مجموعة السبع؛ إلى اتفاق لتحديد سقف الأسعار بعد شهور من المناقشات.
والهدف هو الحدّ من عائدات روسيا، من صادرات النفط الخام، والمنتجات المكرّرة، دون التسبّب في ارتفاع الأسعار العالمية.
ولم تحدّد دول مجموعة السبع حتى الآن؛ مستوى سعر الحدّ الأقصى، وما زالت تنتظر لمعرفة ما إذا كانت الحكومات الأخرى ستوقّع على التَّحالف.