إيزيديو رأس العين بين التهجير وآمال العودة

سري كانيه/رأس العين – حسن عبد الله – NPA
" قتلوا مراد رمياً بالرصاص وعلقوا علي وراءهم بالسيارة من قرية الاسدية حتى قرية تل حلف قرب سري كانيه، عندما عرفوا انه لا يزال حيا، أطلقوا عليه الرصاص إلى أن تأكدوا انه مات."
ينظر أبو ريزان إلى قريته بحزن وحسرة، وهو يسرد كيف هجم عناصر من المجاميع المسلحة التابعة للجيش الحر على آخر من تبقى من الإيزيديين في قريته "الاسدية" التي تقع 8 كيلومترات شرق سري كانيه /رأس العين شمال سوريا، حيث كان يسكن أبو ريزان مع عائلته إلى جانب 40 عائلة إيزيدية أخرى ضمن القرية  .
سيطرة وتفريغ
في أواسط شهر آب/اغسطس عام2013 قامت مجموعة تابعة للجيش الحر  حوالي الساعة الثالثة صباحا، بالهجوم على قرية الاسدية، وقتلوا شخصين من أبناء القرية، هما الأخوان علي سعدو، ومراد سعدو،  واثأروا الرعب في القرية مما اضطر من تبقى من أهلها إلى ترك ممتلكاتهم، وهاجر اغلبهم  إلى خارج البلاد، حيث كان الجيش الحر يسيطر على اغلب المنطقة، وبعد أن فرغت القرى الإيزيدية تماما من سكانها قام أفراد من تلك المجاميع بنهب جميع ممتلكاتهم.
 وبحسب  إحصائيات البيت الإيزيدي التي أجرها عام 2012 كان يعيش في سري كانيه أكثر من /3/ آلاف إيزيدي ، يتوزعون بين المدينة وعدة قرى هي: الدريعي – تليلية-  االاسدية – جافا- دردارا-تل صخر -جان تمر- سكرية – قرية السعيد – لزكة -وشيخ حمود، وفي المدينة كان هناك أكثر من 50 عائلة،  كل من تبقى منهم حاليا  فقط 15 عائلات عددهم قرابة 100 نسمة يسكنون المدينة ، بينما فرغت القرى تماما من الإيزيديين.
 وبحسب تلك الإحصائيات كان عدد الإيزيديين في منطقة الجزيرة وحدها  حوالي /15/ ألفا ، فينما كان حوالي /25/الف إيزيدي يسكنون في عفرين والقرى التابعة لها.
يسترسل أبو ريزان حديثه عن العلاقة الطيبة لأهل القرية مع الناس من كل الاديان والطوائف في القرى والمناطق المجاورة لهم، فيما تتراكم الغصة في حلقه و تحيل كلماته الى  تراجيدية تعيد الى الذاكرة  حملات الإبادة المتكررة ضد الإيزيديين على يد جيرانهم.
" كنا في هذه القرية اقرباء و ابناء عمومة نعيش بتآلف مع جميع أهل المنطقة، لكن بعض سكان المنطقة ممن كانوا يعيشون معنا التحقوا بالمجاميع المسلحة، غدروا بنا، جلبوا لنا مجاميع نهبوا كل شيء كان يعود للإيزيديين." يقول أبو ريزان.
يوضح علي شيخو مسؤول البيت الإيزيدي في سري كانيه, وهو من سكان قرية الاسدية سابقا, أن غاية تلك المجموعات من الهجوم على الإيزيديين كان بالأساس استهداف الوجود الكردي في المنطقة " كانوا يريدون إزالة وجودنا من هذه البلاد و الاستيلاء على أرضنا وممتلكاتنا" .
ويستذكر شيخو ليلة  الهجوم على قرية الاسدية بالقول: "أتت سيارة فيها حوالي عشرة رجال مسلحين، وعدة سيارات أخرى طوقت القرية."
يردف قائلاً "قررنا نحن أهل القرية حينها أن لا نقاوم، حيث كان بيننا نساء وأطفال خشينا عليهم، فقد قدم احد جيران القرية من اخبرنا أن لدى المجموعة قوة كبيرة خارج القرية، وطلب منا أن لا نقاوم لأنهم قد ينتقمون من النساء والأطفال ."
