إحداها الاقتتال.. العراق أمام سناريوهات عدة وسط الحديث عن “الانقلاب والتحرير”

أربيل- نورث برس

أضحى العراق بعد عشرة أشهر من الانتخابات التي لم تؤدي إلى تشكيل حكومة حتى اللحظة، أمام سيناريوهات بعضها خطيرة يحذر منها أغلب الفرقاء السياسيين في البلاد، وسط دعوات مستمرة للحوار والتهدئة، بعد أسبوع من التوتر على مستوى عالٍ.

وفيما جدد الإطار التنسيقي، دعوته للتيار الصدري والقوى السياسية إلى الحوار للخروج من الأزمة الراهنة، رأى أن ما آلت إليه الأوضاع “مؤسف وصل حد الدعوة إلى الانقلاب على الشعب والدولة ومؤسساتها وعلى العملية السياسية والدستور والانتخابات”.

وجاء توصيف الإطار ما يحصل بـ”الانقلاب” خلال بيان اليوم، كإشارة إلى ما أثاره التيار الصدري من حراك شعبي حين سيطر أنصاره على البرلمان منذ السبت الفائت.

وعدّ التيار الصدري سيطرة أنصاره على البرلمان عملية لتحرير “الخضراء” وهي المنطقة الدبلوماسية التي تتوسط العاصمة، متوعداً بتغيير النظام السياسي القائم في البلاد منذ 2005.

وقال الإطار التنسيقي، إن كل من لديه رأي أو مشروع لتعديل الدستور فهو أمر متاح من خلال الأطر الدستورية، وأي عمل خلاف ذلك فإنه تجاوزٌ لكل الخطوط الحمراء وتهديد للسلم الأهلي وسلطة القانون(..)”.

بداية الخلاف

بغض النظر عن المنافسة التي حصلت أيام الانتخابات في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2021، والخلافات المبدئية بين الفريقين الشيعيين حزب الدعوة والتيار الصدري، فقد ظهرت معالم الصراع جلياً في مرحلة ذات مساعٍ فاشلة لتشكيل الحكومة الجديدة.

بدايةً ومع فوزه بالغالبية الشيعية في مجلس النواب العراقي، اعتزم التيار الصدري الشيعي تشكيل حكومة أغلبية، وشكل تحالفاً ثلاثياً مع القوى السنية (الحلبوسي) والحزب الديمقراطي الكردستاني، مستقصياً الفرق الشيعية الأخرى وأبرز زعمائها نوري المالكي وهادي العامري وعمار الحكيم وقيس الخزعلي وحيدر العبادي.

تلك القوى الشيعية والتي اجتمعت في تحالف “الإطار التنسيقي” لم تلقَ استحسان زعيم التيار مقتدى الصدر، فعمدت على تشكيل حكومة توافقية على عكس رغبة التحالف الثلاثي.

ومع عدم قدرة التيار الصدري وحلفاؤه على جمع ثلثي أصوات النواب، وبالتالي لم يمكنهم من التصويت على مرشح للحكومة ورئيس الجمهورية، واللذان يحتاجان إلى تصويت الثلثين من إجمالي العدد (320 نائب)، قررت كتلة الصدر في منتصف شهر حزيران/ يونيو، الانسحاب من مجلس النواب تاركةً الساحة النيابية وقتها لخصمه الإطار التنسيقي.

تصعيد

وكان من المتوقع أن يكون انسحاب كتلة الصدر من البرلمان انسحاباً تكتيكياً، ولا يعني انسحاباً من الساحة السياسية، فسرعان ما لجأ إلى الحراك الجماهيري، لتضييق الخناق على الإطار التنسيقي وأبرز زعماءه هو رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي.

وبدأ الصدر يبعث الرسائل المبطنة أولاً عبر الصلاة الجماعية المليونية في بغداد، قبل نحو أسبوعين، ليظهر لمنافسيه شعبيته القوية، وهي بالفعل تمكنت مؤخراً من السيطرة على البرلمان وتعطيله.

واقتحم أنصار الصدر البرلمان لأول مرة، يوم الأربعاء الفائت، رداً على تمسك الإطار التنسيقي بمرشحه لرئاسة الحكومة محمد شياع السوداني.

