عن تصاعد كراهية اللاجئين السوريين في تركيا

الأسبوع الماضي تعرّض صحفيّ إسبانيّ لاعتداء عنصريّ في مدينة إسطنبول، وسبب الاعتداء هو اعتقاد المعتدين بأنه لاجئ سوريّ، فيما تعرّض سائح مصري لضرب مبرح على يد ركّاب حافلة أتراك بعد يومين من الاعتداء على مراسل صحيفة “ألموندو” الإسبانية. وعلى هذا النحو ترد الأخبار شبه اليوميّة عن حالات الاعتداء التي لم تعد تقتصر على السوريين، بل غدت تطال من يشبههم، أو يُشتبه بأنه منهم، ليصير الحديث الآن عن ظاهرة كراهية الأجانب، بعد أن كادت الكراهية تقتصر على اللاجئين السوريين.

تاريخياً شهدت تركيا هجرتين كانتا الأضخم عبر تاريخها، حدثت الأولى عام 1923 إثر اتفاقية التبادل السكاني مع اليونان والتي أفضت إلى استقبال 350 ألف مسلم يوناني، وأخرى في العام 1989 عندما استقبلت تركيا الأتراك المطرودين من بلغاريا والذين بلغ عددهم زهاء 340 ألف تركيّ، وإذا كانت هاتين الهجرتين قد اتسمتا برفد الدولة القومية التركية بعناصر قومية مشابهة تنتمي للأرومة التركية، فإن الوضع مختلف بالنسبة للسوريين العرب والكرد الذي لجأوا لتركيا منذ العام  2012 فصاعداً، وقد سبق أن ضاقت تركيا باللاجئين الكرد في أعقاب حرب الخليج الثانية 1991 حين دعى الرئيس التركي، توركوت أوزال المجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته في حماية مئات الآلاف من اللاجئين الكرد العراقيين الفارّين من بطش جيش صدام حسين.

عرفت تركيا تجارب اندماج لاجئين محدودة اقتصرت على حالات اللجوء التي وفدت من البلقان وآسيا الوسطى والبحر الأسود والقوقاز، أي هجرة تلك الجماعات القابلة للانصهار في البوتقة القومية التركية. في مقابل ذلك فإن إدماج السوريين في المجتمع التركي شكّل مسألة بالغة الحساسية إذ إن السوريين لا يمكنهم الانصهار في هويات الآخرين القومية، وأبعد من ذلك أنه ليس في مقدور السلطة الحاكمة أن تفاتح مواطنيها بمسألة إدماج السوريين في المجتمع والدولة التركية، ذلك أن أدبيات الدولة لا تزال تستخدم مفردة “التوافق” بين السوريين والأتراك بدل “الاندماج” والتي تبدو مفردة منفّرة إلى حد بعيد. 

لم يكن الأتراك على استعداد لاستقبال هذا العدد المهول من اللاجئين، والحديث هنا عن حوالي 3.6 مليون لاجئ أي نحو 15 بالمئة من سكان سوريا، ففي وقت سابق من العام 2012 أفاد 52 بالمئة من الأتراك بأنهم لا يوافقون على دخول السوريين لبلادهم، وقد كان عدد السوريين آنذاك لا يتجاوز 80 ألفاً.

ويُعزي المواطنون الأتراك قسطاً من التعثّر الاقتصادي إلى تنامي أعداد اللاجئين، وهذه السرديّة لم يعد يقابلها سردية مضادة عملت عليها الحكومة كالخُطب العاطفية التي بثّها الحزب الحاكم حول إمكانية العيش في مجتمع مشابه للمجتمع العثماني المختلط الأعراق، أو تلك الشعارات التي استلهمت صيغة المجتمعات الإسلامية الأولى حيث “المهاجرون والأنصار”.

تُسعّر معظم الأحزاب التركية داخل البرلمان وخارجه بما في ذلك الحزب الحاكم من خطابات الكراهية تجاه اللاجئين، إلّا أننا نعثر داخل ما يشبه الإجماع السّام هذا على استثناء وحيد وهو حزب الشعوب الديمقراطي المعارض الذي يقف إلى جانب اللاجئين، إذ إنه رغم تعرّض الحزب لضغوطات محازبيه لاسيما في إسطنبول، حيث يعتبر أنصار الحزب أن اللاجئين السوريين يزاحمونهم الأعمال والوظائف خاصة وأن اللاجئين لا يخضعون لقانون العمل والتأمينات التركي، فإن الشعوب الديمقراطي استطاع أن ينتصر لقيمه ومبادئه في مقابل الشعبية التي تجنيها بقية الأحزاب جرّاء دعمها لخطابات التحريض والكراهية تجاه اللاجئين، بيد أن المفارقة تكمن في أن السوريين في تركيا، وفي صفوف المعارضة، يقفون بالضد من سياسات الشعوب الديمقراطي التي تسعى إلى إنهاء سياسات معاداة الكرد في سوريا.

مؤخّراً توقّفت الحكومة التركية عن منح الجنسية للسوريين، بعد أن حدد الرئيس التركيّ أردوغان الشريحة التي يسعى إلى تجنيسها والتي وصفها بأنها مؤلّفة من “الأشخاص المؤهلين تأهيلاً عالياً … مهندسين ومحامين وأطباء”، ولعل هذه السياسة الانتقائية تذكّر بسياسة أسبق اتبعتها تركيا إبان الحرب العالمية الثانية حين استقبلت تركيا بعض الأساتذة اليهود والألمان المناهضين للنازية، ليتبين لاحقاً أنها كانت سياسات تمييزية وانتقائية تقتصر على احتضان النُخب دون بقية اللاجئين الساعين للنجاة.

بطبيعة الحال تمّت هندسة المجتمع التركيّ وفق معايير الثقافة العرقية، فقد أصبح من السهل تقبّل من ينتمون للأرومة التركية داخل الدولة والمجتمع التركيين على من عداهم، وعلى سبيل المثال يمكن متابعة مشاهد مصورة لزعيم حزب النصر الفاشيّ، أوميت أوزداغ، وهو يتجوّل في أسواق مدينة كيلّس إذ يقول لصاحب متجر: أنت تركماني؟ إذاً أنت معنا (رغم أنه تركمانيّ سوريّ) في حين أنه يدعو السوريين، من غير التركمان، للعودة إلى بلادهم مهما كانت المخاطر التي تنطلي عليها العودة.

تكشف لنا مسألة كراهية اللاجئين تعثّر النموذج التركي وكونه غير قادر على إعادة تشكيل الحاضر وفق صورة الدولة العثمانية متعددة الثقافات والإثنيات والعناصر، وكذا صعوبة تشكيل الدولة وفق نموذج دولة المواطنة الحديثة حيث بإمكان اللاجئ أن يحظى بحقوق المواطنة دون المرور بحواجز الدين والعرق واللغة المشتركة.