اللجنة الدستورية وسؤال ما العمل؟

في سياق التحولات الجذرية في مواقف تركيا تجاه الأزمة السورية، وتسارع عملية المصالحة مع النظام السوري التي كانت قد بدأت في عام 2016، يطرح التساؤل حول الشكل المناسب والطريقة الأفضل لإخراج الحل المحتمل للأزمة السورية. يكتسب هذا التساؤل أهمية خاصة بالنظر إلى المصالح الدولية المتعارضة في سوريا، وصعوبة التوليف بينها.

من المعلوم أنه بعد نحو عشرين شهراً من النقاش بين الأطراف المعنية بمسار أستانا تم التوافق على قوائم اللجنة الدستورية التي كان قد أقرها لقاء سوتشي لنحو ألفين من السوريين قبل ذلك بنحو عامين، وصدرت من ثم عن الأمين العام للأمم المتحدة.

اللافت، بخصوص تشكيل اللجنة الدستورية والإعلان عنها، سرعة الموافقة عليها من قبل جميع الأطراف الدولية المتدخلة في الأزمة السورية، فإضافة إلى رعاة مسار أستانا، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة العربية السعودية، ودول أخرى موافقتها عليها. وبالمناسبة لم تعترض أي دولة من الدول المؤثرة في الداخل السوري على تشكيل اللجنة الدستورية، وكأنها كانت تنتظر ذلك كمخرج سحري لها ينزلها من أعلى سلم الأزمة السورية. حتى أعضاء مجلس الأمن رحبوا ببيان الأمين العام للأمم المتحدة حول تشكيل اللجنة. اللافت أيضاً الترحيب الحماسي بتشكيل اللجنة والتوافق على القواعد الإجرائية لعملها من قبل المسؤولين السوريين إذ عدها في حينه وزير الخارجية إنجازاً وطنياً كبيراً.

على المقلب الآخر، فإن قسماً كبيراً من السوريين جرفته هموم الحياة اليومية بعيداً عن الانشغال بتطورات الأزمة السورية، فهو مع أي حل، ومن أية جهة جاء، إذا كان سوف يساهم بتحسين واقعه المعاشي. لكن ثمة قسم آخر من الموالين والمعارضين لم يوافق على اللجنة، ولكل مبرراته الخاصة. الموالون رفضوا اللجنة الدستورية وعدوها تدخلاً أجنبياً في شؤون سوريا الداخلية، في حين رفضها المعارضون لأنهم وجدوا فيها اعترافاً بالنظام وبدوره في المرحلة المقبلة. أضف إلى ذلك فإن القوى السياسية في شمال شرقي سوريا أعلنت صراحة أنها لن تعترف بنتائجها نظراً لعدم مشاركتها فيها.

بين الموافقة الدولية على اللجنة، ورفض كثير من السوريين لها، لا بد من طرح السؤال ما العمل؟ وهل من بدائل أخرى محتملة؟.

في نيسان من عام 2011 أي بعد نحو شهر من انطلاق انتفاضة كثير من السوريين على النظام مطالبين بإسقاطه نشرت مقالة طويلة بعنوان “بمثابة مبادرة وطنية لحل الأزمة في سوريا” أعيد الاستفادة مما جاء فيها للجواب عن تساؤلات كثير من السوريين عن طريقة الحل المحتملة والشكل الذي سوف يأخذه. قلت في المقالة آنفة الذكر، إن المدخل إلى حل الأزمة في سوريا يختلف عن بقية الدول العربية التي حصلت فيها انتفاضات شعبية، خصوصاً في تونس ومصر، وهذا الاختلاف ناجم عن طبيعة النظام السوري وتحالفاته الدولية، والأهمية الاستراتيجية لموقع سوريا. فالنظام لا يمكن إسقاطه بالقوة، بل تعيد القوة إنتاجه، وبالتالي يبقى مدخلٌ وحيدٌ لتغييره بصورة جذرية وشاملة عن طريق تفكيكه خلال زمن قد يطول نسبياً، وإن المدخل إلى عملية التفكيك هو في إنجاز إصلاح دستوري، أو في إعداد دستور جديد مع كل القوانين التنفيذية المكملة له.

يعلم كثيرون أن تشكيل اللجنة الدستورية والتوافق على القواعد الإجرائية لعملها ما كان ممكناً لولا التدخل النشط والحاسم للدول الراعية لمسار أستانا، أي روسيا وتركيا وإيران، ولولا الموافقة الضمنية لأميركا وبعض الدول الأخرى المؤثرة في الأزمة السورية. ورغم دعم الدول آنفة الذكر لتشكيل اللجنة ومباشرتها عملها، ثمة شكوك كبيرة حول مدى قدرتها على إنجاز عملها بنجاح. تستند هذه الشكوك على جملة من الأسباب الجوهرية المؤسسة للاعتراض عليها من حيث الأساس وهي:

أولا؛ تفتقر هذه اللجنة إلى الشرعية، فهي ليست منتخبة، ولا مفوضة من قبل مجلس وطني يشمل ممثلين مفوضين عن جميع فئات الشعب السوري، وهيئاته المدنية والسياسية.

ثانياً؛ إن قوام هذه اللجنة والقواعد الإجرائية لعملها، تجعل منها مجرد ساحة لصراع الديوك، إذ يستحيل أن تعمل بروح الفريق كما يقتضي عمل أية لجنة تكلف بشأن عام، عداك عن كون هذا الشأن العام يتعلق بمراجعة دستورية تتطلب شعوراً عال بالمسؤولية لا يتوافر في كثير من أعضائها.

ثالثاً؛ إن التدقيق في أهلية كثير من الأشخاص المشاركين فيها، يبين أن القلة القلية منهم لديها الأهلية المطلوبة، عداك عن أن ولاء بعض الأسماء في اللجنة لسوريا مشكوك فيه، فهم لا يخفون ولاءهم للدول الأجنبية التي يحملون جنسيتها.

رابعاً؛ ثمة شكوك كبيرة تتعلق بجدية أطراف الأزمة السورية، وبصورة خاصة جدية النظام لاقتناص الفرصة المتاحة لنجاح الحل السياسي. ونظراً لأن النظام هو الممثل المعترف به دولياً للشعب السوري والدولة السورية عليه أن يبدي نضجاً سياسياً كافيا وأن يخطو الخطوة الأولى للخروج من الأزمة، وتتمثل في دعوة المعارضة إلى حوار جدي مسؤول في إطار مؤتمر وطني لا يستثني أحداً يمكن أن يعقد في دمشق بضمانات من رعاة أستانا. ونظراً لأن قادة النظام لا يزالون يفكرون بعقلية ما قبل عام 2011 فمن المشكوك به أن يقدموا على هكذا خطوة وطنية كبيرة، ويبقى البديل هو تفعيل عمل اللجنة الدستورية كما تقترح روسيا وتركيا. وحتى في هذه الحالة من المشكوك به أن تنجح في إنجاز عملها قبل عام 2028 موعد الانتخابات الرئاسية.