عوامل دفعت تركيا لإحياء كامل العلاقات مع إسرائيل وسط صمت الحركات الفلسطينية
دمشق- نورث برس
عدّ باحثون فلسطينيون عودة العلاقات بين تركيا وإسرائيل وهي “لم تكن منقطعة على كل المستويات”، أمراً غير مفاجئ، بعد أن شهدت تراجعاً خلال الأعوام الماضية. وتأتي في إطار عودة أنقرة إلى طبيعتها سياسياً، فضلاً عن ملفات اقتصادية دفعتها إلى التطبيع.
وأعلنت إسرائيل وتركيا، الأسبوع الفائت، عن استئناف العلاقات الديبلوماسية بشكل كامل واستعادة السفيرين والقنصلين العاملين في كلا البلدين، بعد سنوات من القطيعة.
ويرى باحثون في الشأن الفلسطيني أن خطوط العلاقات بينهما كانت مفتوحة أصلاً، وما جرى مؤخراً هو ما تكللت به سياسة تصفير المشاكل التي انتهجتها تركيا خلال الفترة الفائتة.
وتدهورت العلاقات بين تركيا وإسرائيل بعد حادث أسطول مرمرة التركي على سواحل إسرائيل عام 2010، والذي أدى إلى قطع العلاقات على مدار عشر سنوات.
وبدأت العلاقات بالتحسن وتبادل مسؤولو البلدين الزيارات منذ مطلع العام الجاري، أبرزها التي أجراها الرئيس الإسرائيلي يتسحاك هرتسوغ رسمياً، إلى تركيا، واجتمع خلالها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في آذار/ مارس الماضي.
وأعلن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد، الأربعاء الفائت، أن “تركيا وإسرائيل تستأنفان علاقاتهما بشكل كامل وتستعيدان السفيرين والقنصلين العاملين في كلا البلدين”.
ويقول الباحث في الشأن السياسي والعلاقات الدولية الدكتور منصور أبو كريم، أنه بلا شك، العلاقات التركية-الإسرائيلية علاقات قديمة وممتدة بعد أن شهدت توتراً في السابق على خلفية حادثة “سفينة مرمرة” قبل نحو عقدٍ من الزمن، لكنها لم تنقطع بشكل كلي.
وأضاف الباحث الفلسطيني في حديث لنورث برس، أن هذه العلاقات عادت إلى سابق عهدها بدءاً من الزيارات المتبادلة والتي أتت في إطار انتهاج تركيا سياسية تدوير الزوايا الحادة وتصفير المشكلات مع الدول الإقليمية.
وقال “أبو كريم” إنها محاولة لإعادة مكانتها بعد أن تراجعت بشكل كبير في ظل تصاعد الأزمات التركية الأوروبية من جهة والتركية الشرق الأوسطية من جهة أخرى نتيجة السياسيات السابقة.
العامل الاقتصادي
واستمراراً لما سبق، “العلاقات لم تنقطع على المستويات الأمنية والاستخباراتية، ويعني عودتها على المستوى الدبلوماسي هو أن أنقرة تبحث عن مساحة في التفاعلات الإقليمية في ظل تصاعد حدة الخلافات في ما يتعلق بغاز المتوسط”، وفقاً للباحث.
وهذا ما اتفق عليه أيضاً الكاتب الفلسطيني “حسن لافي”، الذي تحدث لنورث برس عن عوامل اقتصادية تتعلق بالأزمة داخل تركيا فضلاً عن مشاريع نقل غاز المتوسط إلى أوروبا.
ولكي لا تكون تركيا خارج مشاريع غاز المتوسط، بعد أن كان دورها معرضاً للإقصاء في المنطقة، سارعت بالتوجه إلى إسرائيل لتعيد العلاقات إلى سابق عهدها وتكون جزءاً من حلقة الشراكات هذه، بحسب “لافي”.
وأشار الكاتب إلى تأثير انخفاض الليرة التركية والأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد لدفع تركيا إلى فتح العلاقات كالتي أجرتها على سبيل المثال مع الدول العربية المطبعة مع إسرائيل، لتنتعش اقتصادياً.
كما يرى “لافي” أن دخول تركيا إلى مكانتها مع حلفاءها، بعد أن كانت في مرحلة تراجع، يمر عبر تل أبيب.
