“رطبت شراشف بالمي وغطيت جثثهم”.. امرأة بمنبج تروي تفاصيل قتل “داعش” أفراد أسرتها
منبج – نورث برس
يصعب عليها أن تنسى تلك الفاجعة التي حلت عليها قبل ست سنوات، وتبقى التفاصيل تراود أذهانها في يومٍ وصفته بـ”الأسود”، كونها خسرت فيه ثلاثة من أفراد أسرتها هم ولداها وزوجها أمام عينيها، رغم أن تلك الحادثة أعقبها أيام بهجة أزالت فيها نساء المنطقة الوشاح الأسود عن أجسادهن.
في قرية نائية على أطراف مدينة منبج، فقدت زكية العبيد (60 عاماً)، فلذتي كبدها وزوجها على يد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بينما كانت قوات سوريا الديمقراطية تقوم بعمليات إعادة السيطرة على المدينة والتي يحل عليها اليوم الذكرى السادسة لطرد التنظيم منها.
ورغم أن لغة التعبير لم تفلح في نقل مشاعر المرأة الستينية، لأن الفاجعة بفقدان أفراد أسرتها أعظم من أن تُروى، فقد بدت “العبيد” متمالكة نفسها وبدأت بسرد قصتها لنورث برس، وما حدث حينها بأدق التفاصيل.
وقعت الحادثة بعد فترة وجيزة من العمليات التي أطلقتها قوات سوريا الديمقراطية بدعمٍ من التحالف الدولي في مطلع حزيران/يونيو عام 2016 لطرد “داعش” والتي انتهت في الخامس عشر من آب/ أغسطس 2016، بإعادة السيطرة على المدينة بعد معارك دامت قرابة شهرين ونصف.
تقول “العبيد”، إنه في صبيحة أحد أيام صيف العام 2016 داهم عناصر “داعش” منزلها الذي يقع في قرية البوير التي تبعد عن مركز مدينة منبج 13 كم شمالأً، ويصل عدد سكانها لمئتي عائلة، معظمهم ينحدرون من عشيرة عربية تدعى “الخراج”.
“قتلوا حسن وأيمن أيضاً”
وتحاول الامرأة أن تصوّر بذاكرتها ما حل بعائلتها في رواية واقعية هي المفجوعة فيها وهي البطلة.
وتضيف: “حين كان زوجي يقف في فناء المنزل بعد أن طلب من بقية أفراد الأسرة الدخول إلى الغرف، ظناً منه أن عناصر المداهمة هم مقاتلين في قوات سوريا الديمقراطية، سرعان ما تبين أنهم من عناصر داعش”.
داهموا المكان وطلبوا مفاتيح السيارة المركونة، وخرجوا بها بعد أن نادى أحدهم على الآخر “اضربوه بالرصاص”، وقصدوا استهداف الزوج الذي سقط قتيلاً وكان في الـ55 من عمره.
لم يكتفوا بقتل رب المنزل، بل واصلوا البحث عن رجال آخرين، فدخلوا إلى الغرف ليجدوا الأخوين حسن وأيمن وهما أبناء “العبيد” ليقتلوهما أيضاً قبل أن يغادروا المكان.
وبينما بدأت “العبيد” بالنحيب على زوجها وهو جثة هامدة على الأرض، لم تكن تعلم أن عناصر “داعش” قد قتلوا أولادها في الداخل، إلا بعد أن سمعت صرخات إحدى بناتها التي دوت في الأرجاء وهي تقول: “لقد قتلوا أخوي حسن وأيمن أيضاً”.
وفي اللحظات العصيبة تلك، وحين أيقنت “العبيد” أنها فقدت أحبتها إلى الأبد، كان القلق يساورها على الفتيات من أن يقعن ضحية الاغتصاب والقتل والخطف، حيث أن هذه الأفعال كانت تقليداً معروفاً لدى عناصر “داعش” في حال عادوا مرة أخرى إلى منزلها.
لم يكن الوقت مناسباً للبقاء في نحيب طويل على الموتى، كان لابد لـ”العبيد” وضرتها (الزوجة الثانية) وبناتهما وزوجات ابنيها، أن يفكرن بطريقة للخلاص.
فقررت الفتيات المغادرة بمفردهن سريعاً حالهن حال نساء القرية اللواتي هربن بعيداً، لتبقى كل من “العبيد” وضرتها حيث قامتا بترطيب شراشف (أغطية توضع على أسرة النوم) ووضعها على جثث موتاهم، خشية أن تتفسخ نتيجة ارتفاع درجات الحرارة ريثما يعدن لاحقاً لدفن الجثث.

“ما مرك المر زكية”
وغادرت “العبيد” وضرتها المنزل وتوجهتا إلى خارج القرية تحت وابل الرصاص الذي كان يطلقه عناصر من التنظيم وهم تمركزوا فوق تلة ترابية لاستهداف المدنيين الفارين من الموت.
وتقول “العبيد” إنها استطاعت الالتقاء مرة أخرى ببناتها وزوجات أولادها في منزل يقع بالقرب من القرية، والتي تحولت لاحقاً لساحة قتال بين “داعش” و”قسد”.
وخلال فترة مكوثها القصير في القرية المجاورة، كانت أسماء الضحايا الذين قضوا على يد “داعش” تتناقل على الألسن، وقتها أيقنت “العبيد” أنها ليست الوحيدة التي فقدت أعزاءها، إنما معظم سكان القرية فقدوا أبناءهم على يد التنظيم، وأن ما حدث كان مجزرة جماعية نفذها عناصر “داعش” بحق سكان المنطقة.
وبالفعل، تم العثور على مقابر جماعية كثيرة خلال السنوات القليلة الماضية، آخرها في أواخر تموز/ يوليو الماضي، كانت تحوي 29 جثة بينهم نساء قتلن في فترة سيطرة تنظيم “داعش” قبل ستة أعوام، حسبما أعلنت الإدارة المدنية في منبج.
في ذلك اليوم من صيف 2016، انتظر ذوو الضحايا أن يسود الليل لدفن جثث أحبائهم، علماً أنهم اضطروا لدفن موتاهم في مقابر جماعية بسبب صعوبة حفر قبور منفردة نظراً للظروف الاستثنائية.
وبعد مرور قرابة ست سنوات على ذلك اليوم، ما زالت “العبيد” مضرباً للمثل في قريتها وبدأ الناس يقولون: “ما مرك المر زكية” بمعنى (ما أصابك الذي أصاب زكية)، وذلك نظراً لما حل بها وهي تفقد أحباءها أمام أعينها بنيران “داعش”.