تقرير: روسيا تلجأ إلى تركيا والشركاء التجاريين لتخفيف تأثير العقوبات

القامشلي ـ نورث برس

تتزايد المخاوف لدى كل من الغرب وأوكرانيا من أن موسكو تسعى للحصول على مساعدة أردوغان لتجاوز القيود المفروضة على قطاعات البنوك والطاقة والصناعة، والتي تتعمق أكثر في اقتصادها. على الرغم من أن تركيا دولة عضو في الناتو، إلا أنها لم تنضم إلى الدول الأعضاء الأخرى في فرض العقوبات.

والجمعة الماضي، أعلنت روسيا وتركيا، أنهما ستعززان تعاونهما الاقتصادي، وسط مخاوف غربية من أن موسكو تبحث عن سبل جديدة للالتفاف على العقوبات المفروضة بسبب حربها في أوكرانيا.

واتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان، على تعزيز التجارة الثنائية واتخاذ خطوات للعمل بشكل أوثق في قطاعات النقل والزراعة والصناعة والمالية.

وجاء ذلك وفقًا لبيان مشترك أصدره الرئيسان بعد أربع ساعات من المحادثات في سوتشي، مدينة المنتجعات الروسية على البحر الأسود. كانت هذه هي المرة الثانية التي يلتقي فيها الرجلان خلال ما يزيد قليلاً عن أسبوعين.

ولم يشر البيان إلى الاتفاق التجاري والاقتصادي الثنائي الذي دعا إليه بوتين مسبقًا. ولم يجب المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف, مساء الجمعة, على أسئلة بشأن ما إذا كان قد تم توقيع أي اتفاق.

دعا اقتراح روسي تم اعتراضه, من قبل المخابرات الأوكرانية, قبل الاجتماع، حكومة أردوغان بالسماح لروسيا بشراء حصص في مصافي النفط والمحطات والخزانات التركية، والتي هي خطوة يقول الاقتصاديون إنها “قد تساعد في إخفاء مصدر صادراتها بعد أن يبدأ بالكامل الحظر النفطي من قبل الاتحاد الأوروبي العام المقبل”.

كما طلبت روسيا من العديد من البنوك التركية المملوكة للدولة السماح بحسابات مراسلة لأكبر البنوك الروسية، والتي يقول اقتصاديون وخبراء العقوبات، إنها ستكون “انتهاكًا صارخًا” للعقوبات الغربية، وأن يُسمح للمنتجين الصناعيين الروس بالعمل خارج المناطق الاقتصادية الحرة في تركيا.

ولم يكن هناك ما يشير بعد المحادثات إلى أن تركيا وافقت على مثل هذه الترتيبات، التي من شأنها أن تترك البنوك والشركات في البلاد عرضة لخطر عقوبات ثانوية من شأنها أن تقطع عليها الطريق للوصول إلى الأسواق الغربية.

وقال ألكسندر نوفاك نائب رئيس الوزراء الروسي، إن البلدين توصلا إلى اتفاقيات جديدة في المجالين المالي والمصرفي، لكنه لم يذكر تفاصيل.

وقال مسؤول تركي كبير، فضل عدم الكشف عن هويته، لمناقشة اجتماع دبلوماسي حساس، صباح الجمعة، إن البلاد لا تزال “ملتزمة باستقلال أوكرانيا وسيادتها”.

وأضاف أن تركيا “من حيث المبدأ (…) تنضم إلى العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة حصريًا”.

وقال مسؤولون حكوميون غربيون، تحدثوا أيضًا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم بسبب حساسية الموقف، لصحيفة “The Post” إنهم لم يكونوا على علم بالاقتراح الذي تم اعتراضه.

لكنهم قالوا إنهم يخشون أن تسعى روسيا للالتفاف على العقوبات المرتبطة بالحرب والضرر المتنامي على اقتصادهم.

وقالوا أيضاً، إن المسؤولين الروس “يجوبون العالم بحثاً عن من يرغبون في القيام بأعمال تجارية مع مؤسساتهم المالية”، مشيرين إلى أن تركيا من بين مجموعة من الدول التي يتم الاتصال بها بسبب “تراخيها في تنفيذ العقوبات”.

ومع عزل روسيا عن جزء كبير من الاقتصاد العالمي، فإن مثل هذه المبادرات هي علامة على مخاوف النظام العالمي المتزايدة، كما يقول المسؤولون والاقتصاديون الغربيون.

وسخر بوتين من العقوبات الغربية واصفا إياها بـ”الفاشلة”، فقد دعم التدفق المستمر للإيرادات من مبيعات الطاقة الروبل الروسي والنظام المالي للبلاد.

ويتوقع صندوق النقد الدولي الآن، أن ينخفض الاقتصاد الروسي بنسبة 6 في المائة فقط هذا العام.

لكن اقتصاديين يقولون إن العناوين الرئيسية “أرقام تخفي ورائها انهيارًا في قطاع كبير من قطاع التصنيع الروسي”.

ويطلقون على القطاع المصرفي “نظام الزومبي”، مع حظر سحب الودائع بالعملة الصعبة.

وعلى الرغم من أن روسيا سعت إلى تحويل التدفقات التجارية عبر دول مثل الهند والصين، إلا أن الحظر الذي فرضه الغرب على واردات المكونات عالية التقنية أدى إلى توقف بعض الصناعات.

