محطات نزوح من سري كانيه بعد ماضٍ “مستور”.. قصة مُسنّة وزوجها الكفيف

الدرباسية- نورث برس

في غرفة تفتقر لأدنى مقومات الحياة، تبكي النازحة الستينية، على ما آل إليه حالها منذ ثلاث سنوات، تتكبّد هي وزوجها مشقة الحياة ومرارة النزوح لوحدهما دون معيل.

تقول هدلة شيخو، (65 عاماً)، بينما يجلس زوجها إلى جانبها، “النزوح والحرب جعلاني عجوزاً، لا أقوى حتى على العمل لتأمين لقمة عيشنا”.

لم تعد النازحة قادرةً بعد هذا العمر على إيجاد عمل أو ترك زوجها الضرير وحيداً في المنزل، فتقول: “سابقاً وقبل هذه الخسارة، لم أشعر بالعجز أو بتقدُّم العمر، صحيح لم يكن لدينا أولاد وكان زوجي كفيفاً، لكن كنا مستورين في منزلنا(..) لقد كان منزلي مملكتي أنا وزوجي”.

طال حديثها عن ماضيهما وحاضرهما وقلقها من المستقبل، لم تتوقف “شيخو”، عن البكاء، بينما كان زوجها الضرير الأصم غير مدرك ما يجري حوله، يحاول عن طريق يديه التأكد أن زوجته بجانبه.

حياة صعبة عاشتها سابقاً، وهي تعمل وتكدح في الحقول، لتؤمّن معيشتها مع زوجها، لكن رغم القساوة كان ماضياً “مستوراً وجميلاً”، قبل أن تتصاعد المشقة في رحلة نزوح أليمة من سري كانيه (رأس العين)، منذ ثلاث سنوات.

وسيطرت تركيا، والفصائل المسلحة الموالية لها، على سري كانيه، وتل أبيض، في تشرين الأول/ أكتوبر، من عام 2019، مما أدى لنزوح سكانها جنوباً باتجاه قرى شمالي الحسكة، ولعل الكثير منهم حالهم حال “شيخو” وزوجها اليوم.

تسرد “شيخو”، التي تسكن حالياً في مدينة الدرباسية، شمالي الحسكة، مقتطفات من الماضي الذي يعود لما قبل العملية التركية في خريف 2019، حيث كانت وزوجها يعيشان حياة لا بأس بها رغم الصعوبات والمشاكل والفقر، وكانت تسير على ما يرام كحال الكثيرين من “الناس الفقراء”.

لكن الفارق كبير؛ عندما تُقارن النازحة تلك الحياة البسيطة في الماضي مع العذاب الذي تواجهه منذ ثلاث سنوات وحتى اليوم.

تقول: “كنا نعمل والكثير من نساء الحي في الحقول الزراعية بالأجرة اليومية، نعمل طوال النهار، لكن رغم التعب والإرهاق، كنت أتدبّر أمر عائلتي، لا سيما أن زوجي ضرير ويقع على كاهلي مسؤولية إعالته والاعتناء به”.

على الأقل كانت السيدة تتمكن من تأمين الطعام والدواء؛ لتعيش مع زوجها في منزلهما الذي يحوي أدوات وأغراض بسيطة، فتقول: “كنا مستورين ولسنا بحاجة لأحد”.

عندما تعود “شيخو”، من ذكرياتها التي سردتها إلى واقع اليوم، تختفي تلك الابتسامة وتتحوّل إلى ألم، فتبدأ بالحديث عن رحلة النزوح، “هجموا علينا، صوت الرصاص والانفجارات من كل صوب، رحلتُ مع زوجي فقط ولم أحمل شيئاً معي”.

لم تحظَ “شيخو”، بساعة تُلقي فيها نظرة أخيرة على بيتها، وهي تترك عمراً طويلاً وراءها، لتسير مع الناس في قوافل النازحين؛ حيث يعلو فيها أصوات البكاء والصخب.

 بعد فترة طويلة من المسير، وصلت جموع من النازحين وبينهم السيدة وزوجها؛ إلى بلدة تل تمر، شمالي الحسكة، بقيت ثلاثة أيام كاملة في مدرسة خُصّصت لإيواء النازحين، وهم يفتقرون لأبسط الاحتياجات كالفِراش والدواء والغذاء.

وبينما اعتقد بعضهم أن الرحلة انتهت، ما لبث وأن لاحقتهم أصوات الانفجارات، فسقطت قذائف تركية على محيط تل تمر، حيث المحطة الأولى من النزوح، فاضطرت “شيخو” وزوجها مثل من معهم، للبدء في رحلة هروب جديدة، صوب الأرياف، ثم مدينة الدرباسية، حيث كان يستضيفهم أقرباء في كل محطة من محطات النزوح.

تكتفي “شيخو”، بما ذكرته من تفاصيل، وتحكي عن حالها اليوم، “خسرنا كل ما بنيناه خلال عمرنا، نعيش على المساعدات والتبرُّعات، تمدُّنا بعض المنظمات الإنسانية بمساعدات قليلة، لا تكاد تكفي لأبسط احتياجاتنا”.

وتُضيف بينما تبكي، “يمرُّ بنا أهل الخير كل فترة، بعضهم يُقدِّم لنا مواد غذائية، والبعض الآخر يُقدِّم مبلغاً بسيطاً”.

إعداد: صلاح أوسكان – تحرير: هوزان زبير