ولذات الأهداف ومع تمسك الإطار التنسيقي بمرشحه، اقتحم الصدريون، السبت الفائت، مبنى البرلمان للمرة الثانية، وخرقوا المنطقة الخضراء التي تعتبر الأكثر أمناً وتحوي مقار دبلوماسية رفيعة.

وقرروا الاعتصام المفتوح داخل مجلس النواب، مما يعطل جلسة البرلمان الذي فشل مراراً وتكراراً في اختيار رئيس جديد للجمهورية وفي تقديم مرشح لرئاسة الحكومة.

ورداً على احتجاجات الصدريين، دعا الإطار التنسيقي جمهوره لتنظيم مظاهرات لحماية “الشرعية” ممن وصفهم بـ”المتجاوزين للقانون”، في إشارة منه إلى الحراك المنافس الذي اقتحم البرلمان.

وفي آخر موقف للإطار التنسيقي صدر اليوم الاثنين، وصف ما يقوم به منافسه بمحاولة انقلاب على الشرعية.

وفي غضون ذلك، دعت اللجنة التحضيرية لتظاهرات الإطار التنسيقي، أنصارها إلى تنظيم مظاهرة، اليوم الاثنين، عند الخامسة عصراً أمام أسوار الخضراء، وستكون مضادة لتظاهرات الصدر المسيطرة على البرلمان.

دعوات للحوار

دعا الإطار التنسيقي إلى الحوار للخروج من الأزمة الراهنة، غير أن وصفه للحراك الصدري بشكل غير مباشر على أنه “انقلاب” قد يضعف المبادرات.

وبالمقابل، فإن دعوة الصدر لأنصاره بالاعتصام في البرلمان ووصف اقتحامهم للمؤسسة التشريعية بعملية “التحرير”، توضح تمسكه برؤيته في تغيير النظام السياسي والدستور في العراق.

إلى ذلك وجه رئيس تحالف الفتح هادي العامري، اليوم، نداءاً للتيار الصدري والإطار التنسيقي لـ”ضبط النفس”، محذراً من أن التحشيد الجماهيري قد يخرج عن السيطرة ويفضي إلى العنف.

وأمس الأحد، دعا رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، الأطراف السياسية المعنية في العراق إلى القدوم إلى أربيل “عاصمتهم الثانية” والبدء بحوار مفتوح جامع للتوصل إلى تفاهم واتفاق.

وكانت الأمم المتحدة وكذلك بعثة الاتحاد الأوروبي في العراق حثتا على التهدئة والحوار.

سيناريوهات

الدعوات المتكررة للحوار، ورغم صعوبة نجاحه، لكنها قد تؤدي في النهاية إلى تفاهم يرضي القوى المتنافسة حفظاً للاستقرار المبدئي في البلاد.

بيد أن إصرار الفريقين الشيعيين “التيار والإطار” على موقفهما، يوحي بالمزيد من التصعيد، وخاصة مع توصيف التيار الصدري لما حصل من اقتحام للبرلمان بـ”عملية تحرير”، وبالمقابل يصفه الإطار التنسيقي بالانقلاب على الشرعية.

والتوجيهات الصادرة عن زعيم التيار الصدري إلى أنصاره المعتصمين بالبرلمان، وتمسكه بمسعى تغيير النظام السياسي والدستور في العراق، وما قابله من دعوة الإطار التنسيقي أنصاره إلى تنظيم مظاهرة وهي ستكون مضادة للمعتصمين، تزيد من حدة التوتر.

ويحذر مراقبون من أن تتطور الأوضاع إلى اقتتال أهلي، باعتبار أن الطرفين زجا الجماهير في الصراع السياسي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العراق البلد المتنوع الأعراق يحوي فصائل مسلحة تتبع لأحزاب سياسية، وقد تكون سلاحاً نارياً في المستقبل.

لكن ما يخفف وطأة ذلك، هو أن القوات الأمنية شددت على “عدم التدخل بالشأن السياسي لا من قريب ولا من بعيد، وأقسمت أنها تعمل لهذا البلد الواحد”، وفقاً لما جاء في بيان لخلية الإعلام الأمني اليوم الاثنين.

وفي حال استمر الصراع من دون نيران، من المحتمل أن يبقى الوضع كما هو عليه مع بقاء الكاظمي في قيادة حكومة تصريف أعمال إلى حين إيجاد مخرج للأزمة أحد احتمالاته إجراء انتخابات جديدة.

إعداد وتحرير: هوزان زبير