حاولوا مساعدتهم فأصبحوا في عدادهم.. ضحايا قصف متتال على شمال شرقي سوريا
القامشلي – نورث برس
تجلس بدورة علي (50 عاماً)، على عتبة دارها، تُحدِّق في فراغ ليس ببعيد خلف منزلها، للجهة التي خرج إليها زوجها منذ حوالي أسبوعين، رغم يقينها بأنه لن يعود.
وتتساءل بغضب وخنقة واضحة في لكنتها التي تغيّرت إلى حادة فجأة، عن “سبب توجيه الهجمات إلى المدنيين العُزّل وهم في أرضهم؟”.
في العاشر من هذا الشهر، استهدفت مُسيّرة تركية سيارة في قرية ملا سباط، غربي القامشلي، أسفرت عن فقدان ثلاثة أشخاص لحياتهم بينهم زوج “علي”، أديب سليمان (62 عاماً).
وشهدت القامشلي، كما غيرها من المدن الحدودية في شمال شرقي البلاد، خلال الشهر الجاري، استهدافات متكرّرة من قِبل القوات التركية، عبر طائرات مُسيّرة وقذائف المدفعية، أسفرت عن فقدان مدنيين لحياتهم وإصابة آخرين.
ويؤكّد شهود عيان، أن القصف على تلك الأهداف غالباً ما كان يتمّ مرتين على التوالي، لا يفصل بينهما دقائق، فقدَ على إثرها أشخاص حياتهم وأُصيب آخرون، وذلك بعد أن تجمّعوا في مكان الاستهداف الأول، في محاولات منهم لإنقاذ مصابي الاستهداف الأول.
وتسرد الزوجة المفجوعة التفاصيل؛ محاولة بشقّ النفس أن تبقى نظراتها ثابتة، “في الساعة الخامسة عصراً سمعنا صوتاً قوياً، وعندها هرعنا إلى الخارج لنرى الدخان يتصاعد من سيارة خلف منزلنا، وسرعان ما ركض زوجي وابني مسعود نحوها، ليشاهدا إن كان هناك جرحى”.

تُضيف: “خرج مسرعاً، قلت له تراجع، أكثر من مرة، لكنه أبى، وقال لي :ربما أستطيع إنقاذ أحدهم”.
وبينما كان “سليمان”، يحاول مساعدة الجرحى وإخراجهم من السيارة، عاودت الطائرة القصف مرة أخرى، فقدَ على إثرها حياته، وفقاً لشهادات أفراد من عائلته، وشهود عيان كانوا قريبين من مكان القصف.
ويصعب على “علي”، تقبُّل حقيقة رحيل زوجها عن المنزل، فتزيد على كلامها، “كان يعمل في الأرض ويهتم بالمواشي، كان عمله يكفينا لنعيش، أما الآن رحل هو وبقيت ذكرياته”.
وفي السادس من هذا الشهر، استهدفت طائرة مُسيّرة تركية سيارة في حي الصناعة، شرقي القامشلي، وأودت بحياة خمسة أشخاص، بينهم طفلان.
ويُحذّر مسعود أديب (20 عاماً)، ابن الفقيد “سليمان”، من تجمُّع السكان في مكان القصف، وخاصة بعد الدقائق الأولى من الاستهداف، “يجب أن لا يقترب أحد لإنقاذ المصابين، لأنهم معرّضون لفقدان حياتهم كما حدث مع والدي”.
وفي السادس عشر من الشهر الجاري، قصفت مسيرة تركية قرية سنجق سعدون، غربي مدينة عامودا، أسفرت عن فقدان أربعة عناصر من قوات الدفاع الذاتي حياتهم، وفقاً لما أعلنت عنه قوات سوريا الديمقراطية، في بيان.
علي حسن (50 عاماً)، شاهد على ذلك القصف، حيث كان عائداً إلى منزله حينها، يقول لنورث برس: “سمعت صوت انفجار قوي في القرية، وعندما ذهبنا لتفقُّد ما حدث، عادت الطائرة وقصفت للمرة الثانية”.
ويتساءل: “بأي حق يقتل أطفالنا، لماذا كل هذا الصمت أمام هذه المجازر التركية؟”.
وتؤكِّد ميديا علي (45 عاماً)، من سكان سنجق سعدون، كلام سابقها، حيث شاهدت قصف الطائرة لذات المكان في القرية، مرتين على التوالي.
وعلى وقع الهجمات المتكررة، تناشد السيدة الأربعينية، الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان للتدخُّل لوقف “العدوان التركي”.
وفي واقعة أخرى في القامشلي، قصف المدفعية التركية، موقعاً في قرية سيكركا، خلف مشفى “جيان”، المتخصّص لمعالجة مصابي فيروس كورونا، قضى فيه أربعة أشخاص.
ويقول إسماعيل فرحو، (62 عاماً)، وهو عامل في “كازية الفلاحين”، القريبة من مكان قصف سيكركا، “أثناء سقوط القذيفة سارعنا إلى هناك، وقمنا بإسعاف الجرحى ونقل الشهداء، وبينما نحن نبتعد عن المكان، سقطت قذيفة أخرى”.