دمشق – عليسة أحمد – NPA
تعتبر مشكلة السكن من أكبر وأعقد الهموم التي يعاني منها السوريون، والتي ازدادت وتفاقمت بعد نشوب الحرب وتعقّد الظروف الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية للبلد.
ويلخص المواطن السوري معاناته مع العقارات بأن امتلاكه لمنزل بسيط هو حلم صعب التحقيق، لكن المصيبة أضحت في "الإيجارات" التي باتت الكابوس الذي يلاحق الجميع في البحث عن سكن يأويهم.
استغلال جائر
وفي ظل غياب الضبط الحكومي للانفلات الحاصل بسوق الإيجارات وبروز حاجة المواطن الملحة للسكن، أصبح كل من يمتلك مساحة ولو كانت تفتقر للظروف الإنسانية يستثمرها في التأجير.
ورغم أن الدخل المادي لا يتناسب أبداً مع أسعار إيجارات المنازل, إذ يعادل إيجار الغرفة الواحدة راتب موظف, ما يطرح تساؤلات عن خطوط حمراء حول الطرق المتبعة للحصول على المال ونوع الحياة التي يعيشها المواطن وكيف يقوم بسد حاجاته.
تفريغ الجيوب
كل شبرٍ في مدينة وضواحي دمشق يجري استغلاله وتفرغ بمقابله جيوب الناس، فأغلب المؤجّرَين جمعوا خلال أعوام قليلة مبالغ خيالية تعادل سعر العقار المؤجر نفسه وأحياناً أكثر.
ولكن لكل منطقة خصوصيتها في هذه الناحية، ففي حي المزة مثلاً, القريب من ساحة الأمويين ومركز المدينة عموماً, وبشكل خاص الجزء العشوائي فيه يستقطب أعداداً كبيرة من المستأجرين القادمين من كافة أنحاء سورية، مما ضاعف الطمع عند غالبية قاطنيه فبدأوا باستغلال كل مساحة كبرت أو صغرت داخل منازلهم وتحويلها إلى ما يشبه السكن كون من يدخل المزة يكون مضطراً، وبشكل خاص الطلاب.
أسعار غير مبررة
جنون الإيجارات في عشوائيات "المزة" الغير مبرر يعزى لحجم الإقبال الذي شهده الحي في السنوات المنصرمة وتزايد الطلب بدرجة فاقت المعقول لقربها من مركز المدينة ومواصلاتها شبه المؤمنة.
يقول خالد بستاني, الموظف الذي يسكن "مزة 86" في حديثه لـ"نورث برس" إن أسعار الإيجار تتراوح في منطقته بين /50/ إلى /100/ ألف وأحياناً أكثر، وهو ما لا يتناسب مع حجم الخدمات المقدّمة ولا حتى مع أهلية المنزل وتجهيزاته ولكن مضطرون لقبول ما يفرضه المؤجَّر.
ويضيف خالد, أنه لولا مساعدة إخوته بحوالات مالية من الخارج لما تمكن من دفع الإيجار، فراتبه لا يكفي حتى للسكن في العشوائيات.
لا إنصاف
الحلقة الأضعف في هذه المعمعة الحاصلة, هي طلاب الجامعات سواء الذين لم يستوعبهم السكن الجامعي أو الباحثين عن إقامة مريحة
تقول رهف سلامة، طالبة جامعية تعمل في إحدى وكالات المكياج: إن الوضع خرج عن حدّه فأجار غرفة واحدة في حي المزة قد يصل إلى /80/ ألف حسب موقعها وتجهيزها.
وتضيف رهف, أن البيت المشترك مع عدة فتيات لم يعد الحل المناسب أيضاً "لأننا سندفع مبالغ هائلة من فواتير وسلفة وحصة المكتب العقاري ومبلغ التأمين الذي يتراوح وسطياً حوالي /50/ ألف، وهذا ظلم ولا يوجد من يضع حداً لهذه المسألة, لا أخلاقياً ولا حتى حكومياً"
الدفع مسبق
يشرح أبو الحكم، وهو تاجر عقارات ووسيط، أن الوضع الحاصل في موضوع الإيجار عموماً والمزة بشكل خاص سببه بعض أصحاب المال الذين دخلوا الحي في بداية الحرب هرباً من مناطقهم الغير آمنة ولم يكن لديهم مشكلة في دفع أية مبالغ ولو كان آجار مسبق لعام أو عامين، فكانت الحظوة لهم.
ويضيف أبو الحكم أن الوضع استمر على ما هو عليه حتى بعد تأمين أغلب المناطق في سوريا، لكن أغلبهم فضّل البقاء ولا يرغب في العودة وهذا خلق اكتظاظا لا يزال مستمراً.
منافسة بالسعر
تتنافس الحارات في رفع أسعار إيجاراتها تبعاً لقربها أو بعدها عن المنطقة المنظمة في الحي المذكور فحارة "عروس الجبل" صاحبة الحظ الأكبر في السعر الذي قد يتجاوز /150/ ألف رغم أن منازلها دون المستوى المأمول، وكذلك حارة معهد اللغات تليها حارة الخزان.
بينما الأقل تفضيلاً رغم أنها الأكثر ازدحاماً فهي حارة المدرسة، فتتراوح بين /50/ إلى /80/ ألف، مع اعتبار شوارعها الضيقة ومنازلها المتواضعة الأثاث.
ما ذكر سابقا ما هو إلا غيض من فيض لهموم من أثقلتهم إيجارات المنازل وخذلهم الإهمال، في ظل غياب مؤجر يرحم، وحكومة تنصف وتنظم، والخاسر الوحيد هو المواطن.