الانتهاكات التركية بحق الأيزيديين على مدار سنوات الحرب في سوريا

القامشلي ـ نورث برس

تعرض الأيزيديون في سوريا، لانتهاكات وُصفت بـ”الجمة”، وذلك خلال عقد من الزمن، تركّزت على يد القوات التركية، وفصائل المعارضة المسلحة الموالية لها، في المناطق التي تسيطر عليها في سوريا، بحسب تقرير لمنظمات حقوقية.

وكُتب هذا التقرير بدعم من “الوكالة النرويجية للتعاون التنموي – Norwegian Agency for Development Cooperation”. ومحتوى التقرير؛ هو فقط مسؤولية منظمة ” Ceasefire”، و”سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، ورابطة “تآزر” للضحايا، ولا يعكس التقرير بأي حال من الأحوال موقف “الوكالة النرويجية للتعاون التنموي”.

فعلياً، بدأت الانتهاكات بحق الأيزيديين في سوريا، عقب الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد عام 2011، والتي تحوّلت خلال أشهر قليلة إلى نزاع مسلّح.

وشهدت مناطق تواجدهم في عفرين، ورأس العين/سري كانيه؛ أولى الهجمات.

وفي نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر من عام 2012، تعرّضت قرية قسطل جندو، والتي يدين سكانها بالأيزيدية، لهجوم عسكري بعد سيطرة تشكيلات كانت تطلق على نفسها في ذلك الوقت تسمية “الجيش الحر”، على مدينة أعزاز المجاورة لها؛ بحجة “اعتناقهم ديناً غير الدين الإسلامي”.

وفي العام نفسه، ولكن في منطقة سري كانيه (رأس العين)، فتعود أولى الهجمات التي تعرّض لها الأيزيديون إلى العام 2012، حين هاجمت “تنظيمات إسلامية متشددة” المدينة في تشرين الثاني/نوفمبر، وارتكبوا حينها انتهاكات واسعة بحق السكّان، ومنهم أتباع الديانة الأيزيدية.

في فجر يوم السادس عشر من آب/أغسطس 2013، هاجمت فصائل متشددة، قرية الأسدية، (10 كم جنوب المدينة)، التي كان معظم سكانها من الأيزيديين، إذ كان يقطنها أكثر من 20 عائلة أيزيدية.

وراح ضحية الهجوم حينها، الأيزيدي مراد سعدو، الذي أُصيب خلال تصديّه لتلك الجماعات التي اعتقلته وتركته ينزف حتى الموت، كما أعدمت شقيقه علي سعدو؛ رمياً بالرصاص.

وفي التاسع والعشرين من أيار/ مايو 2014، هاجم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي يعتبر الطائفة الأيزيدية الكُردية “كفّاراً”، وشعائرهم الدينية “تحريفاً”، قرية الطليلية/تليلية، بريف الحسكة، التي كانت تضمّ طائفة كردية أيزيدية.

واستوطن القرية مجموعة من “المشرّدين” داخلياً، ومعظمهم من النساء والأطفال من السفيرة، حلب، ولم يفهم عناصر “داعش” من الأجانب، ما يقوله هؤلاء الذين كانوا يقتلونهم “معتقدين أنّهم من الكرد الأيزيديين”.

أشكال مختلفة للانتهاكات

أخذت الانتهاكات بحق الأيزيديين أشكالاً وأنماطاً مختلفة، عقب العمليات العسكرية التركية في شمالي سوريا، والتي أدّت إلى تهجير عشرات الآلاف من السكان الأصليين للشمال السوري، ومنهم الأيزيديين.

وبدأت الانتهاكات بحق الكُرد في عفرين، ومنهم الأيزيديين، منذ اللحظة الأولى لسيطرة الجيش التركي والفصائل السورية المعارضة على المنطقة.

