“بدنا نرجع لبيوتنا”.. حلمُ نازحين شمالي الحسكة يفسده القصف التركي

الحسكة- نورث برس

تجلس رويدة، برفقة طفلتيها أمام باب المدرسة، وينتابها القلق مما سيؤول إليه حالهم بعد أسبوعين، مع قرب بدء العام الدراسي الجديد؛ دون وجود مكان آخر تلجأ إليه.

تسترق الأم النظر إلى طفلتيها وتقول بلهجتها المحلية، “بدنا نرجع لبيوتنا، تعبنا، نريد نحس بالأمان فقط”.

تدري النازحة رويدة الأحمد، التي تنحدر من بلدة أبو راسين(زركان)، جيداً؛ أن العودة إلى منزلها غير ممكنة حالياً، بينما لم يتوقف القصف التركي على منطقتها.

وعلى إثر القصف العنيف الذي شهدته أبو راسين وقراها، منذ أكثر من شهر، نزحت السيدة الأربعينية، وعائلات أخرى، من منازلهم الواقعة على خطوط التماس مع فصائل المعارضة الموالية لتركيا.

وقبل أسبوعين، قصفت القوات التركية، المركز الزراعي، ومركز قوى الأمن الداخلي (الأسايش)، وسط أبو راسين، وتزامن ذلك مع قصف طال قرية الأسدية، بريف البلدة، بثلاث قذائف مدفعية.

وقبلها بحوالي نصف ساعة، قصفت المدفعية التركية، قرية قبور القراجنة، شمالي بلدة تل تمر، شمالي الحسكة، واقتصرت الأضرار على المادية فقط.

ومع تجديد القصف بشكل شبه يومي، تتريّث عائلة “الأحمد”، في العودة إلى أبو راسين، رغم أنها تعيش وضعاً قاسياً؛ وسط عدم تقديم أي منظّمة أو جمعية دعماً يساعدهم على تخفيف معاناة نزوحهم.

“أصابنا الذعر”

ومن مدرسة قرية سيحة، بريف مدينة الدرباسية، شمالي الحسكة، تقول “الأحمد”، إنها ليست المرة الأولى التي ينزحون فيها من منزلهم، إذ دائماً ما كان القصف يدفعهم لترك المنزل والعودة بعد توقفه بيوم أو عدة أيام.

ولكن منذ شهرٍ ونصف، وبسبب تصاعد حدة القصف، لجأوا إلى قرية الكولية، بريف الدرباسية، وانتقلت بعد أسبوع إلى قرية الشور المجاورة، حيث تسكن عائلتها، ولضيق المنزل؛ لجأت بعد ثلاثة أسابيع إلى مدرسة سيحة.
وتُضيف السيدة، بينما يختلط الغضب والحزن في لهجتها، “يجب أن تتوقف هذه الحرب، لا نرغب بأن يعيش آخرون في المناطق المجاورة نفس المأساة”.

وتشير، إلى أن طفلتيها تشعران بالذعر، وتصرخان وتبكيان؛ بمجرد سماعهما صوت مشابه للقصف، “يكفي ما أصابنا”.
وكان السابع والعشرون من أيار/ مايو، الفائت، يوماً عصيباً على سكان أبو راسين، حين استهدفت القوات التركية، البلدة بأكثر من 320 قذيفة، وفقاً لما أعلنته قوات سوريا الديمقراطية، حيث نزح السكان من منازلهم وعادوا بعد أن توقف القصف بعدة أيام.

“المضحك المبكي”

الحال لدى عمر عزو، لا يختلف كثيراً عن سابقته، فهو الآخر وبسبب القصف العنيف، ترك قريته دادا عبدال، بريف أبو راسين قبل شهر، ولجأ إلى منطقة المشاريع الزراعية، في قرية المزري التابعة للبلدة.

وبالقرب من باب بيته الجديد، يجلس المُسن البالغ من العمر 65 عاماً، يستذكر تفاصيل نزوحه، حيث كانت الساعة تشير إلى  الثانية عشرة ليلاً؛ حين بدأ القصف، “كان صوت المدفعية لا يهدأ، أصابنا الذعر”.