ويضيف شيخو "معظم من بقي من الإيزيديين بعد تلك الحادثة قرر الرحيل فقد أصبحت حياتنا وحياة أطفالنا ونساءنا في خطر، مما مهد الطريق لان يتم الاستيلاء على ممتلكاتنا ونهبها، فقد فرغت القرية".
تهجير الإيزيديين
كحال قرية الاسدية فرغت جميع القرى الإيزيدية في سري كانيه بعد حوادث مشابهة من خطف وتهديد ونهب بين عامي 2012 -2013
 ففي صيف 2012 مع بداية الفلتان الأمني في المنطقة، كان النظام لا يزال يحكم المنطقة حينها، اختطفت مجموعة مسلحة مجهولة محمود سلو من قرية خربة البنات/10/ كم جنوب سري كانيه، وهو مزارع وملاك إيزيدي معروف،  وطلب المختطفون فدية /6/ ملايين (كانت تساوي أكثر 60  ألف دولار حينها).
كما خطفوا شخصين من عائلة "المتو" من قرية الجافا ، إلى جانب إرسال رسائل تهديد لكثير من الإيزيديين وكانت النتيجة هجرة اغلب الإيزيديين الى خارج البلاد وفراغ قراهم .
إبراهيم الأحمد من سكان قرية الدردارا يقول:" كانت هناك 8 عائلات إيزيدية في الدردارا يملكون معظم الأراضي في القرية جميعهم رحلوا ولم يبقى منهم احد."
سكان جدد
 سكن في بيوت الإيزيديين عقب عملية التهجير من تلك القرى عوائل  قدمت من الرقة وجبل كزوان "عبد العزيز" ودير الزور والمناطق المجاورة تعمل في الزراعة وتربية الأغنام، إلى جانب عائلات أخرى افرادها إما موظفون في مؤسسات عسكرية، او مدنيون، اتوا طمعا بمساحاتها الزراعية و قربها من مدينة سري كانييه، ووضع تلك القرى الجيد مقارنة بغيرها، حيث البيوت الإسمنتية و الاحواش المشجرة.
 عزيز الملا وكيل لأحد سكان قرية الاسدية وهو عربي مسلم يعيش في القرية منذ قرابة 15 عام يسمي الاسدية بـ "المجروحة" لما ألمّ  بها ويقول:" كانت القرية جنة صغيرة، لكن طردوا سكانها الأصليين، وسكن فيها آخرون، فقد نهبوا منها أموال تقدر بالملايين وسُرقت حتى أبواب المنازل منها، وضعها مأساوي. هناك ممن سكن في القرى الإيزيدية من يقوم بتخريبها عمدا يريدون إزالة اثر سكانها الأصليين."
يقول علي شيخو:" بعض من سكن القرى الإيزيدية  فلاحون لدى الملاكين أو المستأجرين ولديهم إذن من أصحاب المنازل،  بينما آخرون هم عناصر في المؤسسات العسكرية يرفضون إخلاء البيوت بالرغم من أننا،  بناء على طلب أصحاب تلك البيوت طالبناهم وطالبنا الجهات المعنية في الإدارة الذاتية بان تقوم بإخلاء المنازل التي لا يملك ساكنوها إذناً من أصحابها ، تمهيدا وتشجيعا على عودة السكان الأصليين، لكننا لم نتلقى أية استجابة أو جهد يذكر من قبل تلك الجهات بهذا الخصوص."
"عاد عدد منهم بعد تحسن الوضع الأمني في المنطقة، وهناك أكثر من عائلة إيزيدية  تسكن في بيوت أجار في مدينة سري كانيه، بينما يسكن غرباء في بيوتهم ". وفقا لشيخو
 عمر سمعو من سكان قرية الجافا عاد قبل فترة إلى قريته وشاهد بيته يُنهب ويسكن فيه غرباء فقرر العودة إلى أوربا .