ووثقّت لجنة التحقيق الدولية، في تقرير نُشر خلال شهر أيلول/سبتمبر  2018، أنماطاً من الاعتقالات وعمليات الضرب والاختطاف التي قامت بها الجماعات المسلّحة التابعة لـ”الجيش السوري الحر”.

بالإضافة إلى قيامهم بعمليات نهب واسعة النطاق والاستيلاء على منازل المدنيين، ووصف الضحايا للجنة؛ كيف نُهبت البيوت إلى درجة أنّها “جُرّدت من الأثاث والأجهزة الكهربائية وكل أدوات الزينة”.

وأورد التقرير السابق للجنة أيضاً، معلومات عن نهب مستشفيات وكنائس وضريح أيزيدي، فضلاً عن تلقّيها تقارير حول تدمير مواقع دينية أيزيدية أخرى، في اعتداءات بدت أنّها ذات صبغة طائفية؛ وهي أولى الإشارات الأممية إلى الانتهاكات بحق الأيزيديين في عفرين.

وفي شهر آذار/مارس 2020، أكّدت لجنة التحقيق الأممية المستقلة حول سوريا، أنّ السكان الكُرد في عفرين، تمّ استهدافهم في المقام الأول، وكان معظم ضحايا الاختطاف والاحتجاز من الذكور؛ من أصل كردي.

وفي آب/أغسطس من العام نفسه، نشرت اللجنة تقريراً مفصّلاً آخراً، تطرّق أيضاً إلى الانتهاكات المرتكبة في عفرين، مشيرة إلى عمليات اعتقال من قبل فرقة الحمزة، لإحدى عشرة امرأة، بينهن امرأة أيزيدية وثلاث نساء كُرديات.

كما وثّقت عمليات احتجاز أخرى؛ لنساء أيزيديات؛ من قبل فصائل دعت تلك النسوة إلى “اعتناق الإسلام” في مناسبة واحدة على الأقل.

وقالت اللجنة بأنّها تُحقّق في 49 عملية احتجاز؛ لنساء كُرديات وأيزيديات في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية.

ويُشكّل الكُرد، وبحسب عدّة مصادر نسبة 92% من سكان عفرين، من بينهم حوالي 50 ألف أيزيدي قبل النزاع السور، وقد أدّت العملية العسكرية التركية المسمّاة “غصن الزيتون”، إلى تشريد قسري لحوالي 90% من سكان عفرين الأيزيديين.

وتعرّضت العديد من المزارات الأيزيدية في عفرين؛ إلى اعتداءات مختلفة، من قِبل مجموعات مسلّحة معارضة، ولأسباب عديدة.

في الخامس عشر، من أيار/مايو 2020، قام عناصر من جماعة مسلّحة بنبش مزار أيزيدي في “قرية قيبار”، يُدعى (جيل خانه)؛ بقصد البحث عن الأثار، وكان المعبد بمثابة مزار تقصده العديد من العائلات بقصد التبرّك.

وحصلت “سوريون”، على شهادات أخرى؛ تفيد بقيام نفس المجموعة المسلّحة بنبش مزار أيزيدي آخر في ذات الشهر في قرية قسطل جندو، وهو مزار “الشيخ حميد”، وتمّ تحديد المجموعة العسكرية، وعرف أنّهم يتبعون لفرقة “السلطان مراد” و”الجبهة الشامية”.

كما أفادت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، ومن خلال بحثها الميداني، أنّ العديد من القبور الأيزيدية في مقبرة “قرية قيبار”، تعرّضت للتخريب بشكل متعمّد من قبل عناصر فصيل “المعتصم بالله”؛ بعد انتهاء عملية “غصن الزيتون”، (أي خلال شهر آذار/مارس 2018).

وتعرّضت مقبرة “الشيخ حميد”؛ قرب المزار المعروف بذات الاسم، للتخريب عدّة مرات وبشكل متكرّر، من قِبل عناصر من الفصائل العسكرية المسلّحة أولاً (وتحديداً الجبهة الشامية)، ولاحقاً تكرّرت هذه الاعتداءات من قبل نازحين وافدين إلى المنطقة، رغم محاولة السكان المحليين ترميم شواهد قبورهم.