ويضيف، “في البداية وضعت أفراد عائلتي في الحمام خوفاً عليهم من أن يُصابوا بمكروه، وعند اشتداد القصف هربنا إلى خارج القرية، كلما كانت تسقط قذيفة ننبطح أرضاً، ونُكمل الركض بعد ذلك”.

ومن شدة الغبار الذي كان يخيّم على القرية بسبب القصف، فقدت عائلة “عزو”، إحدى بناتها؛ فيقول الأب، “كان الموقف مضحكاً ومبكياً في نفس الوقت، من شدة الغبار لم نلحظ أنها ليست معنا، وجدتها بعد ذلك مختبئة في قن الدجاج”.

فرّت العائلة إلى قرية مجاورة، وعادت بعد نحو عشرة أيام إلى منزلها، حيث نفقت بقرتهم الوحيدة التي يعتمدون عليها في المعيشة.

لكن بعد عودتهم بيوم، عاودت القوات التركية قصف دادا عبدال، مرة أخرى.

يقول المُسن، إن القصف الكثيف والعشوائي لم يتوقف ذلك اليوم حتى ساعات الصباح، فلم يعُد بمقدورهم البقاء، غادروا القرية باتجاه المشاريع الزراعية، في قرية المزري.

وتُناشد عائلة “عزو”، المنظمات الإنسانية الدولية، وكذلك المحلية، لتقديم الدعم لهم، وخاصة أنهم لم يتمكّنوا من إخراج أي شيء معهم أثناء النزوح.

يقول “عزو”، وهو أب لثمانية أفراد، “تركونا لوحدنا نواجه هذا المصير”.

يُضيف المُسن الذي يغزو الشيب رأسه، “استبشرنا خيراً بقدوم الروس، والاتفاق على وقف النار عام 2019، وتسيير دورياتهم، لكن صُدمنا بأنهم لم يغيّروا من الواقع شيئاً، وأن الاتفاقية تحمل في طياتها ما يخدم مصالحهم فقط”.

“لم نستفد من وجود الروس”

ولـ أيالا عبد الله، (45 عاماً)، قصة مشابهة، تشترك فيها مع سكان الشريط الحدودي.

تعيش النازحة من قرية دادا عبدال، حالياً؛ في منطقة المشاريع بقرية المزري، منذ ما يقارب الشهر، برفقة زوجها وأطفالها.

وتتعرّض قريتها بشكل مستمر للقذائف، وعندما يهدأ القصف على القرية؛ تترك “عبد الله”، أولادها في بيت أهلها، وتذهب لتطمئن على منزلها وتنظفه، ثم تعود مسرعة خوفاً أن تسلب قذيفة حياتها.

تقول، “قالوا لنا بأن قدوم الروس إلى منطقتنا وتسييرهم دوريات فيها؛ سيوفر الأمن ويمنع الأتراك من القصف، ولكن الواقع كان مُخيّباً للآمال، فلم يتوقف الأتراك عن القصف ولم نستفد من وجود الروس”.

وفي ظلّ غيابٍ واضح للمنظّمات الإنسانية والجمعيات المحلية، تعيش أيالا، وعائلتها على “الصدقات من فاعلي الخير”.

تُضيف السيدة الأربعينية، إن “المساعدات تُوزّع لغير مستحقيها، خلال هذه الفترة لم أحصل سوى على سلة واحدة، غالبية موادها لا تؤكل”.

أُمنية “عبدالله”، الوحيدة حالياً؛ أن تعود إلى منزلها، فأكثر ما يؤرقها فكرة أنها لن تتمكن من العودة إلى منزلها، الذي تركت فيه تعب وشقاء سنواتها السابقة.

تتساءل حائرةً، ويسكنها الذهول، وعينيها محدّقة في الأفق البعيد، “أين كنا وأين أصبحنا؟”.   

إعداد: صلاح أوسكان- تحرير: سوزدار محمد