خروجاً عن المألوف.. روائيون سوريِّون يكتبون روايةً مشتركة تؤرِّخ الأحداث في سوريا

دمشق ـ نورث برس

في مشروعٍ يخرج عن المألوف قليلاً، قررت مجموعة من الروائيين السوريين؛ كتابة رواية مشتركة توثّق الأحداث التي شهدتها “الثورة السورية”؛ منذ انطلاقتها وحتى عام 2016، كلٌّ من زاويته واستناداً إلى تاريخ سوريا الشفهي الموثّق في هذه المرحلة.

الفكرة والتساؤلات

وفي مقابلات خاصة لنورث برس، مع القائمين على المشروع، الجهة الراعية وبعض الروائيين المشاركين، يقول جورج كدر، من منظمة دولتي الراعية للمشروع: “الفكرة ببساطة، هي كتابة سردية الإنسان السوري، وما مرَّ به من تحوّلاتٍ صنعتها حرب، لم يستفد منها أحد؛ إلا أطراف الصراع الدموي من فصائل وأمراء حرب، شاركوا في تحطيم أحلام السوريين بالحرية والكرامة والخلاص من نظام مخابراتي ابتلع البلاد والعباد، وجعلها عبارة عن سجون صغيرة في سجنٍ أكبر يدعى سوريا، حولوها إلى حرب لأجل السلطة والسيطرة، ولا تخدم إلا مصالح الدول التي تسعى لتحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية على حساب الدم السوري”.

أما ملاذ الزعبي، وهو أحد المشاركين في كتابة الرواية، فرأى أن الفكرة جديدة تماماً بالنسبة له ولم تخطر له من قبل.

بينما أوضحت فوز الفارس، إحدى المشاركات في المشروع، بأن هذا النوع من الكتابة ليس جديداً، وأنه خطر على بال كتّاب قبل المشاركين بهذا المشروع، سواء في الغرب أو في العالم العربي.

وأضافت:

“كثيراً ما قرأنا تجارب لكتّاب اشتركوا معاً في كتاب؛ مثل أن يقوم كاتب وزوجته الكاتبة بالاشتراك في عمل روائي”،

هناك رواية أوروبية كُتبت من قبل عدّة مؤلّفين وهي بعنوان (ضدّ الحرب).

وقالت “الفارس” لنورث برس، إن الكتابات الأدبية المشتركة ليست وليدة العصر الحديث، فمن يتتبّع التراث العربي يجد فيه كتابات مشتركة، كتلك التي ظهرت في القرن الرابع الهجري لإخوان الصفا؛ حين كتبوا رسائلهم المعروفة بـ(رسائل إخوان الصفا وخلّان الوفا)؛ التي بلغت الخمسين في عددها.

وأشارت “الفارس”؛ إلى أعمال روائيّة منجزة في العالم العربي بطريقة جماعية مثل رواية “عالم بلا خرائط” الرواية الفريدة من نوعها؛ التي اجتمع في تأليفها وكتابتها اثنان من أكبر الأدباء، هم جبرا إبراهيم جبرا، وعبد الرحمن منيف، وكذلك “القصر المسحور” التي اشترك في إبداعها طه حسين وتوفيق الحكيم.

وقالت: “بالنسبة لي ككاتبة، خضت تجارب بحثيّة جماعية، بالإضافة إلى كتاب أنطولوجي يركّز على أعمال الكاتبات السوريات، وأعجبتني جداً فكرة العمل ضمن فريق وحصلنا على نتائج جميلة ومُرضية”.

ولكنها أضافت : “ربّما الأمر في حقل الرواية مختلف، ندرك ذلك، وكانت لدينا في بداية المشروع بعض المخاوف بالتوازي مع رغبة كبيرة بالمغامرة وخوض هذه التجربة الجديدة التي تحمل في جانب منها نوعاً من التحدّي”.

ولم تكن “الفارس”، الوحيدة في الفريق التي تحمل مخاوف كهذه؛ مخاوف تصل في بعض الأحيان إلى مرحلة الشكّ؛ الشكّ في القدرة على خوض هذه التجربة، وكذلك العمل الذي سيتّم إنجازه وحجم الرضا عنه.

