عين على الشجرة وأخرى تراقب السماء.. معيلات بجبل الزاوية يعملن بقطاف التين

إدلب –  نورث برس

على الرغم من إصابتها بجروح، العام الفائت، نتيجة سقوط قذيفة بالقرب من مكان عملها، عادت بتول عبدان (42 عاماً) هذا العام أيضاً للعمل في قطاف التين في بلدتها كنصفرة بمنطقة جبل الزاوية، جنوبي إدلب.

ولا تُنكر السيدة وهي والدة لخمسة أطفال، مخاوفها من تعرُّض المنطقة للقصف مرة أخرى أثناء عملها، ولكن الظروف المعيشية الصعبة لعائلتها وعدم وجود معيل “يجبرني على ذلك”.

وفي هذا الوقت من كل عام، يعود نازحون من جبل الزاوية إلى منازلهم للعمل في موسم التين والعودة إلى المخيّمات بعد انتهاء الموسم.

ورغم أن تلك المنطقة تعدُّ خط تماس بين المعارضة والقوات الحكومية، وغالباً ما تتعرّض للقصف المتبادل بين الطرفين، إلا أن ذلك لا يمنع نازحون من المخاطرة وخاصة أنهم يجدون المردود المادي لعملهم “جيد”، مقارنة مع العمل في مناطق أخرى.

وعلى بعد 6 كيلومترات فقط، عن حواجز القوات الحكومية، تعمل “عبدان” لأكثر من 7 ساعات متواصلة يومياً وتجني 80 ليرة تركية.

 وتسعى السيدة الأربعينية، جاهدةً أن لا تصرف من مردودها سوى القليل لتوفير ما أمكن لأطفالها الذين فقدوا والدهم قبل سبع سنوات، نتيجة إصابته بقصف مدفعي استهدف منزلهم.

“محفوف بالمخاطر”

وفي بلدة البارة بجبل الزاوية، التي لا تبعد سوى 5 كيلومترات عن مناطق سيطرة القوات الحكومية، تنهمك رهف الحسن (34 عاماً) برفقة نساء أُخريات بقطف التين.

وتقول بينما لم تتوقف عن العمل، “في الحقيقة عين على حبة التين وأُخرى تُراقب السماء وخلوّها من طائرة الاستطلاع”.

وتضيف، بينما كانت تسترق النظر لأقرانها، “عندما تحوم الطائرات فوقنا، لا نتوقف عن العمل ونختبئ تحت الأشجار لحين ذهابها، في حال كشفتنا سنتعرض للقصف”.

والاثنين الماضي، قصفت القوات الحكومية قرى وبلدات الفطيرة، وكفرعويد، وسفوهن، وكنصفرة، وأطراف البارة بجبل الزاوية، دون ورود أنباء عن خسائر بشرية، بحسب مصادر عسكرية معارضة لنورث برس.

وسبق ذلك بيوم، وقوع عشرات القذائف المدفعية والصاروخية على تلك القرى والبلدات، إضافة إلى فليفل، ودير سنبل، وبينين، والرويحة، وسان.

وتترك “الحسن”، أطفالها الثلاثة ولا يتجاوز عمر أكبرهم العشر السنوات، لدى جدتهم في مخيّمٍ بالقرب من بلدة قاح، شمالي إدلب، على الحدود السورية التركية، طوال موسم التين من كل عام، لتأمين قوت عائلتها.

“الحسن” التي أصبحت المعيلة الوحيدة لأطفالها بعد فقدان زوجها قبل نحو أربع سنوات في غارة جويّة على البارة، تصف عملها هذا بأنه “محفوف بالمخاطر”، وخاصة أنهم يعملون أحياناً  في أماكن قريبة جداً من خطوط التماس وهي غالباً ما تكون مليئة بمخلفات الحرب.

“لا خيار آخر”

وتُدرك “الحسن” مخاطر عملها في خطوط التماس، إلا أنه “لا خيار آخر لدي”.

وتضيف: “إن لم أعمل لن أتمكن من تأمين قوت أطفالي ومواد التدفئة لفصل الشتاء الذي يمرُّ قاسياً علينا في الخيام”.

وبعد صمت دام بضع دقائق، كانت تحاول فيه معرفة إذا ما كانت هناك طائرات تحوم في الأرجاء، تزيد على كلامها، “الأجور اليومية هنا قد تتجاوز الـ 75 ليرة تركية في بعض الأحيان، أي ثلاثة أضعاف الأجور التي يمكن أن نُحصّلها من أعمال أخرى في المخيّمات”.

وأسفر القصف، الخميس الماضي، عن إصابة مدنيين يعملون في جني محصول التين بالقرب من قرية منطف، وفقاً لمصادر محلية.

وفي منطف، يبدو الحال لدى سعاد الزيدان (48 عاماً)، مختلف قليلاً عن سابقاتها، إذ تملك أرضاً مزروعة بالتين تُقدّر مساحتها بنحو 15 دونماً بالقرب من قريتها.

وتعود في كل عام إلى منزلها من مكان نزوحها في مخيّمات الشمال السوري، مع أولادها الثلاثة الكبار، لقطف التين الذي يُعتبر مصدر دخلهم الوحيد.

وتُخاطر “الزيدان” مع أولادها في صباح كل يوم بالذهاب إلى أرضها القريبة من خطوط التماس، وهي منطقة شهدت مؤخّراً تصعيداً عسكرياً وقصفاً مُكثّفاً من قبل القوات الحكومية.

ولكنها تقول كسابقاتها؛ إنها لا تملك خياراً آخر، “إن لم أتمكن من قطاف الموسم فلن أستطيع تأمين قوت عائلتي”.

وتجني “الزيدان”، الموسم على مرحلتين، الأولى عندما يكون أخضراً وتبيعه في الأسواق بسعر سبع ليرات تركية (1600 ليرة سورية)، والثانية هي “الأفضل ولكنها تحتاج لمتاعب كثيرة وهي التين اليابس”.

وتقول السيدة، إنها تكسب “أرباح جيدة”، من التين اليابس وخاصة أن الكيلوغرام الواحد يُباع بنحو ست دولارات.


إعداد: بهاء النوباني – تحرير: سوزدار محمد