رحلة أهل الشرق السوري إلى مشافي العاصمة
دمشق- نورث برس
ثلاث ساعاتٍ بتمامها وكمالها، انتظرت هدى حسن (60 عاماً) وهو اسم مستعار لسيدة من مدينة القامشلي، في مشفى الأسد الجامعي الحكومي بدمشق، كي تحصل على سرير في إحدى غرفه لإجراء عمل جراحي.
لكن بعد كل ذلك الانتظار الذي تحملته، رفضت المريضة أخيراً أن تحصل على سرير وتوجهت إلى أحد المشافي الخاصة، وأجرت العمل الجراحي عند نفس الطبيب في ذات اليوم.
السيدة الستينية التي امتلكت القدرة المادية على أن تجري عملها الجراحي في مشفى خاص، يوجد مثلها الكثير ممن ينتظرون ساعات طويلة ليحصلوا على سرير في مشفى حكومي بسبب الضغط الهائل على المشافي الحكومية في دمشق، فالضائقة المادية تمنعهم من طرق أبواب المشافي الخاصة.
ويفترش الكثير من المرافقين الحدائق في الليل إن زاد عددهم عن مرافق واحد.
وكانت درجة الحرارة تقارب الـ44 درجة في الظل، عندما جلس محمد علي (40 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد سكان ريف الحسكة، في الحديقة القريبة من مشفى الأطفال بدمشق، بينما كان ولده على سرير في المشفى.
يقول الرجل إنه يفترش الحديقة ليلاً وينام، في حين تبقى زوجته على الكرسي برفقة الابن في المشفى، وتنام الأم في نفس الحديقة نهاراً بينما يبقى هو بجانب الابن.
ويتحمل “علي” وزوجته حرارة الشمس في الحديقة، وخاصة أنهما لا يستطيعان أن يدخلا ابنهما إلى مشفى خاص بسبب ضيق الحال.
ويشير الأب إلى أن إجراءات الدخول أخذت وقتاً طويلاً وانتظر على الدور ساعات، لكن لا مفر فالطفل بحاجة لعملية لا يمكن إجراءها في الحسكة.
سوء تنظيم الدور
ويتحدث مرضى، قدموا من المنطقة الشرقية لسوريا إلى دمشق بهدف العلاج، عن سوء تنظيم الدور في المشافي الحكومية واكتظاظ في الغرف.
وتحتوي بعض الغرف على 6 مرضى ومع مرافقيهم/هن يصبح العدد 12 شخصاً، وأقلها 4 أشخاص حتى في أقسام أمراض الصدر، وهذا في الأقسام العامة أي التي يكون العلاج فيها زهيداً جداً أو شبيهاً بالمجان.
أما الأقسام الخاصة في هذه المشافي، حيث تضم المشافي الحكومية قسماً خاصاً، يكون كل مريض/ة في غرفة واحدة.
ولا يقتصر حال أهل المنطقة الشرقية القادمين من القامشلي ودير الزور والرقة والحسكة وريف حلب للعلاج في دمشق على المشافي الحكومية، إنما يفترشون الأرض وينتظرون ساعات طويلة أمام عيادات بعض الأطباء في العاصمة.
ويضطر هؤلاء للجلوس في فنادق بنجمتين أو ثلاث أو أربع نجمات وغالبيتها في منطقة المرجة وسط دمشق، ويقال عنها في العرف بين الناس، “أوتيلات أهل المنطقة الشرقية”.
كما وتعاني المشافي الحكومية أمام هذه الأعداد من تفاوت في درجة ومستوى النظافة حسب المتعهد، ويعتبر الأسد الجامعي هو الأنظف مقارنة بالمجتهد وابن النفيس ويليه المواساة الجامعي في النظافة، بحسب مرضى التقت بهم نورث برس.

وتقول “حسن” بلهجتها المحلية، “التعقيم هات إيدك ولحقني، والمياه فقط مع رشة معطر وملطف جو هي الطريقة الوحيدة للتنظيف”.
وتضيف “علي” أنه يجب على أي شخص يدخل إلى مشافي العاصمة الحكومية، أن يعرف أي ممرض أو ممرضة، تكون أموره جيدة، وتسهل عليه حياته في المشفى من اهتمام وتسهيل الدور.
“نظام معقد للدخول”
وتوافق هيا محمد (45 عاماً) وهو اسم مستعار لإدارية في أحد المشافي الحكومية بدمشق على كل ما يقوله المرضى، وتؤكد أن النظام الإداري ونظام القبول وجملة التوقيعات التي يحتاجها المريض للدخول إلى المشفى هي كثيرة ومعقدة.
لكنها تتساءل: “هل سأل أي مريض كم هو عدد الموظفين الذين يستقبلون مئات المرضى يومياً؟ هل هو مناسب؟ من بقي في المشافي الحكومية”.
وتضيف: “كثيرة هي الاستقالات التي قدمت بسبب السفر وضعف الرواتب”.
أما بالنسبة لموضوع النظافة ترى الإدارية أن الأمر يعود إلى المسؤولين عن المشافي والمتعهدين والعاملين والعاملات اللواتي والذين يخضعون لأوامر المتعهد عن النظافة.
“والجميع يعلم أن همه الأول والأخير هو الاستفادة من عقده مع أي مشفى حكومي، حيث لا تكون الخدمات المقدمة مطابقة للعقد، وهذا يتم ضمن مناقصة للمتعهدين، وكل متعهد أسوء ممن يسبقه للحقيقة”، بحسب “محمد”.
ولا تنكر “محمد” بعض التقصير في الأدوار والتنظيم، ولكن تشيد بالأطباء والطبيبات الموجودين سواء في العيادات الخارجية أو كمشرفين في الأقسام، ومع ذلك تعتبر أن القيمة في المشافي الحكومية منخفضة جداً، وتقدم يومياً آلاف الخدمات للمرضى.
وتشير إلى أنها اقترحت في مرات كثيرة زيادة عدد نوافذ القبول في كل المشافي والاعتماد بشكل كامل على الكمبيوترات، “لكن الرد، أن كل هذه العملية بحاجة لكوادر بشرية جديدة”.