لكن، وبحسب الكاتبة، “كلّما تقدّمنا في العمل وبمرور الوقت، بدأ الشك يتلاشى ويخفت ويتحوّل إلى رغبة في الإنجاز، مترافق مع حماس كبير من قِبل أعضاء الفريق”.

هذا الحماس، الذي عزّزه ونمّاه؛ اللقاءات المتكررة ببعض الكتّاب والنقّاد السوريين ذوي “التجارب المميّزة”، بالإضافة إلى اللقاءات المنتظمة بين أعضاء الفريق والمشرف على تحرير الرواية الأستاذ جورج كدر، بحسب “الفارس”.

وأضافت: “المرونة والتفاعل بيننا كفريق، النقاشات التي كانت تدور بيننا والآراء والاقتراحات التي كانت تُقدّم؛ كلّها كانت مفيدة، وأسهمت في إنجاز المرحلة الأولى من العمل”.

عمليَّة انتقال في التقنيَّة الروائيَّة

يوضح “كدر”، أن هدف المشروع منذ البداية؛ كان نقل تجربة الحرب السورية من المستوى الإعلامي إلى عالم الأدب الرحب، ولكن عبر تجربة كتابة جماعية، فيها كتّاب وليس كاتب واحد، بطلها أبطال تنوعت تجاربهم، وتقنياتها متنوعة بتنوع عوالم كتّابها.

ويُضيف: “وما يربط كل ذلك ببعضه، هو الحدث السوري المشترك ضمن التجارب الفردية التي خاضها الشهود الذين عرَّفَنا عليهم الأرشيف الشفهي، الذي قامت مؤسسة دولتي بجمعه في العام 2016”.

 ويشير إلى أنَّ العمل “روائي”؛ لأنَّ العوالم والأحداث متشعبة ومتشابكة إلى حدّ كبير، وأكبر من عوالم القصة أو السيناريو، مع أنها يمكن أن تعالج درامياً لاحقاً لثرائها بالشخصيات والتجارب الإنسانية، ما هذه التجارب سوى المعاناة المشتركة التي خاض السوريون فيها صراعاً مريراً لأجل النجاة بأنفسهم وبعائلاتهم.

لمتابعة جميع الأخبار… حمل تطبيق نورث برس من متجر سوق بلاي

من ناحية أخرى كان الروائي السوري في العمل هو جزء أساسي من العمل، ولكنه لن يعتمد على خياله كما تفعل أغلب الأعمال الروائية، وإنما على شهادات يسمعها، وتُشكل أحداث روايتها سياقاً؛ يعكس بالفعل تجارب مؤلمة، وصِعاباً استطاع أصحاب الشهادات تجاوزها، أو أثرت على حياتهم لباقي عمرهم وأرخت بظلالها الثقيلة عليهم “وهو ما سنجده في فصول الرواية”، بحسب “كدر”.

والروائي المشارك في المشروع كان يعمل على إعادة إنتاج هذه الشهادات من صيغتها السردية التقريرية والفردية، إلى عالم أوسع وأرحب؛ أي عالم الرواية، لذلك ليست هي قصة وليست سيناريو، وبالطبع سيجد القرّاء والنقّاد أساليب مختلفة ومتباينة بين الكتّاب، بحسب الكاتب.

ولكن يأمل “كدر”، بأن يُوفّق الفريق؛ بأن يكون تعدد أساليب الكتّاب نقطة قوة، أو على الأقل أن تكون تجربة جريئة في الدخول لعالم رواية واحدة من روايات بكتّاب وأبطال وتقنيات متعددة.

وأعرب، عن أنه تحدّ كبير يتم خوض تجربته الأولى مع كتّاب سوريين؛ شاركوا تطوعياً الحماس لخوض هذه التجربة، كما بيَّن أن الشكوك بنجاح هذا العمل تخلّلت لأعضاء فريق الكتّاب قبل غيرهم.

ولكن خوض التحدي للخروج بتجربة جديدة بكل أخطائها ونجاحاتها هو الذي كان المُحفِّز الأول، لنقل تجارب شخصية للناس البسطاء الذين تمّ تجاهل صوتهم، لا بل وتاجروا بمعاناتهم، بحسب الكاتب.

