مهنة العطارة في الرقة ما بين الطب البديل والسحر

الرقة- مصطفى الخليل-NPA
تعتبر مهنة العطارة أو طب الأعشاب إحدى المهن القديمة التي تنتشر في مدينة الرقة شمالي البلاد, إذ يعتمد عليها بعض الأهالي كعلاج بديل عن الطب الحديث وذلك لاستخدام الأعشاب الطبيعية والخالية من المواد الكيميائية, في حين يراه البعض الآخر أن الكثير من هذه الأعشاب تكون غنية بالسموم، وتسبب أضراراً ومنعكسات سلبية للصحة.
وتنتشر في الرقة العدد من محال العطارة في سوق شعبي بشارع القوتلي أو الشارع الكبير, بعضها قديم كقدم السوق، من بدايات القرن العشرين، وبعضها حديث العهد.
وترتاد هذا السوق كافة الشرائح الاجتماعية من أبناء المدينة وريفها وباديتها، لتنوع البضائع المعروضة فيه، فمن محال بيع الخضار إلى دكاكين بيع منتوجات الماشية؛ كاللبن والسمن والجبن والصوف، إلى محال بيع الأدوات اليدوية المستخدمة في العمل الزراعي، كالفؤوس والمجارف،  لكن أبرز ما يمتاز به هو كثرة محال العطارة فيه.
مهنة يتوارثها الأجيال
يقول العطار علي حاج حمدو (57 عاماً) لـ " نورث برس " وهو يتابع عمله في شارع القوتلي " أعمل في مهنة العطارة منذ /25/ سنة، واكتسبتها من خلال التعلّم "، مشيراً أنه يقوم بتعليمها لأولاده " لتستمر المهنة في العائلة ".
ويبيّن حمدو أن " مهنة العطارة مهنة نبيلة وإنسانية إلا أن فيها استغلال للناس من قبل بعض العطارين ", قائلاً " المعالجة بالأعشاب تشبه معادلة رياضيات، حيث أنه يجب أن تكون الأعشاب بنسب متوازنة ودقيقة، للوصول إلى نتائج مضمونة ".
أما العطار علي جمعة العبود(35عاماً) فيوضح من جهته أنه يعمل في مجال العلاج بالأعشاب منذ عشرة أعوام، حيث ورثها عن جده العامل بها منذ أربعين سنة خلت.
"معالجة السحر"
يوضح العطار علي جمعة العبود(35عاماً) أن بعض الزبائن "يطلبون وصفات وأعشاب وبخورات لمعالجة السحر والحسد والإصابة بالعين ", منوهاً أنهم لا يعملون على معالجة وفك السحر، ومهنة العطار في هذا المجال "تقتصر فقط على بيع الوصفات والأعشاب التي يطلبها بعض ممن يقومون بمعالجة السحر وفكه، بواسطة الكتاب والسنّة، وذلك عن طريق الرقية الشرعية( أدعية دينية وآيات قرآنية) ".
من جانبه يؤكد محمد عويرة (40عاماً) صاحب أقدم محل عطارة في مدينة الرقة، ويوضح عويرة أنهم يبيعون بعض أنواع الأعشاب المخصصة لمعالجة السحر والحسد ومنها جلد الأفعى وقد " استوردناه من الهند لمعالجة السحر ".
تباين الآراء وأسباب الاستخدام
يقول عويرة إن /90/ بالمئة من الناس الذين تعالجوا بالأعشاب والخلطات التي وصفها لهم، تم شفائهم, لافتاً " الوصفات مجربة لدينا ونحن نعمل في هذا المجال منذ أكثر من مئة سنة؛ فهذه المهنة نتوارثها أباً عن جد، ونقوم الأن بتعليمها لأبنائنا ".
ويؤكد عبود الصالح(27 عاماً) والذي يعمل خياطاً داخل المدينة، حديث عويرة, قائلاً إن ابنته لم تستفد من وصفات الأطباء لعلاج الحساسية في العين، مضيفاً " أصبحت أثق بعلاج الطب البديل الذي يداوي العطارون به الناس، لأن الأعشاب هي المادة المستخدمة فيه وهي طبيعية وخالية من المواد الكيمائية الموجودة في الأدوية المُركبة ".
