حرفي بريف إدلب يتشبّث بمهنته التي تدنو من الزوال

إدلب- نورث برس

في غرفة متواضعة بمدينة سلقين شمالي إدلب، وبأدوات بسيطة ينهمك مصطفى خضر (60 عاماً)، في تبييض آنية نحاسية لأحد جيرانه مقابل مبلغ لا يتجاوز 20 ليرة تركية.

وينظر الحرفي بعين الخائف على مستقبل مهنته التي أوشكت أن تزول، وخاصةً أنه لم يبقَ أحد سواه بسلقين يعمل في تبييض النحاسيات، بعدما تركها جميع أقرانه خلال السنوات الماضية.

وفي مقارنة بين عدد العاملين في مهنته سابقاً وحالياً، يتوقّع الرجل الستّيني، أن لا يستمر العمل فيها طويلاً في ظلّ انكفاء الشباب عن العمل بها واقتصارها على جيل تخطّى الستين من عمره.

يقول متحسراً على ذلك بلهجته المحليّة، “حالياً ما حدا عم يمارس المهنة في المنطقة، بتمنى أنو ناس كتير تتعلم وتشتغل بهالمهنة”.

وتبييض النحاس هي مهنة تقليدية قديمة يقوم من خلالها الحرفي بتنظيف الأواني النحاسية التي أصابتها الشوائب والتفاعلات الكيماوية التي تصل حد السموم، فيقوم “المبيّض” بإزالة طبقة الصدأ السامّة وطليها بالقصدير وتلميعها وإعادة صلاحيتها للاستخدام.

وقبل الحرب، كان السكان وخاصة في القرى ينتظرون مبيّض النحاس لإعادة النحاسيات، التي كان الاستعمال المتكرر لها يؤثر على لونها، فيُعيد لها ألوانها الطبيعية وكانت الأجرة تختلف بحسب حجم الآنية.

وكان الحرفيّ يمكث في القرية، سواءً بمفرده أو برفقة عائلته لأيام أو لأسابيع ولا يغادرها حتى ينتهي من تبييض جميع النحاسيات لينتقل بعد ذلك إلى قرية أخرى.

لكن في المدن، كان المُبيّضون يقيمون في محالهم ويستقبلون أوعية الزبائن للعمل عليها.

ومع تطوّر الأواني المنزلية، بات السكان يستخدمون المعادن سهلة الاستخدام والتنظيف بدلاً من النحاس، مما أدى لانحسار هذه المهنة.

أكثر من ثلاثين عاماً

ويتحدث الحرفيّ عن مشوراه في هذه المهنة التي قضى أكثر من ثلاثين عاماً في ممارستها، فمنذ أن كان شاباً فتيّاً كان يرتاد محل جدّه بشكل شبه يومي ويراقب عمله ويساعده أحياناً حتى أتقن مهنته وأصبح “شيخ الكار”، حسب وصف زبائنه له.

لكن ذلك لم يكن بالأمر الهيّن، فقد عمل لمدة أربعة أعوام لدى صاحب محل تبييض النحاس بمدينة حلب ما بين عامي 1990 و1994.

يقول مستذكراً تلك الأيام، “تعبت على حالي كتير في سبيل أتعلم وأكتسب الخبرة وجيب معي مهنة مهمّة على سلقين وجبتها معي الحمد لله”.

يُضيف الرجل: “أنا بحب مهنتي كتير، يعني بالبيت لما بشوف ركوة مسودّة من الغاز ومن النار بجيبها لحالي بظبطها و بفركها لحتى تصير تلمع، عندي رغبة بتظبيط الغراض القديمة”.

ويجني الرجل من عمله هذا أرباحاً تصل إلى 60 ليرة تركية يومياً (14 ألف ليرة سورية)، حيث يصل مردوده الشهري لنحو 240 ألف ليرة سورية، يقل أو يزيد بحسب عدد الزبائن.

اضطرّ الحرفي عام 2009، للانقطاع عن مهنته بسبب وضعه الصحي، إذ أجرى حينها عملية قلب مفتوح، وبعد تعافيه عمل في تصليح الدرجات النارية والمولدات الكهربائية.

ويقول: “لكن العمل على تصليح المولّدات متعب، لهيك رجعت أحيي هي المصلحة من جديد وبلشت بتلبيس المعادن عالشغلات البسيطة وبإمكانات ضعيفة”.

صعوبات

ورغم تقدّمه في العمر، لا يتمكن الحرفي أن يُشغّل أحداً لديه لمساعدته في العمل، ويعاني صعوبات بسبب وضعه المادي الذي لا يسمح له بتحديث معداته لتطوير عمله،  لأن “الدخل كتير بسيط”، وفقاً لما يذكره لنورث برس.

ويُضيف، بينما كان يعرض النحاسيات التي أعاد إليها لونها، “يلي عم أنتجو دوبو يكفي أكل وشرب، يعني الدخل والشغل بسيط والأمور تعبانة مع كل الناس”، في إشارة منه إلى تردي الوضع الاقتصادي للسكان.

ولضعف إمكاناته وعجزه عن شراء أدوات العمل المتطورة، يعتمد الرجل على إنجاز عمله يدوياً لوحده، مستخدماً أدوات بسيطة جداً كمغاطس صغيرة وفرشايات تلميع.

ويستطيع “خضر”، صناعة خواتم من الفضة للنساء والرجال، “لكن ليس لدي أدوات لإنجاز ذلك”، بحسب قوله.

ولكن يبدو راضياً عن عمله إذ يقول: “هلق في الوقت الحالي شغلي كله على إيدي، الشغل كتير كويس والناس مبسوطين بالشغل، بتمنى طوره أكتر ويصير عنا مواد وأنتيكا وتُحف أكتر”.

ورغم مخاطر المهنة وصعوبتها، وخاصة أن النحاس يحتاج إلى جهد كبير في تنظيفه، وقلة المردود، يرفض الحرفيّ التخلّي عنها ويسعى جاهداً لتوريثها لأحد أولاد شقيقه، بعد أن رفض أولاده تعلمها وسافروا خارج البلاد.

ويقول، بينما يستمر في عمله، بلهجته المحلية، “رح ورثه ياها إن شالله، رح علمو في سبيل تضل المصلحة شغّالة”.

 إعداد: إبراهيم الحسن- تحرير: سوزدار محمد