حياة عائلات في إدلب حفّتها مخاطر انتشار مخلفات الحرب

إدلب – نورث برس

لا يزال الشاب الثلاثيني براء العمار، يعاني من ألم إصابته وفقدان أحد أطرافه السفلية جراء انفجار لغم أرضي من مخلفات الحرب أثناء عمله في إحدى الأراضي الزراعية القريبة من خطوط التماس مع قوات الحكومة السورية جنوب إدلب، شمال غربي سوريا.

و”العمار” (31 عاماً) من سكان بلدة البارة جنوب إدلب، كان يعمل في الزراعة التي تعتبر مصدر رزقه الوحيد وعائلته، حاله كحال معظم سكان البلدة الذين رفضوا النزوح رغم المخاطر الكثيرة.

وفي شباط/ فبراير 2020، سيطرت قوات الحكومة على مدينة كفرنبل المجاورة للبارة، وبذلك أصبحت الأراضي الزراعية الواقعة بين البلدة والمدينة قريبة من خطوط التماس.

وأشار “العمار” في حديث لنورث برس، إلى أنه شاهد وفي أكثر من مرة “القوات الحكومية تقوم بالتسلل للمنطقة وزرع الألغام”.

ولم يكن الرجل يعلم أنه سيكون من بين ضحايا تلك الألغام، “في الخامس من كانون الثاني الفائت، كنت أقود الجرار من أجل حراثة الأرض قبل أن ينفجر أحد تلك الألغام وبعدها لا أدري ما الذي حصل”، بحسب ما قال الرجل.

وأضاف: “علمت بعدها أن مزارعين أسعفوني إلى إحدى مشافي إدلب، وهناك قام الأطباء ببتر ساقي، إضافة لإجراء عمليات أخرى في جسدي لا أزال أعاني من آثارها وألمها إلى اليوم”.

وبعد أن كان “العمار” يعرض نفسه للخطر من أجل تأمين قوت عائلته المكونة من ستة أشخاص، (الأب والأم وأربعة أولاد)، “أصبحت اليوم عاجزاً”.

وفي نبرة لا تخلو من الشعور بالعجز، يقول: “باتت زوجتي مضطرة للعمل من أجل تأمين قوت أطفالها، وهو ما أراه مؤلماً أكثر من ألم جروحي التي لم تشفَ”.

المنطقة الأكثر انتشاراً

وتعتبر هذه المنطقة الأكثر انتشاراً لمخلفات الحرب في شمال غربي البلاد، نظراً لقربها من خطوط النار.

ومنذ عشر سنوات كانت ولا تزال الألغام الأرضية وغيرها من مخلفات الحرب سبباً رئيسياً في فقدان مئات السوريين لحياتهم أو إصابتهم في مختلف الجغرافيا السورية.

ووفق بيانات دائرة الأمم المتحدة المتعلقة بالألغام، “قُتل وجُرح نحو 15 ألف شخص بسبب المتفجرات في سوريا خلال عشر سنوات”.

وفي السادس من هذا الشهر، أصيب خمسة مدنيين بجروح متفاوتة الخطورة، جراء انفجار لغم أرضي من مخلفات الحرب بالقرب من بلدة كنصفرة المحاذية لخطوط التماس مع القوات الحكومية في جبل الزاوية جنوبي إدلب.

وسبق تلك الحادثة بأيام، مقتل شخص وإصابة آخرين في انفجار مماثل قرب بلدة البارة المجاورة، والتي كانت قد سجلت منذ مطلع العام الحالي العديد من الحالات المشابهة.

ومنتصف آذار/ مارس الماضي، تسبب انفجار قنابل يعتقد أنها من قصف سابق لطائرات على بلدة بليون بجبل الزاوية جنوبي إدلب، بمأساة لعائلة الأربعيني جهاد العيسى.

عودة تتسبب بنكبة

و”العيسى” من البلدة نفسها، فقد طفله البالغ من العمر تسع سنوات، كما أصيب ثلاثة آخرين من أطفاله تراوحت أعمارهم بين العشر والخمسة عشر عاماً، وذلك بانفجار قنبلة خلال عملهم في تنظيف المنزل.

ويروي الرجل قصته لنورث برس، حيث أنه وبعد نزوح دام لأكثر من عامين عاش فيها بمخيمات على الحدود السورية التركية شمال إدلب، قرر العودة إلى منزله.

قرار العودة للمنزل في البلدة التي تبعد عن مناطق سيطرة الحكومة نحو 15 كيلو متراً، اتُّخذ نتيجة الأوضاع المعيشية والظروف الاقتصادية السيئة التي كان يعاني منها “العيسى” في المخيمات.

وعادت عائلة “العيسى” لمنزلها المدمر نتيجة تعرضه لغارة جوية مطلع العام الفائت.

“لم أكن أعلم أن عودتي إلى منزلي سوف تسبب لي نكبة ونكسة سترافقني طوال حياتي”، يقول الرجل.

بدأ أطفال “العيسى”، بتنظيف المنزل وإزالة الركام والأتربة من داخله، وفجأة حدث ما لم يكن بالحسبان، حيث أن العديد من القنابل التي كانت تحت الركام ولم تنفجر حين القصف، انفجرت لحظة تنظيف المنزل.

“توفي طفلي عمر على الفور وأصيب أطفالي الثلاث أحمد وخالد ونصر، بجروح بليغة، ولا زالوا حتى اليوم يذهبون إلى المشافي بهدف العلاج”، يقول “العيسى”.

وبنبرة شديدة الحزن، يضيف: “بقيت دمائهم على جدران المنزل الذي نشأوا فيه. بدأت أفكر في بيعه لأنني لم أعد أطيق العودة إليه”.

إعداد: بهاء النوباني ـ تحرير: قيس العبدالله