شظية تركية تغتال الحلم.. نازحةٌ من عفرين بريف حلب الشمالي لم يسعفها الوقت
ريف حلب الشمالي – نورث برس
دُفن حلم فهيمة رشو (17عاماً)، بأن تدخل الجامعة، معها، بعد أن اغتالتها شظايا قذيفة تركية، أحالته إلى ذكرى مؤلمة نقشت في أذهان المقربين منها.
وتنتقل الأم التي تنحدر من عفرين بنظراتها القلقة من صورة ابنتها المعلقة على الجدران والتي وافتها المنية بعد أسبوع في المستشفى، إلى الأخرى روخاش رشو (15عاماً) التي ما تزال ممددة في الفراش، غير قادرة على الوقوف بمفردها.
وتقول بلهجتها المحلية تنمُّ عن حرقة قلبها، “ريت إصابتك كانت بقلبي فهيمة”، وتجهش بالبكاء.

في الساعة السادسة والنصف من عصر يوم السادس والعشرين من الشهر الماضي، وبينما كانت غزالة خليل (44 عاماً) برفقة بناتها فهيمة وروخاش، يعملن في الأراضي الزراعية لكسب قوت يومهن، كانت القذائف التركية تنهال على قرى شيخ عيسى، بيلونية، مرعناز، منغ، عين دقنة، تاتمراش، شوارغه”, وبلدة تل رفعت.
لم تتخيل الأم أن من بين 100 قذيفة، وقعت على تلك القرى، ستسلب واحدة منها فلذة كبدها فهيمة، أثناء سقوط بعضها على أراضٍ بأطراف بلدة تل رفعت.
وتروي “خليل” وهي نازحة من قرية رمضان التابعة لناحية جنديرس بريف عفرين، تفاصيل ذلك اليوم المؤلم وتتذكر أدقها، “كان الغبار يتصاعد بقوة ويغطي الجو، صوت قوي اخترق سمعنا، لم نعلم ماذا حدث”.
حينما سقطت القذائف، كانت الأم تعمل في طرف الأرض الواقعة بين قرية شيخ علي وبلدة تل رفعت، بينما بناتها في الطرف الآخر.
“قلبي كان يخبرني بالأسوأ”
تبتلع الأم التي مضت أسابيع على فاجعتها، ريقها بصعوبة محاولة حصر دموعِ تسللت إلى جفنيها وتضيف، “لم أستطع الوقوف على ركبتي من الخوف، لذا لجأت للزحف والصراخ باسميهما، كنت أرى ابنتي تتوجه راكضة إلي قبل سقوط القذيفة الثانية”.
وبعد موجة الغبار والدخان التي أحدثتها القذيفة الثانية، لم ترَ “خليل” سوى سيارات إسعاف يُنقل إليها الجرحى، فسارعت للسؤال عن بناتها فهيمة وروخاش.
فما كان منها إلا أن سألت أحد المُسعفين الذي حاول طمأنتها وأخبرها أن بناتها بخير، “لم أصدقه، قلبي كان يخبرني غير ذلك، كان هناك شيء ينبئني بالأسوأ”، تقول الأم مستندة في ذلك إلى أن حدسها لا يخطئ أبداً.
واتضح لها فيما بعد أنّ 5 إصابات نقلت من الموقع إلى مستشفى تل رفعت، ولكن فهيمة نُقلت إلى المستشفى الوطني بحلب، نظراً لخطورة إصابتها، إذ أصيب شريان في فخذها الأيسر.
ظنت العائلة أن الفتاة بدأت تتحسن في المشفى وخاصة أنها بدأت بالاتصال بصديقاتها وأقربائها، “كانت تسأل عنهم كثيراً، كما لو أنها تشعر أن لحظات الوداع اقتربت”.
وفجأة حدث مع فهيمة نزيف داخلي، نظراً لوصول الشّظية إلى الشّرايين، فأعطاها الطبيب 7 كيلوغرام دم، إلا أن تلك الإسعافات لم تأتِ بفائدة، لتسوء حالتها وتفقد حياتها في الأول من آب/ أغسطس الجاري، وفقاً لما روته الأم لنورث برس.
حلمٌ مدفون
وفر نازحو عفرين عام 2018 من منازلهم بعدما طالتهم القذائف التركية إلى ريف حلب الشمالي ومناطق أخرى بشمال شرقي سوريا، ولكن رغم ذلك، لم يسلموا من القصف الذي لاحقهم حتى بعد نزوحهم.
إذ تشن تركيا هجمات متكررة عليهم، صعدتها في الوقت الذي تلوح فيه بعملية عسكرية تركية جديدة في الشمال السوري تستهدف منبج وتل رفعت.
وخلال العام الجاري، بلغ عدد الأطفال الذين فقدوا حياتهم جراء القصف التركي على ريف حلب الشمالي حالة واحدة و13 جريحاً، حسب منظمة الهلال الأحمر الكردي – فرع عفرين والشهباء (العاملة بريف حلب الشمالي).
وهنا انتفضت روخاش الممددة بالقرب من أمها وبدأت تجهش بالبكاء وتتمتم بكلمات لم نستطع أن نفهم منها سوى جملة “بقيت لوحدي، لم أستطع حتى أن أقول لها وداعاً”.
وتحاول روني بكر (17 عاماً) وهي نازحة من قرية قوطان التابعة لناحية بلبل بريف عفرين، مواساة أخت صديقتها المفجوعة، ولكن الصدمة تمنعها من شرح الوضع، إذ تقول: “أخاف أن يحدث لي كمان حدث لفهيمة”.
وتضيف: “كنا نريد أن ننجح معاً في الصف الثالث الثانوي ونحصل على الشهادة وندخل الجامعة معاَ، لكن ذلك لن يحدث الآن”.
وتضرب الأم على وجهها بكفيها لتمسح دموع حسرة تسللت إلى خدين برزت فيهما بعض التجاعيد، وتكمل بعد أن أخذت نفساً، “كانت تدرس لكنها فضلت الذهاب معي لمساعدتي ودعم والدها الذي يعمل في دكان صغير، أردنا فقط أن نعيش”.
ووري جثمان الفتاة الثرى في مقبرة بقرية فافين بريف حلب الشمالي والتي تضم جثامين أطفال قضوا في قصف تركي استهدف تل رفعت في الثاني من كانون الأول/ ديسمبر 2019.

وهناك الآن شاهد لقبر شابة تتحلل عظامها تحت التراب لتتحول إلى رماد، يمر من جانبه من يأتون لزيارة أحباء فقدوا حياتهم وغادروا هذا العام، ينظرون إلى اسم الفتاة وعمرها ويتحسرون على شباب فني قبل أن يُزهر.