أما ملاذ الزعبي، فوضّح أنه لا يستطيع القول بأن المشروع “سينجح أو سيفشل”، مع أمله بنجاحه.

وعبّر عن ثقته؛ بأن المشاركين والمشاركات الآخرين، عملوا عليه بشغف كبير، ولديهم من القدرات والإمكانات ما سيدفعه باتجاه النجاح، وبيّن أن جدة الموضوع كذلك من ناحية المشاركة الجماعية في الكتابة قد تساعد على نجاحه، أو على الأقل على إثارة الفضول للاطّلاع على الرواية وقراءتها واستكشاف التجربة المغايرة وغير المألوفة إلى حد ما.

كما وقالت “الفارس”، بأن الكتابة المشتركة تحتاج وحدة فكرية في العمل، وهي موجودة في العمل المقرّر إنجازه، وتتجلّى في موضوعة الحرب وما أفرزته خلال السنوات الماضية وتأثيرها على السوريين.

وقد يكون من الصعب أن يلتقي اثنان من الكتّاب على هواجس واحدة أو على طبيعة إبداعية واحدة، لكن وجود علاقات جيدة وطيبة بين أعضاء الفريق، وتفهّمهم لإمكاناتهم الإبداعية ولإمكانات الآخر، بالإضافة إلى الحماس والرغبة في إنجاز العمل، واختبار أثره ونتائجه؛ كل ذلك يمكن أن يسهم في نجاح عمل عدّه بعضهم “مغامرة”.

بينما يراه المشتركون فيه تحديّاً يمكن خوضه والوصول من خلاله إلى نتائج مرضية ومقبولة إلى حدّ بعيد، يُضاف إلى ذلك كله؛ أن العمل الجماعي المشترك يسهم في توفير أبعاد إبداعية جديدة وإضافية للعمل، ويوفّر تعددية أصوات ثقافية لا غنى عنها، في عمل يتناول الحرب السورية؛ التي لم يكن الموقف منها في أيّ يوم مضى واحداً بالنسبة للسوريين وغيرهم.

ولعلّ كل منطقة في سوريا كانت تجري الأحداث فيها بطريقة مختلفة عن المناطق الأخرى، ووجود كتّاب سوريين في الفريق ينتمون إلى تلك المناطق ويكتبون عمّا حدث في المناطق التي ينتمون إليها؛ يمنح تجربتهم الصدق وهو من أهمّ مقومات العمل الأدبي، بحسب “الفارس”.

صعوبات طبيعيَّة

ذكرت “الفارس”، العقبات والتحديّات، موضِّحةً بأن التجربة بحدّ ذاتها مغامرة، تلك العقبات أو التحدّيات كانت في البداية، وتجلّت في الحيرة والتخبّط في إمساك الخيط، أو إيجاد نقطة الانطلاق والقاعدة التي سننطلق منها في الكتابة.

لكنّ الفريق قام “بتذليلها ونجح في ذلك إلى حدّ ما”، كانت هناك حالة من التكاتف والتعاضد بين أعضاء الفريق، بالإضافة إلى الدعم والتشجيع الذي يتلقّاه من المشرف على العمل.

ووضّحت أنه في بعض الأحيان؛ كانت تدور نقاشات لساعات من أجل حدث أو شخصية، أو اختيار الطريقة التي سيتمّ بها بناء الحدث، وقد يبقى النقاش مفتوحاً وممتداً لأيام، ريثما يتم التوافق على صيغة معيّنة أو وجهة نظر يمكن البناء عليها والمُضيّ قُدماً في عملية الكتابة، لكنها تعتقد أن التحدّي الأكبر الذي واجه الفريق كلّه هو عامل الوقت.

فكرة الرواية 

وفقاً لجورج كدر، ستتناول الرواية تجارب وشهادات لسوريين من مناطق مختلفة من سوريا، وصراعهم من أجل البقاء ليس على قيد الحياة فقط؛ بل وعلى قيد العقل لقسوة ما مروا به، صراعهم في الحرب أو في المعتقل أو النزوح أو اللجوء…إلخ، هي رواية مبنية على شهادات حقيقة، فيها واقع يفوق الخيال وخيال لا يتعدى الواقع مهما جمح.

