حلب- نورث برس
لا يزال حسين عجمي(47 عاماً)، يتذكر بحرقةٍ وألم، الساعات الأخيرة التي قضاها في حزم القليل من متاعه، وكيف حثّ الخُطى لركوب الحافلة الأخيرة برفقة زوجته وابنتيه مغادراً بلدته الفوعة بريف إدلب، منتصف العام 2018.
ويرى الرجل الأربعيني، ويسكن حالياً في مدينة حلب، أن تركيا هي المُتسبّب بنزوحه كما حال الآلاف من سكان بلدته وبلدة كفريا، “فهي بشكل غير مباشر قامت بتهجيرنا من منطقتنا وحلّ محلنا موالون لها”.
ويُحمّل نازحون من بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين بريف إدلب ويسكنون حالياً في حلب، تركيا مسؤولية نزوحهم من منازلهم وأراضيهم، وخاصّةً أن البلدتين تعرضتا لحصارٍ خانق خلال الحرب السورية من قبل فصائل المعارضة بدعم تركي، انتهى باتفاق إجلاء كافة السكان.
وقبل الحرب السورية، كان عدد سكان البلدتين يُقدَّر بنحو 50 ألف شخص، لينخفض العدد تدريجياً مع بدء الحرب وسيطرة الفصائل على إدلب، حيث فضّل سكاناً الخروج من البلدتين وقصد مناطق أخرى وخاصة حلب ودمشق.
وتعرّضت البلدتان من قبل فصائل المعارضة لحصارٍ خانق مطلع عام 2017، مع استمرار قصفها بشكلٍ مُكثّف وعنيف.
واستمرّ هذا الحال إلى أن تمّ التوصُّل برعاية تركيا وإيران وقطر وروسيا إلى اتفاق ما يسمى بالبلدات الأربع وهي كفريا والفوعة من جهة، ومضايا والزبداني بريف دمشق من جهة أخرى في آذار/ مارس من العام ذاته.
وحينها تم إجلاء سكان البلدتين مقابل إجلاء عناصر المعارضة والسكان في بلدتي مضايا والزبداني اللتان كانت الحكومة السورية تحاصرهما، واستمرّت عملية الإخلاء حتى العام 2018، حيث تم إخراج السكان على شكل دفعات.
وحالياً يتواجد نحو 2500 نازح من الفوعة وكفريا في منطقة المرجة بالأحياء الشرقية لحلب، وحوالي 3000 شخص في منطقة الحسياء بريف حمص الجنوبي الشرقي، فيما يتوزّع آخرون على مناطق سورية أخرى وغادر قسمٌ منهم البلاد.
ولا يختلف رأي جواد غنّام (34 عاماً)، وهو من سكان بلدة كفريا، عن سابقيه، فهو الآخر يرى أنهم تهجّروا من منازلهم بناءً على تفاهمات واتفاقات تركية إيرانية.
ويُشير الرجل الثلاثيني، الذي يسكن في حلب، إلى أنه كباقي نازحي البلدتين يعيشون ظروفاً صعبة وخاصة في حي المرجة ومنطقة الحسياء بريف حمص، حيث “يعيشون تحت خطّ الفقر”.
ويُضيف، “السكان تركوا ممتلكاتهم ومصادر رزقهم وفرّوا من جحيم الحصار، لكن بعد خروجهم تُركوا لمصيرهم ولم يلتفت إليهم أحد”، في إشارة منه إلى عدم تلقّيهم الدعم.
ولم تنسى بتول عباس(33 عاماً)، رغم مرور سنوات على الحادثة، الأيام التي عاشتها تحت القصف والمشاهد التي شاهدتها حينما استهدفت المعارضة في الخامس عشر من نيسان/ أبريل2017 ، قافلة من الحافلات التي كانت تقلّ الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من البلدتين في منطقة الراشدين غرب حلب.
وأسفر القصف حينها عن مقتل 100 شخص، وفقاً لما تداولته وسائل الإعلام حينها.
تقول “عباس”، التي نجت من التفجير بأعجوبة، “لم يكتفوا بتهجيرنا واقتلاعنا من جذورنا كرهاً، بل لاحقونا على طريق خروجنا وفجّروا الأبرياء وحوّلوهم إلى أشلاء”.
وتضيف السيدة، التي تسكن في شقة متواضعة في حي المرجة بحلب، إنها لم تستطع أن تأخذ من منزلها في الفوعة سوى بعض الألبسة لها ولأطفالها، “وكل ما أملك بات غنيمة بنظر المسلحين”.
وتزيد على ذلك، “الكبير والصغير من أهالي الفوعة وكفريا يُدرك أن كل ما جرى لهم كان ضمن مخطط تركي، أراد تغيير ديموغرافية الشمال السوري تنفيذاً لمصالحهم وأطماعهم”.