ويضيف  شيخو:"إن تعامل الإدارة الذاتية  معنا سيء للغاية، إنهم لا يقدرون أوضاعنا، والساكنون الجدد يطمحون في البقاء في بيوتنا، وأن تبقى أملاك الإيزيديين لهم، بينهم عسكريون يرفضون اخلاء المنازل انهم يستقوون بقياداتهم. "
"مستعدون لإخلاء البيوت"
 اثناء استقصائنا ظروف السكان الجدد رأينا تباينا في أوضاعهم، حيث أن اغلب تلك العائلات أفرادها عناصر في مؤسسات عسكرية، أو فلاحون لدى الملاكين أو المستأجرين، أو نازحون من أماكن بعيدة هربوا من الحرب او من اماكن قريبة, اغلبهم لم يكن هناك داع مقنع لبقائه في القرية, كون مناطقهم محررة منذ سنوات كما أن مساكنهم لا تزال قائمة بحسب ما أوضحوه ل "نورث برس"، ولكن اغلبهم أعرب عن استعداده لإخلاء تلك المنازل في حال قدم أصحابها الأصليين أو أمنت الإدارة مساكن بديلة لهم .
عزيز احمد العبيد من سكان الرقة يسكن في دار علي سعدو في قرية الاسدية، لديه  4 من أفراد اسرته في صفوف القوات العسكرية، يخدم بعضهم في سري كانيه، وبعضهم في اماكن اخرى، يؤكد انه قام بالمحافظة على الدار وصيانتها بعد ان كانت قد تعرضت للنهب  وتم خلع الابواب والنوافذ من البيت بالكامل. لكن العبيد لا يريد العودة الى الرقة بالرغم من ان داره هناك غير مهدمة ، لكنه سيسعى الى ان يؤمن لنفسه مسكنا في المنطقة قبل ان يخلي هذه الدار.  
أما محمد عبد الله الخضر, عسكري مجند لدى النظام السوري, وهو من حوش النعيم /30/كم غرب تل تمر تسكن عائلته في قرية الجافا يعملون كعمال في المنطقة يؤكد انهم سيقومون بإخلاء البيت العائد لشخص إيزيدي اذا عاد اصحابه من المهجر وطالبوهم بالخروج. 
وتتمنى عائلة احمد سالم العلي  من سكان المبروكة /40/كم جنوب سري كانيه، وهو موظف في ادارة المرور في سري كانيه، ان لا يتم اخراجهم من مكان سكنهم في الاسدية "كون هذه الدار اقرب الى مكان عمل رب المنزل."
بخصوص  مساعيهم لتحسين الظروف و تشجيع الإيزيديين على العودة إلى البلاد أوضح إلياس شيخموس ممثل الإيزيديين في الإدارة الذاتية :" عقدنا عدة اجتماعات وتناقشنا بهذا الخصوص عدة مرات في الإدارة الذاتية، وكان آخر تلك الاجتماعات مع قيادات وحدات حماية الشعب  YPG بخصوص العمل على إخراج عائلات مقاتلين في صفوفهم يسكنون القرى الإيزيدية، التي سكنوا فيها بعد ان رأوها خالية ، وقد رفض بعضهم الخروج من المنازل، حينما عاد اصاحبها وطُلب منهم الخروج ، و قد طالبنا القيادات العسكرية أن تقوم بحلّ هذه  المشكلة باسرع وقت ممكن،  وهم من جانبهم وعدونا بذلك."
وقد تم بالفعل إعادة منزل في مدينة سري كانيه يعود لمالك إيزيدي لأصحابه حتى الآن، بعد ان تدخل مسؤولون، كما تم إخلاء منزل في قرية خربة البنات يعود لعائلة سلو حيث يقوم افراد من العائلة بزيارة المنطقة بين الحين والاخر قادمين من المهجر .
واكد المسؤول الإيزيدي انهم يسعون لحل مسألة اخلاء القرى الإيزيدية اجتماعيا "عن طريق الوجهاء قبل اتخاذ اي اجراءات اخرى، على أمل أن يعود عدد اكبر من الإيزيدين في المستقبل."
وبين تهجير الإيزيديين على يد مجاميع متطرفة وبين املهم في العودة الى قراهم, سنوات من الاستقرار تحت سلطة الادارة الذاتية  يبدو انها لم تكن كافية لطمأنة وتشجيع الإيزيديين بالعودة الى بيوتهم.