روسيا تريد إعادة المساعدات الإنسانية إلى القبضة السورية

وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الشهر الماضي، وبعد مناقشات مكثفة, على تمديد ما تبقى من ممر المساعدات العابرة للحدود؛ التابع للأمم المتحدة، إلى سوريا، لمدة ستة أشهر.

قبل ثماني سنوات، صوّت مجلس الأمن بالإجماع؛ على بدء آلية المساعدات الإنسانية هذه بموجب القرار 2165، الذي يمنح المنظمات الإنسانية التي تقودها الأمم المتحدة؛ السلطة القانونية لإيصال المساعدات إلى سوريا، من خلال أربعة معابر حدودية محددة مع تركيا والعراق والأردن.

يمثل هذا القرار موافقة الأمم المتحدة الأولى حيال هذا النهج, والمرة الأولى التي صوتت فيها الصين، وروسيا، لتجاوز السلطة السورية؛ بسبب المعاناة الإنسانية في سوريا.

لكن كلاً من الصين وروسيا، تريدان الآن إنهاء وصول المساعدات الإنسانية هذه، وتركيز تقديم المساعدات عبر دمشق. يُشير هذا البحث إلى أن هذا التحوّل سيحدّ من وصول المساعدات للملايين في المناطق التي يصعب الوصول إليها في سوريا.

روسيا والصين تريدان الحفاظ على نظام الأسد

سمح تصويت عام 2014، بوصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود، بغضّ النظر عن موافقة سوريا من عدمها. بالنسبة لروسيا والصين، كان هذا خروجاً صارخاً عن رفضهما السابق لدعم أية قرارات من هذا القبيل في سوريا.

استهدفت سلسلة هجمات عام 2013, بما فيها الهجوم الكيميائي على الغوطة, المدنيين السوريين بشكل مباشر، مما أثار دعوات داخل المجتمع الدولي للتدخُّل العسكري في سوريا، زاد ذلك من الضغط الدولي على روسيا والصين لإعطاء الأولوية لحماية المدنيين.

بالنسبة لروسيا، تُهدّد الإجراءات العقابية التي اتخذتها الأمم المتحدة في سوريا، بتقويض نظام الرئيس بشار الأسد، الشريك الاستراتيجي الرائد لموسكو في المنطقة، وتُهدّد القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، أما الصين فكانت لها أسبابها الخاصة لاستخدام حقّ النقضّ ضد مقترحات الأمم المتحدة، المتعلقة بالصراع السوري، ويرجع ذلك جزئياً؛ إلى أن بكين لديها مصالح اقتصادية واسعة في المنطقة، كما امتنعت بكين عن التصويت على تصريح الأمم المتحدة لعام 2011، للتدخل الإنساني في ليبيا، ويعتقد صانعو السياسة الصينيين، أن عمل الناتو غير المقيد، بموجب تفويض من الأمم المتحدة، أدى إلى انهيار ليبيا والحرب الأهلية التي لحقت ذلك الانهيار.

بعد امتناعها عن التصويت، استخدمت الصين حقّ النقضّ في مجلس الأمن، بشكل استراتيجي، لنزع الشرعية عن تغيير النظام في سوريا، والضغط من أجل بدائل عدم التدخُّل في الصراع السوري. إن عمليات النقضّ المتتالية، لا سيما بشأن الإحالة المقترحة للقضية السورية إلى المحكمة الجنائية الدولية، تركت بكين عُرضة لادعاءات من لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، بأن موقف الصين، قد يؤجج المزيد من الفظائع في سوريا، أدى هذا إلى توتر العلاقات مع جامعة الدول العربية، لا سيما مع المملكة العربية السعودية، التي استقالت من مقعدها في مجلس الأمن في عام 2013.

كانت لدى الأمم المتحدة لحظة نادرة من الإجماع

في عام 2014، انضمت روسيا والصين إلى الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن، لاستصدار القرار رقم 2139 بالإجماع، والذي طالب برفع جميع أشكال الحصار عن سوريا، إلى جانب وصول المساعدات الإنسانية الفورية وتسليمها، عندما واصل الأسد إصراره على رفض مطالب الأمم المتحدة، أصدر مجلس الأمن بالإجماع القرار 2165 في حزيران 2014.

لماذا دعمت الصين وروسيا القرار؟ كان الحل الوسط هو أن القوى الغربية لن تضغط من أجل السماح باستخدام القوة، الأمر الذي تخشى روسيا والصين أن يعطي ذريعة للتدخُّل العسكري وتغيير النظام، ويعتقد أعضاء مجلس الأمن، أن هذه المقايضة ستوسع تفويض الأمم المتحدة للوكالات الإنسانية للوصول إلى المناطق التي يصعب الوصول إليها والتي تسيطر عليها المعارضة.

