عيد “الواتس آب” تهاني ومباركات.. بديل “لمّة العائلة السورية” في أول أيام العيد
القاهرة- محمد أبوزيد- NPA
عيدٌ تلو الآخر، ومناسبة تلو الأخرى، وسنوات تَمر لكنَّ سالم (28 عاماً) لا يستطيع أن يكون إلى جوار أسرته الصغيرة المكونة من زوجته وولديه في تلك المناسبات؛ فمنذ يوم الخامس والعشرين من شهر فبراير/ شباط من العام 2016 انقطعت سبل التواصل المباشر بينهم وفارقت بينهم المسافات، ولم يبق إلا التواصل الالكتروني عبر تطبيقات التراسل الفوري ومواقع التواصل الاجتماعي.
سالم مدللة, ابن الغوطة الشرقية, يأتي عليه هذا العام رابع عيد أضحى دون أن يرى زوجته وطفليه، ولا يملك سوى أن يرسل لهم المباركات والتهاني بالعيد عبر أثير الإنترنت، وتبادل الحديث والذكريات وقضاء العيد عبر الإنترنت تعويضاً للقاء المباشر الذين لا يستطيعون إتمامه، ذلك بعد أن غادرت زوجته إلى لبنان لتعيش رفقة أهلها هناك هرباً من الحرب المستعرة داخل سوريا، قبل أن يُهجَّر سالم إلى الشمال ومنه هرباً إلى تركيا، حيث يقيم الآن ولا يستطيع لم الشمل بأسرته.
أسرة سالم التي لم تلتئم منذ ثلاثة أعوام ونصف تقريباً يأتي عليها هذا العيد أيضاً ولا وصال إلا وصال إلكتروني، يحاولون من خلاله تعويض مشاعر اللقاء وفرحة العيد، ويمنوا النفس بلقاء قريب.
لقاء الأحبة
"أصعب شيء على الأب أن يُحرم من رؤية زوجته وأولاده كل هذه السنين"، يقول سالم إن الاتصال عبر أثير الإنترنت وسيلته الوحيدة المتاحة للتواصل مع أسرته، وأنه يحلم بيوم اللقاء، وأن يقضي أعوامه وأعياده القادمة والمناسبات كافة رفقة أسرته.
سالم نموذج من السوريين الذين انقطع عنهم الوصال بأحبتهم وصَعُبَ عليهم اللقاء إجبارياً بعدما فرقت بينهم السبل وباعدت بينهم البلاد وبين أحبائهم وأسرهم وأقاربهم، سواء كان كل واحد منهم في بلد لجوء خارج سوريا، أو كان أي منهم بالداخل والآخر خارج سوريا.
يأتي العيد على هؤلاء ليزيد حنينهم إلى الأيام الخوالي التي كان للعيد فيها نكهة وطعم.. حنين لطقوس العيد رفقة الأهل والأحبة والأصدقاء بشوارع سوريا.
حنين
الحال بالنسبة لمحمد حسن, الخمسيني السوري من حلب، مقيم في العاصمة المصرية القاهرة، بحي المعادي، ليس مختلفاً، فهو إن كان معه في القاهرة زوجته وطفلته، إلا أنه يفتقد باقي أفراد عائلته في الداخل السوري، وكذلك عائلة زوجته، وصارت طقوسه منذ ثلاثة أعوام (أي منذ وصوله إلى مصر) في أول أيام العيد وفي المناسبات مثل بداية شهر رمضان ومواسم ومناسبات عامة وخاصة مختلفة، أن يستهل بداية تلك الأعياد والمناسبات بمكالمة طويلة مسائية أو صباحية لعائلته وعائلة زوجته وأحبابهما في الداخل السوري، يتبادلون خلالها التهاني والمباركات.
"في كل مرّة نتمنى أن نلتقي العام التالي في نفس الوقت والمناسبة وأن نتبادل المباركات ونجلس وجهاً لوجه لنحيي تلك المناسبات السعيدة كما كنا نحييها من قبل في الأعياد والمناسبات الخاصة بالعائلة، لكن هذا لم يحدث للأسف على مدار الأعوام الماضية (..) كلنا شوق لأن يتحقق ذلك قريباً"، يقول حسن مضيفاً أن اتصال "الواتس آب" يُعوضه جزءًا من "لمّة العائلة" لكنه يخلق حنيناً طاغياً لذلك الحضور القديم قبل سنوات، قبل أن تتفرق العائلة ويصبح الاتصال فقط عبر الإنترنت.
