انتهت قمة طهران الثلاثية التي جمعت بوتين وأردوغان ورئيسي، لم يحصل أردوغان على ضوء أخضر لشنّ عمليته العسكرية في شمال سورية، لكن ذلك لم يُثنيه عن التعهُّد بمواصلة تهديداته باسم مكافحة الجماعات الإرهابية. ركّزت القمة على الحل السياسي للأزمة السورية، ووجّهت بوصلتها إلى أولوية خروج القوات الأمريكية من شرق الفرات بوصفها قوات غير شرعية، لكنها لم تُشر إلى وجود قوات الدول المشاركة في القمة، بوصفها خطوة لا بدّ منها للحل السياسي، واستعادة سوريا لعافيتها الوطنية، ولسيادتها، أكدت القمة على تفعيل مسار أستانا في ضوء المتغيّرات الإقليمية والدولية، لكنها لم تُشر إلى مرجعية جنيف والقرار الدولي 2254 الخاص بحلّ الأزمة السورية، وكأن مسار أستانا بات المرجعية الوحيدة للحلّ مع أنه لم يُحقق خطوات سياسية للحلّ، خاصة بعد تجميد أعمال اللجنة الدستورية.
أبدت إيران وروسيا تفهّمها للأمن القومي التركي من بوابة محاربة النزعات الانفصالية غير الموجودة أصلا دون أن تُعطي الاهتمام اللازم لمعاناة السوريين جرّاء الاعتداءات التركية على أهالي شمال شرقي سوريا، وما يُشكّل ذلك من خطرٍ حقيقي على مصيرهم ووجودهم، ومستقبل مناطق واسعة من الشمال السوري التي تحولت إلى بؤرة للجماعات الإرهابية، على رأسها داعش الذي اتخذ من هذه المناطق معقلاً لمواصلة إرهابه، فضلا عن جبهة النصرة التي تعيش في كنف الرعاية التركية حيث باتت تُلوّح بدولة خاصة في إمارته بإدلب. القمة بمخرجاتها، وبيانها الختامي، أكدت حضور طرف رابع فيها، هو الولايات المتحدة الأمريكية، فكانت قمة طهران رسالة لقمة جدة التي حضرها بايدن في إطار السعي الروسي – الأمريكي لخلقِ اصطفافات إقليمية على المستوى العالمي في إطار تداعيات الأزمة الأوكرانية، وعليه بدت قمة طهران محكومة أولاً بالصراع مع الولايات المتحدة، وثانياً بالمصالح الاقتصادية والتجارية بين الدول المشاركة في القمة، أكثر من البحث عن حلّ سياسي للأزمة السورية، ولعل المُعطى الوحيد للتحرُّك إزاء الأزمة السورية، هو بروز حجم الدور الإيراني السّاعي للتحرُّك على خط دمشق – أنقرة رغم أن المسافة بينهما كبيرة جداً، فدمشق تريد استعادة السيطرة على كامل أراضيها، فيما يرى أردوغان أن المناطق السورية الواقعة تحت سيطرته إنجاز له لا يمكن التنازل عنه على أبواب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، في وقتٍ توحّد فيه المعارضة صفوفها للانقضاض على حكمه، وتحمّله مسؤولية الانسداد في سياسته الخارجية حيث يشتد التوتر مع اليونان، ويكبر احتمال الصدام العسكري معها. الخلط في مساحة اشتباك الرؤى والمواقف من الأزمة السورية؛ بدا كبيراً في قمة طهران، لذا تبدو أنها وجّهت الأنظار إلى مسألتين مُهمتين، الأولى تتعلق بما سيسمعه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في طهران عقب القمة، وبما سيأتي المقداد به إلى دمشق. والثانية توجيه الأنظار أكثر إلى شرقي الفرات بوصفه هدف لدول قمة طهران، سواء لجهة المطالبة بالخروج الأمريكي منه دون معرفة كيفية تحقيق ذلك، أو البحث عن دفع التقارب بين دمشق وقسد من دون رؤية سياسية لطالما أن ما جرى في هذا السياق حتى الآن يدخل في إطار أولوية التعاون العسكري على مواجهة التهديدات التركية بعملية عسكرية جديدة دون الولوج في تفاهمات سياسية من أجل الحل السياسي.
الثابت أن قمة طهران أبقت كل شيء في مكانه، لكن الأكيد أنها عمّقت من جروح أردوغان الكثيرة، ووضعته أمام معادلة صعبة ومصيرية، فإما أن يقوم بعملية عسكرية جديدة، ويصطدم بالروسي والإيراني إلى جانب الجيش السوري وقسد، وهو ما سيضعه أمام هزيمة أكيدة، أو أنه يتراجع عن عمليته العسكرية ليدفع الحساب في صناديق الانتخابات التي يرى الجميع أنها النهاية الحتميّة لحكمه، الذي بات أشبه بسفينةٍ تهالكت على وقع الأزمات الكثيرة وانهيار الليرة التركية أمام الدولار.