عامان على انفجار بيروت.. تحقيق معلق وانهيار صومعة يجدد المأساة
أربيل- نورث برس
يحل على اللبنانيين اليوم، الخميس، الذكرى الثانية لانفجار مرفأ بيروت الكارثي، بعد قرابة تسعة أشهر من صدور رابع قرار لتعليق التحقيق الجنائي بالحادث المأساوي الذي وقع في الرابع من آب/ أغسطس 2020، وعاد قبل موعده إلى الأذهان عندما انهار جزء آخر من الصوامع في المرفأ، الأحد الفائت.
وقبل أيام قليلة من ذكرى انفجار المرفأ، انهار جزء من صوامع الحبوب الضخمة في ميناء بيروت، متأثراً بشدة انفجار عام 2020، نجمت سحابة ضخمة من الغبار، وذلك بعد حريق اشتعل واستمر أسابيع في الحبوب المتعفنة بسبب حرارة الصيف، مطلع الشهر الفائت.
ومؤخراً تناولت بعض الوسائل الإعلامية المحلية، خبراً مفاده، أن مرفأ بيروت توقف عن استقبال البواخر خوفاً من انهيارات إضافية في صوامع القمح، وذلك بعد الانهيار الجزئي الأخير في الجانب الشمالي من الصوامع.
ولكن إدارة المرفأ ردت ببيان، أن سير العمل لم ولن يتوقف، وأن الاحتياطات والإجراءات متخذة منذ مدة زمنية تحسباً لأي طارئ.
وجرى عزل محيط الصوامع بزيادة المسافة المطلوبة وهي (٥٠ متراً) إلى ١٥٠ و٢٠٠ متر في بعض الأماكن، كما تم عزل عدة أرصفة منه.
انهيار الشاهد الصامت
تسبب انهيار الكتلة الشمالية للصوامع بعد ما بدا وكأنه انفجار، في ارتفاع الغبار الرمادي الكثيف، ولم يتضح على الفور ما إذا كان أحد قد أصيب.
وقررت الحكومة اللبنانية في نيسان/ أبريل الماضي، هدم الصوامع، لكنها علقت القرار بعد احتجاجات عائلات ضحايا الانفجار والناجين منه. وهم يؤكدون أن الصوامع قد تحتوي على أدلة مفيدة للتحقيق القضائي، ويجب أن تكون بمثابة نصب تذكاري للحادث المأساوي.
وتم تشييد صوامع مرفأ بيروت لأول مرة في عام 1970، وقبل الانفجار كانت تخزن حوالي 85٪ من الحبوب في لبنان لضمان الأمن الغذائي للبلد الذي تعصف به اليوم أشد أزمة مالية.
وحين وافق مجلس الوزراء اللبناني على هدم جميع صوامع مرفأ بيروت، الشمالية والجنوبية، الواقعة في موقع انفجار عام 2020، احتجت عائلات ضحايا الانفجار على القرار وهم غاضبون من الانهيار الجزئي الذي أعاد إلى أذهانهم هول المأساة.
وفي أحدث خطوة عززت تصميم ذوي الضحايا على دعوتهم لمواصلة التحقيقات، أطلقت منظمات المجتمع المدني إلى جانب عائلات الضحايا في الرابع من تموز/ يوليو الماضي، وهو نفس اليوم الذي اندلع فيه الحريق قبيل الانهيار الجزئي، حملة تضامن بعنوان “الشاهد الصامت”.
ولا يزال الهدف من احتجاجاتهم هو حماية الصوامع، على الأقل ما تبقى منها الآن، التي تقع على بعد أقل 80 متراً من مركز الانفجار والتي امتصت الكثير من قوة الانفجار بفضل الحبوب الكثيفة التي تم تخزينها داخلها.
تحقيق معلق
والأبرز في التاريخ القصير لهذه القضية، هو أن السلطات اللبنانية تواجه انتقادات شديدة بسبب تعليق التحقيقات القضائية في الانفجار منذ أكثر من عام.