فراق
بينما يبدو الحال أصعب بالنسبة إبراهيم إبراهيم (شاب سوري مقيم في تركيا)، والذي تفرّقت عائلته في أكثر من مكان، فله إخوة في ألمانيا، وباقي عائلته في مصر، ورفاقه في سوريا وبلدان أوربية مختلفة. ويقول إنه دشّن قبل عام مجموعة عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" وأخرى عبر تطبيق التراسل الفوري "واتس آب" للعائلة، يضم فيها كل أفراد عائلته أينما وجدوا سواء بالداخل أو في أوروبا أو مصر وتركيا.
"هذه المجموعة هي للعائلة، نلتقي فيها ونتبادل آخر تطوراتنا وأخبارنا وصورنا يومياً كأننا نعيش مع بعضنا البعض بها، وفي الأعياد تكون مكان التقائنا وتبادل التهنئة وذكريات الأعياد قبل أن نتفرق (..) وهناك مجموعة أخرى لرفاقي القدامى في سوريا، بعد أن تفرقنا تجمعنا السوشيال ميديا (..) في الأعياد يزداد الشوق للتجمع وذكرياتنا في حلب عندما كنا نُحيي ليلة العيد حتى الصباح وموعد الأضحية، وتجمع العائلة في أول أيام العيد على الغذاء، وخروجتنا وفسحنا وذكريات لا يمكن تعويضها أبداً الآن، نعيد الحديث عن تلك الذكريات ونتمنى أن تعود من جديد".
هذا جل ما تغير في الأعياد في سوريا بعد الحرب التي تسببت في نزوح أكثر من 6.6 مليون نازح داخلي، و5.6 مليون لاجئ في جميع أنحاء العالم، وفقاً لإحصاءات "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".
فقد الرفاق
ويبدو الحال بالنسبة لنورا علي مختلفاً، فتلك الفتاة المصرية صاحبة الـ 22 عاماً عاشت جل حياتها منذ الطفولة في سوريا لظروف عمل والدها في سوريا، افتقدت رفاق العمر في سوريا بعد عودتها إلى مصر، وهي تُمني النفس بلقياهم، لكنّ ظروف الحرب الراهنة التي تمر بها سوريا تمنعها من اللقاء، فتُحيي ذكريات العيد السابقة مع فاقها عبر مجموعات خاصة تجمعهن عبر "الواتس آب" وعلى الرسائل الخاصة المباشرة، ولكنها تجد فرصة أخرى في إحياء العيد بصورة مباشرة مع بعضهن ممن آتين إلى مصر هرباً من ظروف الحرب الخانقة في بلادهن.
قضت نورا أعياداً طويلة وعديدة مع زميلاتها في سوريا، وكانت لهن طقوس خاصة في تلك الأعياد، غابت تلك الطقوس فغابت نكهة العيد بالنسبة لها، ويحاولن من خلال التواصل المباشر عبر أثير الإنترنت أن يعوضن جزءًا من تلك الطقوس باستذكار ما كن يفعلهن في العيد، ويتبادلن استذكار ذكرياتهن الهانئة في أيام العيد قبل الحرب.
تقول نورا إنها تفتقد سوريا، وتفتقد أيامها هناك، ولا يعوضها سوى استمرار التواصل عبر "السوشيال ميديا" مع رفاقها في الداخل السوري باللهجة السورية التي تجيدها كأهل البلد تماماً، والتي اكتسبتها من سنوات العيش هناك، والتي تُحاول أن تساعد بها السوريين الذين أتوا إلى مصر من خلال التطوع في مراكز تعليم أبنائهم مجاناً.
وتوضح أنها في الأعياد تحاول أيضاً استعادة تلك الأجواء لكن في مصر، برفقة زميلاتها من السوريات اللاتي أتين إلى القاهرة أيضاً، واللاتي تحرص على لقائهن والخروج معهن في أيام العيد.
وتعتبر مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي حاضراً رئيسياً في "عيد السوريين" منذ العام 2011، يتغلبون من خلالها على الوضع الراهن، ويعوضون بها جزءًا من طقوس الأعياد السابقة، ويطمئنون على ذويهم من خلالها في الأعياد، ويتغلبون على الغربة بها، آملين في أن تعود سوريا كما كانت وتعود معها ذكرياتهم الحلوة وأعيادهم الهانئة.