وبالإضافة الى استخدامات الطبية للأعشاب، تستخدمها بعض النساء لأغراض تجميلية، حيث تؤكد السيدة فاطمة الخلف (38عاماً) أنها  قامت بشراء بعض الأعشاب من عطاري مدينة الرقة، واستفادت منها في تخفيف وزنها.
من جانبها تقول السيدة مها الطه(43 عاماً) إن " العطارين يفتقدون للعلم الطبي الصحيح ", مشيرة إلى أنها لم تسمع عن أي أحدٍ قد استفاد من الخلطات والأعشاب الموصوفة من قبل العطارين.
المنعكسات السلبية
من جهة أخرى هناك من يعتبر أن للتداوي بالأعشاب سلبياته ايضاً، حيث ينصح الصيدلاني مؤيد عيسى الكرط (31 عاماً) بالتراكيب والعقاقير المصرح بها من قبل شركات الأدوية المعترف بها عالمياً، وفق المعايير الأميركية والفرنسية؛ لأن " الكثير من الأعشاب التي يقوم البعض ببيعها والإتجار بها، إما عن جهل أو عن غير قصد وقلة خبرة وتحت هامش أنها طبيعية وغير كيمياوية، تكون غنية بالسموم ".
ويضيف الكرط أن " تسعون بالمئة من العطارين عديمو الخبرة، أو أنهم اكتسبوا مهنة العطارة وبيع الأعشاب بدون أسس علمية، و هذا شيء غير مقبول طبياً "، مشيراً إلى أن هناك طرق معينة ودقيقة لاستخلاص العقاقير الطبية من النباتات، و" لا يستطيع أي شخص أن يقوم بها، لأنها مسألة في غاية الدقة وتحتاج إلى مختبرات علمية بإشراف طواقم طبية متخصصة ".
وعن الأضرار والمنعكسات السلبية التي تحدث نتيجة  استخدام الأعشاب, يشير الصيدلاني " تظهر هذه الأعراض فوراً وقد تستغرق زمناً لظهورها، ولا أبالغ في القول إن بعض الأعشاب تسبب إجهاضاً للنساء الحوامل، والبعض منها يسبب تشوهات لدى الجنين، والبعض منها يسبب التحسس الجلدي والشرى ".
خلط الأعشاب بالأدوية الكيميائية
يقول الكرط " بعض العاملين بمجال المداوة بالأعشاب، وللأسف الشديد، يقومون وبقصد كسب ثقة من يراجعونهم بوضع الفياغرا أو أحد تراكيبها في خلطات عشبية أو ضمن أنواع معينة من العسل، وذلك بُغية معالجة الضعف الجنسي "، منوهاً أن هناك انواع من الأدوية يجب ألا تُعطى " بشكل اعتباطي إلا بعد فحص الوضع الصحي لمن توصف لهم  ولا تعطى إلا تحت إشراف طبي ".
و تظهر على من يتعاطى هذه الأعشاب المخلوطة بالفياغرا علامات؛ مثل ارتفاع ضغط الدم و اضطرابات في نسبة الخضاب وزيادة في عدد نبضات القلب, حسب الصيدلاني مؤيد عيسى الكرط.
ويلفت الكرط أن بعض الناس " تراجع الصيدليات ممن تتضرروا من تعاطي العلاج بالنباتات والخلطات خاصة؛ تلك التي تُستخدم بغرض الشعوذة وفك السحر، فإنها تسبب الإسهال الشديد ولأيام مستمرة مما يؤدي إلى الجفاف ", مؤكداً وصول البعض منهم إلى المستشفيات بسبب تدهور وضعهم الصحي.
يذكر ان كلمة العطار كانت تُطلق على بائع العطر والبخور ومهنة العطارة، مهنة تراثية ترتبط بشعوب الشرق القديم كالصين والهند وبلاد فارس، وتُعتبر المغرب ومصر واليمن أشهر الدول بهذه المهنة.