وكان تقرير مستقل لـ هيومن رايتس ووتش، صدر في آب/ أغسطس الماضي، ذكر أن “السلطات اللبنانية، على الأقل، مهملة جنائياً بموجب القانون اللبناني، في التعامل مع 2750 طناً من نترات الأمونيوم المخزنة في الميناء منذ عام 2014، والذي تسبب في الانفجار بعدما اشتعلت النيران في المستودع حيث تم إيداع الأسمدة فيه.
وفي كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي، علّق المحقق العدلي اللبناني طارق بيطار، تحقيقه في انفجار مرفأ بيروت، بعد تبلغه دعوى تقدم بها وزيران سابقان يطلبان نقل القضية إلى قاضٍ آخر، وفق ما أفاد مصدر قضائي، في خطوة هي الرابعة منذ بدء التحقيق في الكارثة.
ووقتها، جاء تجديد تعليق التحقيقات، بعد أسبوعين فقط، على استئنافه إثر رد القضاء دعاوى عدة ضد بيطار.
وبعدما تبلغ دعوى تطالب بتنحيته عن القضية تقدم بها نائبان أمام محكمة التمييز المدنية، اضطر بيطار إلى رفع يده عن الملفّ ووقف كلّ التحقيقات والإجراءات بانتظار أن تبتّ المحكمة بأساس هذه الدعوى بقبولها أو رفضها، وفقاً لما أفادته تقارير لبنانية حينها.
وتُعد تلك الدعوى واحدة من 18 أخرى لاحقت بيطار، مطالبة بكفّ يده عن القضية منذ تسلمه التحقيق بعد عام من الانفجار. وتقدم بغالبية الدعاوى سياسيون مُدعى عليهم وامتنعوا عن المثول أمامه.
أزمة فوق أزمة
وكان انفجار ميناء بيروت أحد أكبر الانفجارات في تاريخ لبنان المضطرب. حدث ذلك بعد أقل من عام على انتفاضة هزت لبنان عام 2019 ، حيث احتج مئات الآلاف على الأحزاب السياسية الطائفية الراسخة في البلاد.
كما تسبب الانفجار في تفاقم أكثر للأزمة الاقتصادية في لبنان، بعد أن كلف أضراراً بمليارات الدولارات ودمر آلاف الأطنان من الحبوب، بينما يعيش ثلاثة أرباع السكان الآن في فقر.
وفي أعقاب انفجار عام 2020، طلبت الحكومة إجراء العديد من الدراسات لتقييم الأضرار التي لحقت بالصوامع. أحدثها الذي أجرته في آذار/ مارس شركة عمان للهندسة السويسرية، إلا أن الكتلة الشمالية لن تصمد لأكثر من عقد، ويمكن أن تنهار في غضون أشهر.
وخلص التقييم إلى أن الكتلة الجنوبية كانت مستقرة وأن “الهدم ليس أولوية مقارنة بالتحديات الأخرى في مرفأ بيروت”.
وتعد خطة الحكومة لإعادة بناء الصوامع في موقع جديد، “هي اعتراف واضح بأن موقع الانفجار لا يمكن إعادة استخدامه بسهولة لاستخدامات أخرى”.
وتم بناء هذه الهياكل الخرسانية التي يبلغ ارتفاعها 48 مترًا (157 قدمًا) على أرض تم استصلاحها من البحر وتعزيزها بأكوام. قال المهندسون والمهندسون المعماريون، إن الأساسات الموجودة بالأسفل لم تعد تصمد أمام الهياكل الكبيرة.
وتأتي الخطط الحكومية لإعادة بناء الصوامع، في وقت ارتفعت فيه أسعار القمح وتعطل الغذاء العالمي الناجم عن الحرب في أوكرانيا، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية المستمرة في البلد الذي كان يعد أكبر وجهة سياحية عربية في السابق.