وإلى جانب ما ذكر، ثمة ملف سوري مشترك بين تركيا إسرائيل وهو من الملفات “الحاضرة بقوة”، حيث كان لهما الموقف ذاته مع بداية الأزمة السورية، وعلاقة اليوم تخلق مجالات للتفاهم والاتفاق فيما يخص سوريا، بحسب الكاتب.
وكثرت في الآونة الأخيرة تصريحات المسؤولين الأتراك عن المصالحة بين الحكومة والمعارضة السوريتين ، فضلاً عن حديث أثار جدلاً حول إمكانية عقد اجتماع بين قيادات تركية ودمشق.
تاريخ حافل بالتراجعات
وكان العامان الأخيران بالنسبة لتركيا حافلاً بإرجاع العلاقات مع أغلب الدول التي شهدت قطيعة تخللتها حرب إعلامية على مستوى عالٍ كالذي حصل بينها وبين دول الخليج ولا سيما الإمارات والسعودية، واستعادتها تدريجياً خلال العامين الفائتين.
وسعت تركيا أيضاً إلى تخفيف وتيرة التصعيد مع مصر بعد سنوات من تبنيها حراك جماعة الإخوان المسلمين وتشجيعها للسيطرة على مفاصل الحكم في مصر قبل 11 عاماً.
وفي مرحلة تمر بلاده بأزمة اقتصادية وتشهد انهيار عملتها، سعى الرئيس التركي إلى إعادة بناء العلاقات مع السعودية والقوى العربية الأخرى كجزء من إعادة تنظيم العلاقات وتعزيز الاقتصاد المضطرب قبل الانتخابات الرئيسية المقرر إجراؤها العام المقبل.
وكان أردوغان قد زار السعودية لأول مرة بعد الخلاف بين البلدين نهاية شهر نيسان/أبريل الفائت.
وأثر تحسن علاقات تركيا مع الإمارات المتحدة العام الماضي، على صعيد أعمال محتملة بمليارات الدولارات لصالح تركيا، ما شجع الأخيرة على القيام بالمثل مع السعودية وطي الخلاف معها، حين أنهت محكمة تركية تحقيقها في مقتل خاشقجي في نيسان /أبريل وسلمت القضية للسلطات السعودية.
لا موقف لحركات الإسلام السياسي بفلسطين
وبينما لم تتخذ حركة حماس حتى اللحظة موقفها المعتاد على غرار ما كان معتاداً حين كانت تسارع بإدانة التطبيع الإسرائيلي مع الدول العربية، قال الباحث أبو كريم إن هذا “موقف طبيعي بالنسبة لحركات الإسلام السياسي في فلسطين”.
وأوضح أنه “من المعروف أن تلك الحركات تقدم المصالح السياسية على المبادئ، فتريد إبقاء علاقاتها مع تركيا باعتبارها جزء من محور تركي وقطري”.
بالتالي يرى أبو كريم “عدم الإدانة” من جانب حماس ورديفاتها “أمر طبيعي” في ظل الاستثمارات “الحمساوية” في تركيا وفي ظل التوافق بين أردوغان والحركة الإسلامية.
وجاء الإعلان عن التطبيع الكامل بين تركيا وإسرائيل بعد جولتين من الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وكل من حركة حماس في أيار/مايو 2021، والجهاد الإسلامي قبل أسبوعين.
وأستأنف التمثيل الاقتصادي الإسرائيلي في إسطنبول نشاطه في الأول من آب/ أغسطس، بعد تقليصه بشكل كبير في عام 2019.
وفي أواخر شهر أيار/ مايو، قام وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بزيارة إلى إسرائيل، اتفق خلالها البلدان على تعزيز التعاون الاقتصادي بينهما.
وتعتبر تركيا رابع أهم شريك تجاري وخامس أهم وجهة تصدير لإسرائيل في عام 2021. ويشترك البلدان أيضًا في اتفاقية التجارة الحرة الموقعة في عام 1997.
وبلغت التجارة المتبادلة في السلع وخدمات الأعمال بين البلدين 7.7 مليار دولار أميركي في عام 2021، بزيادة حوالي 30 في المائة عن عام 2020.