“اغتصبوا والدتي أمامي”.. قصة طفل إيزيدي من شنكال إلى سوريا

الحسكة – نورث برس

يتأمل هوشيار حسن (15 عاماً) مشارف قريته تل البنات شمال غربي العراق، وهو يقف بجانبها بعد غياب 8 أعوام، يتردد في أن يخطو إليها بينما يراوده في تلك اللحظة صراخ والدته تطلب النجدة وصوت الرصاصة التي استقرت في جسد والده.

لم يعلم هذا الطفل الذي كان يبلغ 7 أعوامٍ آنذاك أنّ المهاجمين سيبقرون بطن الطفولة ويجتثوه هو وشقيقه الأصغر هوريان (5 أعوام) من رحمها.

في ليلة حالكة من العام 2014 هاجم “داعش” قرية الطفل ذات الغالبية الإيزيدية، وشهدت عيناه اغتصاب والدته، وأذناه تسمعان صراخها الذي ما يزال يحاول نسفه من ذاكرته، كما نسي اسم تلك السيدة التي تتراءى له ملامحها على شكل سراب، وفق ما يقوله هوشيار.

ورغم ألم التفاصيل، يحدق الطفل بنظرات واثقة وملامح باردة، لا يمكن من خلالها تحديد حالته الشعورية، ويضيف بصوت رجولي أجش، “كنا 5 أشخاص في المنزل، قتلوا والدي بعد أن اغتصبوا والدتي”.

ولم يبقَ من عائلة الطفل سوى شقيقه الأكبر، كان متواجداً خارج المنطقة أثناء هجوم التنظيم، إضافة لأعمامه وأخواله الذين يسكنون في قريتهم الآن.

السجن الأسود

اختطف التنظيم هوشيار وشقيقه، لينقلاهما إلى سوريا، وهنا بدأت رحلة تنقلات إلى محطات كان من الصّعب على عقل طفلين أن يألفاها، كان أولها “السجن الأسود” أو “النقطة 11” وكان مقره ملعب الرقة البلدي، وانتهى بهما المطاف في الباغوز بدير الزور، آخر معاقل “داعش”.

تعلم هوشيار وأطفال آخرون على يد التَّنظيم فنون القتال بالأسلحة والتَّفخيخ والتَّفجير، وفقاً ما يرويه لنورث برس، كما أن جسده كان شاهداً على التعذيب وطرق العقاب الذي واجهه على يد التنظيم.

يقول متذكراً بعضاَ من ذلك التعذيب، “مرة ارتكبت خطأ، دقوا مسماراً في أسفل قدمي وأثر المسمار باقٍ حتى الآن”.

كما دقوا في قدم شقيقه أربعة مسامير، لأنه مزق سفرة الطعام قليلاً، وفق ما يقول شقيقه الأكبر.

ويضيف: “كنا عشرات الأطفال الإيزيديين، وكانوا يأخذوننا للأماكن التي ينفذون فيها القصاص بالقتل، ليرهبونا كي لا نعود إلى عقيدتنا القديمة”.

وفي نظرات متصلبة تحافظ على برودها، موجهة إلى عدسة نورث برس، وبنبرة عالية يستمر بحديثه، “كان القصاص عن طريق قطع الرؤوس وإطلاق الرصاص”.

“فقدت هوريان”

وكان الطفل قد أصيب في وجهه ورأسه وفخذه أثناء فترة تواجده في منطقة الريحانية بريف حلب، حيث تعرض البناء الذي كان يأويه برفقة أطفال إيزيديين آخرين للقصف.

وهنا توقف عن الحديث للحظة، وفيما يبدو أن ذكرى حارقة أذابت جمود ملامحه، واستأنف بصوت هادئ مصحوب بزفرة، “فقدت شقيقي هوريان بقصف أثناء تواجدنا بقرية الشعفة بريف دير الزور الشرقي عام 2018”.

“لم أكن أعلم أنه ميت، سحبته بيدي ظناً مني أنه يختبئ كي لا يصاب بالشظايا فقط، لأشاهد جبينة مصاباً بشدة والدم ينزف منه بغزارة، كنت أصرخ وأبكي من هول الصدمة، أنفاسه توقفت، لقد غادر العالم، عندها فقدت وعيي”، يروي هوشيار التفاصيل دون أن تدمع عينه أو يأخذ نفساً.

وحينها، لم يبقَ من 57 طفل إيزيدي سوى 25 أحياء، حسب ما يفيد هوشيار.

وبعد سلسلة انسحابات، أفضت عن القضاء على التنظيم في الباغوز عام 2019، سلم الطفل الذي بلغ الـ13 من العمر، نفسه لـ “قسد” دون أن يفصح عن أنه إيزيدي لمدة ثلاث سنوات.

وبلغ عدد الإيزيديين الذين تم العثور عليهم في مخيم الهول وسجون “داعش” في شمال شرقي سوريا، من قبل “قسد” والبيت الإيزيدي في إقليم الجزيرة، 3570، منهم 1220 نساء، و345 رجال، و 958 أطفال من الذكور، و1047 من الأطفال الإناث، بحسب البيت الإيزيدي.

في حين لا يزال الآلاف الذين اختطفهم التنظيم من سنجار  مجهولي المصير حتى الآن.

العودة للوطن

نقلت “قسد” هوشيار مع آلاف من عناصر “داعش” إلى سجن الصناعة في الحسكة، وكمن علق في الرمال المتحركة، لم يسلم الطفل حتى وهو بين قضبان السجن.

ويقول: “استمر داعش بالقتل داخل السجن، لم أكن أعرف متى يأتي دوري، وبالأخص أنهم كانوا يقتلون الأيزيديين كثيراً”.

ويشرح لنورث برس، “لديهم في الداخل قضاة وحسبة وشرطة، كانوا يقتلون بطرق عدة كالخنق والإغراق بالماء أو حقن أوردة السجناء اللذين يشكون بتراجع ولائهم للتنظيم بدواء للجرب”.

وكان هوشيار قد اعترف بأنه إيزيدي لإدارة السجن قبل أحداث سجن الصناعة، “بعد أن اعترفت نقلوني إلى السجن المركزي القريب من سجن الصناعة في غويران لمدة  5أشهر، ثم أعادوني لسجن الصّناعة وعزلوني عن السجناء الآخرين”، ريثما يتم تسليمه للبيت الإيزيدي وإعادته إلى وطنه.

ولكن وفي العشرين من كانون الثاني/ يناير 2021، هاجم “داعش” سجن الصناعة، وكان هوشيار شاهداً على كل تفاصيل الهجوم، “كان معنا شخص يدعى خطاب 700 هو المسؤول عن السجناء جميعاً والتخطيطات، أخبرنا أنّ الهجوم سيبدأ من الخارج وأننا يجب أن نتمرد في الداخل”.

ويضيف: “بدأوا بالخروج والاشتباك مع الحراس، في إحدى الغرف كان يوجد 40 عنصراً لقسد من دون أسلحة، هؤلاء قتلوا جميعاً”.

وبقي هوشيار طيلة فترة الاشتباكات بين عناصر “داعش” المتمردين و”قسد”، في السجن إلى أن تمكنت الأخيرة من السيطرة على السجن وتسليم الطفل للبيت الإيزيدي.

أخذ البيت الإيزديدي الطفل، ليرسله إلى من تبقى من أسرته في العراق.

وبعد عودته إلى قريته في العراق، يقول هوشيار: “ما زلت خائفاً، لا أظن أنني سأجد الراحة في حياتي بعد هذه التجربة”.

إعداد: جيندار عبدالقادر –  تحرير: رهف يوسف