“سياسة شراكة مخفية”.. قانون الربط الشبكي للمالية السورية يغلق مطاعماً في حلب
حلب – نورث برس
لم يبقَ لدى محمد البيك (40 عاماً)، خيار إلا إغلاق مطعمه للمأكولات السريعة في حي الفرقان بحلب، وذلك بعد شهر من إغلاق مطعمه الثاني في حي صلاح الدين بحلب والذي يعود تاريخ عمله لأكثر من 20 عاماً.
وقدر الرجل الأربعيني الخسائر التي لحقت به بنحو 150 مليون ليرة سورية بسبب إغلاق مطاعمه، فيما كان الضرر الأكبر توقف 18 شخصاً كانوا يعيلون عائلاتهم، عن العمل.
وشهد مطلع تموز/ يوليو الماضي، تطبيق إحصاء الضرائب والرسوم عبر الربط الإلكتروني عن طريق الشبكة بين ضرائب المالية والمحال التجارية والصناعية والمنشآت السياحية والمطاعم.
وتحقق هذه الخطوة لوزارة المالية في الحكومة السورية، الدقة في التحصيل الضريبي والمعلومات الشهرية والسنوية بدون أي تدخل شخصي في تحديد أرقام العمل للمكان المراد تحصيل ضرائب منه.
وكانت وزارة المالية في الحكومة السورية قد أصدرت في الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير الماضي، القرار رقم 706 القاضي بإلزام أصحاب المهن الصناعية باستخدام آلية الربط الإلكتروني للفواتير المصدرة.
وقام على إثر ذلك أصحاب محال ومطاعم للوجبات السريعة في حلب، بإغلاقها، وذلك بعد تراجع عدد الزبائن لديهم نتيجة ارتفاع أسعار الوجبات.
“تضييق ممنهج”
واعتبر “البيك” وهو من سكان حي الفرقان أن النظام الضريبي الجديد ما هو “إلا سياسة شراكة مخفية وتضييق ممنهج بالنسبة لي ولجميع أصحاب المحال التجارية والمطاعم”.
وأشار إلى أن الربط الشبكي للضرائب المالية والمنشآت التي اعتبرتها وزارة المالية سياحية، شكل تراجع في نسبة المبيعات ورفع من أسعار الوجبات السريعة وخفض من نسبة الأرباح بنسبة للعاملين عليها.
ويومياً كان “البيك” يبيع نحو 50 كيلوغرام لحم من الشاورما وما يقارب 70 إلى 100 وجبة، ولكن مع تطبيق الربط الشبكي وصل سعر سندويشة الشاورما إلى 6500 ليرة سورية وسعر الوجبة السريعة ما بين 15 إلى 18 ألف ليرة سورية.
وأضاف: “تلك الأسعار دفعت الزبائن للعزوف عن الشراء وسببت خسارة لي”.
وارتفع سعر الصندويش أو الوجبات الغربية نحو ثلاثة ألف ليرة خلال الشهر الماضي.
وقال مصدر مسؤول من مالية حلب، فضل عدم نشر اسمه، إنه بعد سنوات من الحرب وتهرب الكثير من التجار والصناعيين من دفع الضرائب الحقيقية، صدر قانون الربط الإلكتروني.
وأشار إلى أن موضوع الربط الضريبي مع المالية “لن يتوقف فقط عند الصناعيين ولا المنشآت المصنفة سياحية. خلال الأيام القادمة سيدخل الربط على المعامل المصنعة للمواد الغذائية وحتى شركة إنتاج الأدوية والمستودعات بيع الأدوية”.
وتم وضع نحو 30 نوع من البرامج المختصة في المحاسبة متوفرة في الأسواق بأسعار لا تتجاوز المليون ليرة سورية لإدارة السجلات بين المكلفين بالضرائب والمالية في كل المدن السورية، “وبهذا يزيد من تعزيز الحقائق في التحصيل ويمنع التهرب الضريبي”، بحسب المسؤول الحكومي.

“زبائن لا يشترون”
ومنذ أواخر حزيران / يونيو الماضي، أغلق عدنان عنداني (55 عاماً) وهو من سكان حي الشهباء الجديدة بحلب، محله للوجبات السريعة في حي الأعظمية، بعد تراجع نسبة الزبائن لديه خلال الشهرين الماضيين.
وقال: “الوضع المادي لا يحتمل الخسائر لأننا نعمل على البركة في هذه الظروف وعلينا التزامات مادية وضعت من قبل المالية لذلك قررت الإغلاق”.
ويدفع “عنداني”، 50 مليون و400 ألف ليرة سورية سنوياً، ضرائب للمالية، و12 مليون و600 ألف ليرة سورية شهرياً ثمن 7200 ليتر من المازوت بسعر 1750 لتشغيل المولدة، بسبب انعدام توفر الكهرباء بشكل مستمر، وذلك عبر التسجيل عن طريق اتحاد غرف السياحة للتزويد من مادة المازوت.
ولكن الرجل الخمسيني خلال حزيران/ يونيو الماضي، حصل على 1200 ليتر فقط من أصل 7200 ليتر، ما أجبره على تعويض النقص من السوق السوداء بتكلفة 33 مليون، حيث اشترى 6000 ليتر بسعر 5500 لليتر الواحد.
وما زاد الأمر سوءاً، فرض المالية ضريبة على الوجبات السريعة، إن كان لها خدمة في المطعم أو المشتري يأخذها إلى البيت “وهذا فيه ظلم لنا وللزبائن وهو في النهاية يزيد من السعر ويمنع الزبائن عن الشراء”.
“نهب”
ولم يختلف المشهد لدى خالد الحمصي (60 عاماً)، وهو مستثمر لمطعم يقدم الوجبات السريعة في حي الأعظمية، إذ يقول إنه ترك في المطعم معدات وشوايات وبرادات وطاولات تقدر بمئتي مليون بسبب العجز الذي وصل إليه في تأمين مواد الإنتاج وفقدان مواد الإقلاع والمحافظة على المواد الغذائية.
وأشار إلى أنه دفع استثمار المطعم ثلاثين مليون ليرة سورية عن سنة، ودفع للمالية عن عقد الاستثمار حوالي الثلاثة ملايين من بداية العام وباشر العمل في فصل الشتاء، حيث كان هناك قلة مبيع لديه.
واستبشر الرجل في موسم الصيف أن يكون أفضل، لتخرج المالية بضرائب جديدة تضاف إلى التحصيل الضريبي برفع الإنفاق الاستهلاكي والإدارة المحلية وإعادة الاعمار.
وقال “الحمصي” متذمراً، “بعد أشهر لن تجد الحكومة شي تحصل عليه من المواطنين ولا التجار”.
ويشير إلى أنه تنقل من مهنة إلى أخرى عسى أن يجد ما يفلح به خلال سنوات الحرب، لكن الخسائر التي تكبدها خلال السنوات قتلت رغبته في وضع أي استثمار جديد ضمن مناطق سيطرة الحكومة السورية.
ووصف الضرائب واستخراج التراخيص لفتح أي مشروع بمثابة “طاقة قدر فتحت للحكومة ومؤسساتها لنهب التاجر والصناعي وحتى الفلاح لن ينجو من الحكومة وقراراتها”.