تدخّلات وزارة “التموين” السورية في عمل الأسواق يرفع الأسعار ويزيد “الغشّ”
دمشق ـ نورث برس
يتهم رجال أعمال، سياسة التسعير التي تعتمدها وزارة التجارة الداخلية، في الحكومة السورية، بأنها من أهم أسباب انتشار ظاهرة “الغشّ” في مناطق سيطرتها.
ورغم عدم التزام الأسواق بهذه التسعيرة، إلا أنهم يتجنّبون خرقها بشكل فاضح وواضح، الأمر الذي يدفعهم للبحث عن طرق أخرى لتغطية التكاليف، وتحقيق نسب أرباح مُجزية ترضيهم.
هذا التباين، تسبّب في انتشار ظاهرة “الغش في كل شيء”، حتى تحوّل إلى حالة شبه عامة للمنتجات المعروضة في الأسواق، ووصل الأمر فيه، إلى حدّ تقديم لحم “حمير”، في بعض المطاعم المشهورة بمحافظات؛ منها دمشق، بحسب شهود عيان.
على حسابهم
صاحب مطعم مشهور في حي الميدان، بدمشق، بيّن لنورث برس، أن التموين يطلب منهم تخفيض لائحة الأسعار التي يقدمونها باستمرار.
ولكنه قال، إن القصة
“ليست كلها هنا، هنالك جانب مخفي من الموضوع، وهو التكاليف غير المنظورة التي يتكبّدونها؛ لإرضاء الجهات الرقابية، وكل الشخصيات النافذة؛ التي تقصد المطعم، سواء للرقابة أو للحصول على وجبات أو بقصد تناول الطعام”.
وأشار صاحب المطعم، إلى أنه “لا يستطيع أن يتقاضى أجره من أي مسؤول، خاصة في وزارة التجارة الداخلية، عندما يقصد المطعم ليتناول الغداء مثلاً، وهذا يعني أن هنالك الكثير من التكاليف التي يجب عليه وعلى غيره أن يُغطّيها بطرق أخرى، وإلا ستصبح الأرباح أقل، أو يصبح خاسراً”، حسب قوله.
وأضاف الرجل، أنه لا يُبرّر الغشّ، “ولكن المشكلة أن ظروف العمل قد تفرض ذلك، ولكن ليس لدرجة أن يتم استبدال لحم العجل، أو العواس، بلحوم غير صالحة للاستهلاك البشري!”.
وتتنوع أساليب الغشّ المنتشرة وتطال كل شيء، وهنالك عشرات الضبوط الشهرية، بحالات غشّ تتراوح بين غشّ في مواد غذائية تُطرح في الأسواق، بعد معالجتها من الدود أو الحشرات، ليُعاد بيعها ثانية، وبين غشٍّ في الوزن، أو في تركيب المواد ووضع الأرخص على عكس ما هو مدوّن على العبوات، وهذا يكثر في مواد المنظفات.
كل هذه المخالفات، تُظهر حجم الخلل الكبير في الواقع وبيئة العمل، إذ أن المخالفات تتكرّر بكثرة رغم العقوبات التي يتم التشدّد فيها باستمرار.
لا تؤخذ بالحسبان
عضو في جمعية حماية المستهلك، رفض الكشف عن اسمه، أكد لنورث برس، أن وزارة التموين “لا تأخذ التكاليف كلها بعين الاعتبار عند التسعير”، وأشار، إلى أن هنالك أسباباً “أخلاقية للغشّ وأخرى قانونية”.
فهنالك دخلاء على المهنة، حسب رأيه، “وشركاء مع مسؤولين؛ في إقامة مشاريع؛ يشعرون أنهم محميون، ويستسهلون الغشّ؛ لتحقيق المزيد من الأرباح، لأن هنالك أكثر من جهة تتقاسم الأرباح”.
وأضاف: “هنالك من يخالفون؛ لأنهم يُجرون عملية حسابية يتبين فيها؛ أن الفارق كبير بين ما يحققونه من أرباح من جهة، وبين الغرامات التي يمكن أن يدفعونها من جهة ثانية”.
ويقول صاحب محل منظفات؛ في سوق شعبي بدمشق، لنورث برس، إن الالتزام بالمواصفات المطلوبة لصناعة المنظفات؛ يرفع من تكاليفها، وهذا يعني أن نسبة محدودة جداً من الناس ستتمكّن من شراء تلك المواد.
ويُضيف: “هذا الأمر يدفع الكثير من المنتجين لهذا الصنف مثلاً؛ إلى تخفيض التكاليف قدر الإمكان؛ للتمكّن من بيعه لأوسع شريحة من محدودي الدَّخل والفقراء”.
ويقول عضو في غرفة الصناعة، بدمشق، طلب عدم ذكر اسمه، إن هنالك الكثير من الإشكاليات التي تتهرّب منها وزارة التموين عند التسعيرة، كموضوع الرسوم الجمركية التي تُحصّلها الجمارك.
ويُشير، إلى “تناقض” بين عمل الوزارات المعنية بالموضوع؛ كمحاولة التموين تخفيض الأسعار في الأسواق، والمالية تُحقق أكبر قدر من الأرباح من التجّار والصناعيين، وسياسة المركزي في تسعير الصرف والفارق الكبير بين سعره وسعر السوق السوداء، وشروط النقل المُكلفة، وغيرها من التكاليف التي لا تتعامل معها الوزارة عند التسعير.
وأكّد، أنه لا يوجد تاجر أو صناعي يرغب بالمخالفة؛ لأن تكلفة المخالفة أعلى من الانضباط.
بحضورهم
وعند محاولة الاستفسار عن هذا الخلل من وزارة التجارة الداخلية، بيَّن مصدر في الوزارة، أن لجنة التسعير؛ تجتمع بشكل دوري كل أسبوع لدراسة تكاليف المواد.
وقال، إن اللجان المُكلّفة؛ فيها ممثلين عن كل الجهات المعنية، إضافة لغرف التجارة والصناعة، وتقوم بتدقيق الكُلف ليصار إلى تسعيرة نهائية تقرّ برضى الجميع.
وأشار، إلى أنه يتمّ دراسة التكاليف بعناية، ويتم تقسيم المواد إلى 3 زمر تبعاً لأهميتها.
وعن أسباب عدم الالتزام بالتسعيرة، أشار المصدر، إلى أن “العقاب يطال كل من يخالف التسعيرة المحددة، لأن التسعيرة يتم بناؤها على الكُلف التي يُقدمها التجّار والصناعيون وبحضورهم”.
وأشار، إلى أنه سيتم الإعلان عن منصة أسعار وشكاوى، تُمكّن المواطن من الاطّلاع على سعر السلعة وهو في منزله، والاعتراض وتقديم الشكوى إذا وجد الأسعار أعلى.
ولكنه عاد ليؤكد، أنهم يحاولون تخفيض أي بند عند التسعير؛ من أجل أصحاب الدخل المحدود، ولتعزيز القدرة الشرائية.
وعن موضوع التكاليف غير المنظورة، بيّن المصدر، أنه منذ 2019، أصبح التسعير “يلحظ النفقات التي لا يمكن توثيقها”.