الحسكة ـ دلسوز يوسف ـ NPA
يجوب الشاب الثلاثيني فرحان المحمد بسيارته الصغيرة طوال اليوم في القرى والبلدات بريف مدينة الحسكة شمالي سوريا، بحثاً عن مواد الخردة كفرصة عمل يسد بها رمق عائلته، حاله كحال عوائل أخرى في المنطقة.
مهنة جمع مواد الخردة باتت مهنة رائجة ومصدر دخل للكثير من العاملين في هذا القطاع، في ظل ظروف معيشية صعبة للكثير من المواطنين السوريين العاطلين عن العمل، ومصدر دخل لعوائل فقيرة، تعيل نفسها من خلالها، على الرغم من تدني أسعار الخردوات نظرا لصعوبة شحنها إلى مناطق الداخل السوري، لإعادة تدويرها.
قوت يومي
ويُعد المحمد من بين مئات الأشخاص الذين يعملون في هذه المهنة الشاقة، حيث يستقل سيارته الصغيرة ذات الطراز القديم يومياً، ليبدأ رحلة البحث في القرى والنواحي، في مسعى لجمع أكبر قدر من الخردة.
ويقول المحمد لـ"نورث برس" عن عمله، "أعمل في جمع الخردة منذ 7 سنوات، أجوب جميع القرى والبلدات المحيطة، وأشتري المواد القديمة والتالفة من البيوت"، مبيناً أن هذا العمل بمثابة قوت يومي يعتاش منه.
ويضيف: "نكسب لقاء عملنا هذا ما بين /3 – 5/ آلاف يومياً، وهذه المهنة بالنسبة للشباب العاطلين عن العمل تعتبر كافية، لكن بالنسبة للشخص المتزوج فهذا العمل لا يسد حاجاته".
ويصنف الشاب عمله ما بين السيء والجيد بالقول "السيء أننا نعمل طوال النهار للبحث عن الخردة، أما الجانب الإيجابي فهو فرصة عمل نقتات منه ودخل يساعدنا في معيشتنا".
بدوره يقول الشاب إبراهيم محمد الذي يعمل في سوق الهال بمدينة الحسكة، "أجمع السلال البلاستيكية الفارغة من سوق الهال وأبيعها لمعامل الخردة منذ ما يقارب خمس سنوات، هذا العمل يعود لي بمردود لا بأس به، حيث أكسب شهرياً ما بين /25 – 35/ ألف ليرة (حوالي 55 دولاراً) ".
ويتم تكويم مواد الخردة التي يجمعها الباعة بمختلف أصنافها من "بلاستيك، وألمنيوم وحديد ونحاس"، في العديد من معامل الخردوات بمدينة الحسكة.
فرصة عمل
أحمد الدخيل الملقب بـ "أبو صبحي" صاحب أحد معامل الخردوات بحي الطلائع في الحسكة، منذ ما يقارب الخمس سنوات، يقول بأن العمل في الخردوات يعد مصدر رزق للعاطلين عن العمل بالمنطقة في ظل الظروف المعيشية الصعبة، حيث يعمل لدى أبو صبحي أكثر من /17/ عاملاً بينهم /10/ نساء.
مبيناً أن أكثر من /150/ عائلة تعتمد في تأمين قوتها اليومي على هذا العمل.
ويعمل الدخيل على آلة تعيد استقامة أسياخ الحديد المطوية التي يجلبها الباعة، ويقول عن طبيعة عمله "نستقبل هنا في المعمل مختلف مواد الخردة من بلاستيك وحديد وألمنيوم تالفة، ونحن بدورنا نقوم بتعديلها وبيعها إلى التجار والحرفيين في المنطقة".
ويشهد سوق الحديد ركوداً في الأسعار كونها الصنف الوحيد الذي يصعب شحنها إلى المناطق الداخلية مقارنة مع الأصناف الأخرى، وهو ما يطالب أصحاب المعامل به الجهات المعنية بإيجاد حلول لتصريفها.
ويقول أبو صبحي عن ذلك: "الحديد منذ /9/ سنوات لم يتم شحنه إلى المناطق الداخلية بسبب منعه من قبل الحكومة السورية، وفي حال شحنه يتم فرض الإتاوات على البضاعة مما يرفع أسعار الخرداوات ويعود بالخسارة علينا".
ويضيف: "طالبنا مراراً الإدارة الذاتية بإيجاد حلول لنا، إلا أنها دعتنا للتريث لحين افتتاح معامل إعادة التدوير في المنطقة". منوهاً إلى أن أكوام الحديد لديه تثقل كاهلهم كثيراً.
الخردوات القمامة
إلى جانب السيارات الجوالة، يشاهد المرء جامعي الخردة بين تجمعات النفايات، سواء على قوارع الطرقات أو ضمن المكبات خارج المدن والبلدات، للبحث عن مواد الخردة، حيث يعمل بها كل من لا يجد ما يسد رمقه.
ورغم خطورة العمل في البحث بين النفايات لما ينتج عنه من أمراض، إلا أن الضائقة الاقتصادية دفعت هؤلاء للبحث عن عمل يقتاتون منه، دخل يعيلون به أسرهم، ومعظم هؤلاء يقصدون معمل "أبو صبحي" لبيع ما يجمعونه طوال النهار، نظراً لأسعاره المناسبة مقارنة مع المعامل الأخرى.
ورفض معظم الباحثين عن الخردة الذين يلبسون ثياب ممزقة، الحديث أمام الكاميرة، إلا أن لسان حالهم يقول "عملنا شريف، لم نحصل على فرصة عمل جيدة، لكن نأمل بأن تتحسن الظروف".
العاملات النساء
جمع الخردة ليس حكرا على الرجال فقط، بل يعمل العشرات من النساء اللواتي انخرطن في هذا المجال لمساعدة أسرهن في تأمين لقمة المعيشة.
الشابة سارة خليل العلي درست حتى الصف الثامن الإعدادي، تعمل مع والدتها منذ /4/ سنوات في معمل الخردوات لدى "أبو صبحي"، تقول في حديثها لـ"نورث برس"، إن الظروف المعيشية الصعبة دفعتها للعمل في المعمل.
وتعمل العلي وهي من حي الصالحية، برفقة عدد من العاملات، على فرز وجرش مواد البلاستيك الواردة إلى المعمل، إلا أنها تشكو من ضعف الأجور التي يتقاضونها، حيث تقبض كما نظيراتها العاملات زهاء عملها طوال /8/ ساعات يومياً، مبلغ ألف ليرة سورية (أقل من دولارين)، مطالبة أرباب العمل النظر في وضعهن ورفع أجورهن.
ورغم المضايقات من محيطها الاجتماعي، نتيجة العادات والتقاليد البالية السائدة في المنطقة، إلا أن سارة تقول بأن "العمل ليس عيباً، بل على العكس نعمل لمساعدة عوائلنا في تحمل مصاريف المعيشة".
ورغم قلة الأجور التي يتقاضونها، إلا أن الشابة سارة تعبر عن سعادتها بعملها والتعامل الحسن من قبل رفيقاتها وأصحاب المعمل.