أما “الزعبي”، فوصف الرواية بأنها لا تتناول موضوعاً واحداً محدداً، بل هي محاولة أدبية لمقاربة الشأن السوري الملتهب منذ أكثر من عقد.

اقرأ أيضاََ

وأشار “كدر”، إلى أن جزءاً كبيراً من الشهادات تم توثيقها وجمعها فعلاً داخل سوريا، لكن للضرورة التي تفرضها حماية الشهود؛ لن يتمّ التطرُّق إلى ما يدلّ عليهم، أما بالنسبة للكتّاب؛ فهذه الرواية تجمع الكتّاب السوريين الذين شتتّهم ظروف الحرب في أرجاء العالم، وليس فيها مشاركين من الداخل ككتّاب، رغم تقدُّم العديد من الكتّاب وطلبهم المشاركة.

وأضاف: “لكن ما حال دون ذلك؛ هو إدراك لحجم الضغوط التي سيصادفها من يشارك من الداخل، وهو أمر لا يحتاج لإثبات مع نظام مخابراتي متوحش كالنظام السوري، ولكن هذا لا يعني أن الرواية كانت أحادية الاتجاه ومن طرف واحد، فالشهادات المجموعة كانت من كل الأطراف في الداخل، وانتُقي منها ما يفيد التنوّع الموجود، من مؤيدي للثورة إلى جماعة كنا عايشين”، على حد قوله.

وناقشت الرواية الموقف من أطراف الصراع، لذلك هي ليست روايات طرف أو مؤيديه؛ بل هي رواية تتنوع بتنوع مواقفنا وتجاربنا كضحايا؛ دفعوا ثمناً باهظاً في سنوات الحرب.

شهادات مختلفة

بينما لفتت “فوز”، إلى أن المقابلات والتجارب التي بين أيديهم هي لأشخاص يحملون مواقف مختلفة ومتباينة من “الثورة والنظام”، ومن كلّ الأطراف التي لها يدّ بالحدث السوري.

وبرأيها لو أن الأمر حدث في وقت مبكّر من عمر “الثورة”؛ لم تكن لتتقبّل وجهة النظر المغايرة “لإيمانها بالثورة”؛ لأنها كانت في قلب الحدث وتتعامل مع المحيط والأحداث بطريقة انفعالية وحماسية بوصفها “ابنة للثورة”، ومؤمنة بها، وعايشت مشاهد القتل والتدمير والقصف والنزوح المتكرّر.

لكن بمرور الوقت ووجود مسافة زمانية ومكانية فاصلة بينها وبين الحدث، أصبحت أكثر نُضجاً في التعامل مع ما حصل، وتقدر على رؤيته من زوايا مختلفة، وعلى الإنصات لوجهات نظر كانت ترفض تماماً الاستماع لها فضلاً عن الاعتراف بها.

كما تعتقد أن مجرد القبول بالاستماع والإنصات للطرف الذي يخالفك الرأي، والتوجّه قد يفضي بنسبة معيّنة إلى تقليص التباينات والمسافة الفاصلة بين الروائيين أينما كانوا، والتي كانت مستحيلة في مرحلة معيّنة أو تنطوي على كمّ من الصعوبة لا يُستهان به.

ولفتت، إلى أن “مرور الوقت على حدث معيّن نريد الكتابة عنه؛ يجعلنا أكثر نضجاً وحكمةً ونمتلك القدرة على التعامل مع ذلك الحدث والنظر إليه بطريقة مختلفة تراعي الجوانب كلّها وتكون أكثر شمولاً وصدقاً”.

وهذا العمل الروائي وكما أعلن المنظّمون سابقاً في أكثر من مناسبة؛ هو عمل تطوُّعي بادر إلى الاشتراك فيه عشرات الكتّاب السوريين، وقع الاختيار على سبعة كتّاب منهم؛ لكتابة هذه الرواية التي ترعى إنجازها مؤسسة دولتي؛ صاحبة الأرشيف الضخم الذي يضمّ أكثر من 400 شهادة.

إعداد: نجوى ابراهيم