ولم تسلم المؤسسات الأيزيدية الدينية من الاعتداء والتدمير، فقد كشفت “سوريون”، ومن خلال تقرير لها، نُشر في الثاني عشر من نيسان/أبريل 2022، عن قيام منظمات كويتية وسوريّة؛ ببناء مدرسة دينية على أنقاض مبنى “الاتحاد الأيزيدي” بعد تدميره من قبل فصائل سوريّة معارضة عام 2018.

ووثّقت منظمة “أيزدينا”، أنماطاً مختلفة من الانتهاكات بحق الأيزيديين في عفرين، وتباينت ما بين الاستيلاء على منازل، أو الاعتداء على السكان الأصليين.

السيطرة على سري كانيه

أمّا عملية السيطرة على المنطقة الممتدة ما بين تل أبيض، وسري كانيه، فبدأت بعد الحصول على الضوء الأخضر من الإدارة الأميركية، وذلك عقب مكالمة هاتفية ما بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والأميركي دونالد ترامب، بتاريخ السادس من تشرين الأول/أكتوبر 2019.

مع بدء العملية العسكرية التركية، المسمّاة “نبع السلام”؛ بدأت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، منها القتل المتعمد، والهجمات غير القانونية، التي قتلت وجرحت مدنيين.

وبحسب “البيت الأيزيدي”، فقد كان عدد الأيزيديين في منطقة سري كانيه وريفها، نحو 3000 شخص، في عام 2012، موزّعين على حي”زردشت”، وقرى “الدريعي”، و”طليلية/تليلية”، و”الأسدية”، و”جافا”، و”دردارة”، و”تل صخر”، و”جان تمر”، و “شكرية”، و”قرية السعيد”، و”لزكة”، و”شيخ حمود”، وقرى أخرى.

ولكن وبسبب العملية العسكرية التركية والخوف من تكرار الانتهاكات بحقهم، هُجّر جميع الأيزيديين من المنطقة.

انتهاكات في ضوء القانون الدولي

التمييز بين المدنيين والمقاتلين خلال النزاع المسلح؛ هو أهم المبادئ التي أخذت الطابع العرفي على المستوى الدولي، لأن هذا المبدأ هو الذي يحظر توجيه الهجمات ضد المدنيين سواءً كانوا أفراداً أو جماعات.

هذا الحظر يوجب أطراف النزاع بحصر هجماتهم العسكرية ضد أفراد القوات المسلحة للعدو، أو من ثبت مشاركتهم مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية، وأي استهداف متعمد لغير هؤلاء سواء كأفراد أو كجماعات يُصنف كـ”جريمة حرب”.

ولا يمكن لطرف في النزاع أن يتعامل مع السكان المدنيين بصفتهم الكلية هذه؛ على أنهم أهداف عسكرية مشروعة، بل يجب التعامل معهم على أنهم أشخاص محميون؛ حسب المعنى الوارد في المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربعة.

وعلاوةً على ذلك، يجب معاملتهم معاملة إنسانية في كل الظروف، وليس هناك على الإطلاق ما يبرّر الأفعال أو التقاعس عن القيام بواجب المعاملة الإنسانية.

وحيث أن الأيزيديين، هم مجموعة من السكان المدنيين في منطقة النزاع المسلّح في سوريا، فمن الواضح من خلال ما أورده التقرير، أن استهدافهم تمّ ويتمّ بشكل متعمّد كمدنيين.

وتم حرمان الأيزيديين من تدابير الحماية الواجبة، وتعريضهم لممارسات معاملة لا إنسانية وغيرها من انتهاكات القانون الدولي الإنساني؛ من قِبل الفصائل المسلحة المُسيطرعليها من قبل تركيا، بحسب ما أورده التقرير.

المصدر: منظمات حقوقية