مكّن القرار 2165؛ الأمم المتحدة من التخفيف من تدهور الوضع الإنساني، دون أن تُعرقل الحكومة السورية إيصال المساعدات، لكنه قلّل أيضاً من احتمالية التدخُّل المسلّح وتغيير النظام، ومع ذلك؛ فإن هذه المقايضة تعني أن الصين وروسيا، وهما من المؤيدين الأقوياء للسيادة السورية، شرعوا أيضاً في إضفاء الشرعية على مبدأ رئيسي من مبادىء مسؤولية الأمم المتحدة عن الحماية, وهو أن المخاوف الإنسانية يمكن أن تتفوق على حق الحكومة المفترض في السيادة.

ماذا يحدث الآن؟

تتزايد الضغوط من روسيا والصين، على النظام الإنساني الذي تقوده الأمم المتحدة، لجعل المساعدات في دمشق؛ تحت السيطرة السورية، مما يُلقي بظلال من الشكوك حول استمرارية الآلية العابرة للحدود، وبدلاً من ذلك، تُروِّج الصين وروسيا، لمرور المساعدات “تقاطعاً” مع دمشق، لإرسال المساعدات عبر خطوط القتال إلى مناطق المعارضة.

قوّضت روسيا، تدريجياً الآلية الحالية من خلال إغلاق المعابر التي وافقت عليها الأمم المتحدة، عبر الأردن والعراق, ولم يتبقَّ سوى وصول المساعدات عبر تركيا، وعلاوة على ذلك,  دفعت روسيا والصين أيضاً؛ لتقليص الجدول الزمني للتجديد لهذا الوصول عبر الحدود من عام واحد إلى ستة أشهر، وأضافت مُتطلّبات أخرى للأمين العام للأمم المتحدة، لإنتاج تقارير روتينية عن حالة العمليات.

تُجادل الولايات المتحدة وشركاؤها؛ بأن الآلية العابرة للحدود تظل حاسمة بالنسبة للمساعدات الإنسانية للوصول إلى السوريين؛ الذين يعيشون خارج المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، ويفتقرون إلى البنية التحتية الحيوية والخدمات الصحية والأمن الغذائي، وفي استطلاع أجرته وكالة الأمم المتحدة للاجئين في عام 2022، يرى أكثر من 92 في المئة من اللاجئين السوريين في المنطقة؛ أن الظروف في سوريا، لا يمكن تحمُّلها؛ لعودتهم في غضون العام المقبل، بسبب الافتقار إلى الأمن والخدمات الأساسية، وبينما تقود الإمارات العربية المتحدة تطبيع العلاقات العربية مع سوريا، لا يثق صانعو السياسة الغربيين في قدرة النظام السوري وإرادته السياسية، على الإشراف على إعادة الإعمار بعد الصراع الطويل.

زعمت الصين وروسيا، أن المنظّمات غير الحكومية والدول المجاورة والدول الغربية تستغل طرق المساعدات لتقويض الأسد، ويقول كلا البلدين؛ إن الأسد سيعمل على تخفيف معاناة الأمة إذا تم تمكينه من خلال المساعدة الدولية بدلاً من العقوبات، ومع ذلك، تشير مجموعات الإغاثة الغربية إلى الفوضى والفلتان في مناطق مثل مدينة درعا الجنوبية، حيث لم تتحسن الظروف كثيراً منذ عودة المدينة إلى سيطرة الحكومة منذ أربع سنوات خلت.

لا تزال روسيا والصين تراهنان على الأسد

بعد ثماني سنوات، من قبول روسيا والصين للقرار 2165، استعاد نظام الأسد السيطرة على جزء كبير من البلاد، ويريد ممارسة المزيد من السيطرة على الجهود الإنسانية الخارجية، ويقود الأسد الآن الاستعادة النهائية لسيطرة الدولة على معظم مواطن الحكم الجغرافية والمعيارية، بما في ذلك الجهود الإنسانية.

لقد أعطت الصين بالفعل الضوء الأخضر، لتعاون اقتصادي وسياسي أعمق مع سوريا، ورحّبت بها في مبادرة الحزام والطريق ومبادرة التنمية العالمية، وفتحت الوصول إلى التمويل الصيني لمشاريع إعادة الإعمار، تواصل روسيا، المنشغلة بغزوها لأوكرانيا، دعم حكومة الأسد عسكرياً، لكنها ستنظر على الأرجح إلى الصين لتتطلع بدور أكبر في بناء قدرات الأسد السياسية والاقتصادية والبيروقراطية.

المقال كتبه جيسي ماركس لجريدة واشنطن بوست الأميركية وترجمته نورث برس