وقال سيرغي جورييف، الأستاذ في معهد الدراسات السياسية الفرنسية وكبير الاقتصاديين السابق في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية: “سيكون الوضع أكثر قتامة العام المقبل”.

وأضاف: “لا أحد يعرف ما ستؤول إليه الأمور عندما يبدأ حظر النفط الأوروبي. نحن الآن في وضع مجهول الأبعاد”.

وتظهر الأرقام الجديدة الصادرة الأسبوع الماضي، من قبل وكالة الإحصاء الحكومية الروسية، Rosstat، مدى الضرر الذي أصاب بعض القطاعات: “انخفض إنتاج السيارات، وهي الصناعة الأكثر اعتمادًا على المكونات الأجنبية، بنسبة 89 بالمائة في حزيران/ يونيو على أساس سنوي، بينما انخفض إنتاج أجهزة الكمبيوتر وأشباه النواقل بنسبة 40 بالمائة على أساس سنوي، كما انخفض إنتاج الغسالات بنسبة 59 بالمائة تقريبًا”.

وقال ماكسيم ميرونوف، أستاذ المالية في كلية IE للأعمال في مدريد: “من الواضح أن الأمور ستصبح أكثر حدة وصرامة”.

وأشار إلى أن العنوان الأبرز هذا الأسبوع هو أن “أحد مصانع السيارات الرئيسية لشركة AvtoVAZ المملوكة للدولة سيقلل من القوة الإنتاجية لديه مما يشير إلى عدم وجود خيارات أخرى للشركة – والحكومة.  التخفيضات بدأت وقد تؤدي إلى توتر اجتماعي”.

وقال سيرغي ألكساشينكو، النائب السابق لرئيس البنك المركزي، والمقيم حالياً في المنفى بالولايات المتحدة، إنه من الضروري لروسيا إيجاد قنوات مالية بديلة لبنوكها.

وأضاف: “إنها مسألة أموال”، مشيراً إلى أن إيران، بمساعدة روسيا وتركيا، تمكنت في السابق من الالتفاف على العقوبات الغربية. “إذا دفعت الكثير، سيكون هناك بعض البنوك على استعداد لتحمل المخاطر والمجازفة”.

وكان نظام بوتين يأمل سابقًا في تجاوز العقوبات من خلال إنشاء أنظمة دفع بديلة عبر البنوك الصينية، وفقًا لمسؤول حكومي روسي رفيع المستوى، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفًا من العقاب.

ومع ذلك، فقد امتنعت البنوك الصينية عن لعب هذا الدور بسبب خطر فرض عقوبات ثانوية. وعلى الرغم من زيادة واردات البلاد من النفط والغاز الروسي، إلا أنها لا تستطيع تلبية جميع الاحتياجات الروسية.

وقال مسؤولون غربيون، إنه أصبح من الواضح أن الصين لم تكن قناة مناسبة لروسيا للتخفيف من تأثير العقوبات، مما أجبر الكرملين على البحث بشكل يائس عن شركاء آخرين.

وفي علاقة أردوغان المعقدة مع بوتين، التي تميزت بفترات من الصراع والتعاون، كان لروسيا نفوذ كبير في الماضي وأظهرت استياءها من خلال قطع تدفق السياح إلى تركيا أو حظر استيراد المنتجات الزراعية التركية.

ومنذ بداية الحرب الأوكرانية، نصبت تركيا نفسها كوسيط بين موسكو وكييف، وهو الدور الذي بدا أنه يؤتي ثماره الشهر الماضي، عندما توسطت تركيا والأمم المتحدة في اتفاق لاستئناف شحنات الحبوب من الموانئ الأوكرانية المحاصرة. وشكر بوتين أردوغان يوم الجمعة على دوره في تنظيم ذلك.

ويريد أردوغان موافقة بوتين على عملية عسكرية تركية مزمعة ضد القوات الكردية في شمال سوريا. وتحتفظ روسيا بقوات في المنطقة في إطار دعمها للرئيس السوري بشار الأسد. ولم يتضح ما إذا كان قد تم إحراز أي تقدم بشأن هذه القضية خلال الاجتماع الأخير للزعماء.

وفقًا لرجلين من رجال الأعمال في موسكو، يتم بالفعل إعادة بناء سلاسل التوريد بالتجزئة في روسيا بمساعدة تركيا.

وقال صاحب سلسلة متاجر التجزئة الكبرى، إن منافذ البيع الخاصة به أعادت تنظيم الإمدادات بالكامل من خلال مراكز جديدة في تركيا وإسرائيل والصين وأذربيجان.

وأظهرت بيانات حديثة صادرة عن معهد الإحصاء التركي أن الصادرات التركية الشهرية إلى روسيا ارتفعت بنحو 400 مليون دولار بين شباط/ فبراير، وحزيران/ يونيو.

لكن بغض النظر عن السلع الاستهلاكية، يشكك خبراء العقوبات والمسؤولون الغربيون في أن تصبح تركيا مركزًا لإمدادات المعدات التي تشتد الحاجة إليها دون مواجهة خطر عقوبات ثانوية.

وقال هؤلاء المسؤولون إن على البلاد أن تختار، مع العلم أن أي عمل تقوم به مع روسيا يخاطر بوضع القطاعين الاقتصادي والمالي لتركيا تحت المجهر وسيجعل من الصعب التعامل مع بقية العالم.

المصدر: صحيفة واشنطن بوست الأميركية/

ترجمة: Jwan Shkaki