يصادف الثالث من آب / أغسطس مرور ثماني سنوات على الإبادة الجماعية للإيزيديين، التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ضد المكون الإيزيدي الأعزل في منطقة سنجار (شنكال) بالعراق. أما من نجا، فلا يزال يعيش في خطر وقراهم باتت أنقاضاً وغالبيتهم يعيشون الآن في مخيمات النزوح.
تعتبر الإبادة الإيزيدية واحدة من الفظائع المرتكبة بحق الأقليات الدينية في الشرق الأوسط، إلا أنها لا تعتبر الأولى من نوعها، حيث ارتكبت العديد من المجازر الجماعية وجرائم الإبادة في التاريخ الحديث، بما في ذلك الإبادة الجماعية للأرمن والمسيحيين واليهود والأقليات المسلمة غير المتوافقة.
من المؤكد أن عملية اضطهاد المكون الإيزيدي ليس بالأمر الجديد، حيث أن التهميش والإقصاء والاضطهاد الممنهج بحق الإيزيديين مستمر منذ قرون. فقد مر الإيزيديون بـ 74 مجزرة أو كما يعرفونها بـ”فرمان” منذ القرن الثالث عشر. وإلى يومنا هذا، لا يأكل الكثير من العراقيين الطعام الذي يصنعه الإيزيديون اعتقاداً منهم بأن الشعب الإيزيدي عبدة الشيطان أو نجس أو كفار.
يشكل هذا النوع من الاتهامات والصور النمطية العنصرية خطراً كبيراً على جميع الأقليات سواء الإيزيديين أو غيرهم. حيث ان استبعاد مجموعات دينية أو عرقية ينتج عنه عواقب وخيمة لها تأثيرها على الحياة الاجتماعية والاقتصادية لأفراد المجتمع. ولكن عندما تترسخ العقيدة المتطرفة، كما حدث عندما اجتاح تنظيم داعش مساحات شاسعة من الأراضي، واجهت الأقليات المضطهدة خطراً جسيماً. كما يتضح من الإبادة الجماعية للإيزيديين، إذا كان هناك بالفعل بئر من الكراهية تجاه مجموعة معينة، يمكن للمتطرفين الاستفادة من ذلك وإخراج أسوأ جوانب الطبيعة البشرية.
لقد نجح التحالف الدولي في هزيمة داعش عسكرياً، ولم يعد هناك خلافة إقليمية كي يبني فيها داعش قوانينه الوحشية ويفرضها، لكن الأسباب الجذرية التي أدت إلى الكراهية الدينية وارتكاب الفظائع الجماعية الموجهة ضد الإيزيديين لا زالت باقية.
على الرغم من اتخاذ الولايات المتحدة وحلفاؤها خطوات ملموسة لدعم وحماية الأقليات الدينية في الشرق الأوسط، ومواجهة المتطرفين عسكرياً والعمل مع حكومات إقليمية، إلا أن التهديد لم يتلاشى. لذا يجب أن يظل المجتمع الدولي يقظاً، وهذا يشمل تقديم عدد من الالتزامات الرئيسية.
النقاط التي يتعين إجراؤها:
أولاً، من الضروري معالجة الكراهية والتمييز. طالما أن ملايين الأطفال يتعرضون للكراهية والتمييز التي تستهدف الأقليات الضعيفة، فيمكن أن تحدث فظائع في المستقبل. إلى جانب الحفاظ على الضغط على الجماعات المتطرفة المسلحة مثل داعش، يجب على أصحاب المصلحة الدوليين أيضاً استثمار الوقت والطاقة لتعزيز الإندماج السياسي والقانوني والاجتماعي والاقتصادي الكامل لمجتمعات الأقليات الدينية.
ثانياً، يعد تحسين الأنظمة المستخدمة لرصد علامات الإنذار المبكر ضرورية إذا كانت الدول ترغب في الوفاء بالتزاماتها على النحو المنصوص عليه في اتفاقية الإبادة الجماعية والمعاهدات الأخرى. لقد أنفق التحالف الدولي أموالاً طائلة في هزيمة داعش، حيث قُتل الآلاف من المقاتلين والمدنيين في سوريا والعراق خلال المعارك البرية.
لو أن المجتمع الدولي حارب تنظيم داعش في عام 2013 وأوائل عام 2014، لكان من الممكن أن يتباطأ نموه أو حتى منعه.
عندما نفكر بالفظائع الجماعية الماضية والحالية والمتوقعة التي تواجه الأفغان والروهينغا والتيغراي والأوكرانيين والأويغور وغيرهم، يجب أن نأخذ في الاعتبار فائدة الوقاية مقابل التكلفة البشرية والمالية الهائلة للسياسات التفاعلية.
ثالثاً، بما أن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء لمنع الإبادة الجماعية المرتكبة ضد الإيزيديين يعتبر أمراً مستحيلاً، فلا بدّ من محاسبة أولئك الذين ارتكبوا أو سهلوا هذه الجريمة. وعلى الرغم من مشاركة الآلاف من أعضاء داعش من جميع أنحاء العالم في هذه الفظائع، إلا أن معظمهم حوكم حتى الآن بتهم تتعلق بالإرهاب ولكن الجرائم المرتكبة ضد الإيزيديين مرت دون عقاب. وهذا يبعث برسالة الإفلات من العقاب.
وأخيراً، يجب على المجتمع الدولي مضاعفة جهوده لتسهيل تعافي الإيزيديين ومساعدة الناجين منهم اقتصادياً وتعليمياً، ومساعدتهم على الاندماج في النسيج الاجتماعي والاقتصادي في العراق. سيساعد هذا المجتمع الإيزيدي على التعافي وسيعمل على منع الإقصاء والتهميش الذي قد يرتكب بحقهم في المستقبل.
بينما نحيي الذكرى الثامنة للإبادة الجماعية للإيزيديين ، يجب أن يكون حل التحديات المعلقة التي تواجه هذا المجتمع الضعيف وتنفيذ الدروس المستفادة من هذا الفصل المظلم من الأولويات لضمان ألا نشهد مرة أخرى محاولة إبادة شعب بأكمله بسبب بعض الأشخاص وما يؤمنون به.
المقال كتبه بري ابراهيم وسوزان هيلر بينتو بعنوان “إحياء الذكرى السنوية الثامنة للإبادة الجماعية الإيزيدية” في جريدة جيروزاليم بوست وترجمته نورث برس