منذر خدام
قليلة هي الحالات التي طُبّقت فيها الحماية الدولية بقرار من مجلس الأمن الدولي، ربما تكون هاييتي وليبيا وساحل العاج حالات خاصة رغم اختلاف الأسباب. بالنسبة لهاييتي كان السبب حماية السكان من الفوضى الناجمة عن الزلزال الشهير الذي ضرب الجزيرة وخلَّف دماراً هائلاً، إضافة إلى التناحر الذي كان قائماً بين السياسيين والذي كاد يتسبب بحرب أهلية. أما بالنسبة لليبيا فالسبب المعلن كان حماية المدنيين، أما في التطبيق العملي فكان المقصود إسقاط نظام القذّافي، وهناك حالة ثالثة تدخّلت فيها الأمم المتحدة وهي ساحل العاج وذلك من أجل إيقاف الحرب الأهلية التي تسبب بها السياسيون، وللإشراف على عملية التحوّل الديمقراطي وإجراء انتخابات رئاسية جديدة.
هناك حالات كثيرة تدخّلت فيها الأمم المتحدة لإنجاز مهام جزئية محددة، وتطّلب ذلك منها إرسال قوات عسكرية، مثلاً تدخلها في الحرب الكورية، وفي حرب استقلال كوسوفو، وفي جنوب السودان، وللإشراف على وقف إطلاق النار بين كل من لبنان وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وغيرها كثير.
أما من خارج الأمم المتحدة فالتدخّلات الدولية الفردية أو الجماعية تحت عنوان الحماية الدولية أكثر من أن تُحصى، فخلال الحرب الباردة بين المعسكر السوفييتي والمعسكر الأميركي كانت روسيا وأميركا تمنحان الحماية الشاملة لحلفائهما، وكان يكفي أن تُحسب دولة من الدول على أحد المعسكرين حتى تحظى بحمايته. وفي الوقت الرّاهن لازالت دول حلف الأطلسي في مقدمة الدول التي تقدم الحماية لغيرها من الدول، وبصورة خاصة؛ فهي تحمي دول الخليج العربي وإسرائيل وكوسوفو وجورجيا والعراق وغيرها من الدول. وفي الغالب الأعم كانت الحماية الدولية تأخذ شكلاً قانونياً من خلال قرارات مجلس الأمن أو من خلال إبرام اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف، خصوصاً في حال تطلّبت الاستمرارية والانتظام لأجل طويل.
وإذا كانت الحماية الدولية في السابق تشكل حاجة سياسية أو استراتيجية، أي أنها كانت تخضع لحسابات المصالح، فهي اليوم في كثير من الحالات، بدأت تُشكّل حاجة أخلاقية وإنسانية تحت ضغط ما يمكن تسميته بـ”المجتمع الإنساني الدولي”، إلى جانب كونها حاجة سياسيّة، لم يعُد مثلاً مقبولاً دولياً وإنسانياً التمادي في قمع الشعوب، وارتكاب المجازر بحقها بدون مساءلة. فإذا أمكن التغاضي عن سقوط أكثر من مليون قتيل في رواندا وبوروندي من جرّاء الحرب الأهلية العرقية التي حصلت في البلدين. وإذا كان المجتمع الدولي لا يزال يُبدي عجزاً عن التدخُّل لحل العديد من القضايا ذات الطّابع الإنساني في العديد من الدول، رغم عيون ورقابة المحكمة الجنائية الدولية، لا بدّ من الإقرار بأن الوضع الدولي صار شديد التداخل والترابط، مما أدى لتغيير مفاهيم وسياسات كثيرة. مثلاً لم يعُد ذو أهمية يعتدُّ بها مفهوم “الاستقلال الوطني”، أو “سيادة الدول” على إقليمها، أو “أولوية” العوامل الداخلية على الخارجية في تقرير مصير الشعوب والدول، وصارت الأولوية للقانون الإنساني العام على ما عداه من قوانين، وفي حالات ليست قليلة صارت الإرادة المشتركة لشعوب العالم هي العُليا.
من الناحية النظريّة يُعدُّ شعار “الحماية الدولية” خاطئاً، إذا لم يستند إلى أسس قانونية تُجيزه، أو موضوع يبرره. فمن وجهة نظر القانون الدولي الإنساني، إن الحالة السورية تعدُّ نموذجية تبرر التدخل الدولي لفرض الحماية للشعب السوري، إذ بلغت الأزمة في سورية حدَّ الكارثة الإنسانية الشاملة. غير أن للمختصّين في القانون الدولي الإنساني رأي آخر، يعود إلى تنازع المصالح الدولية مما تسبب في تعطيل قدرة مجلس الأمن على التدخُّل لتنفيذ قراراته العديدة التي اتخذها بصددها. مع ذلك كان طرح الشعار في المراحل المبكرة من الانتفاضة السورية خاطئاً، وقدَّم خدمة كبيرة للنظام، وذلك للأسباب الآتية:
أ- الرسالة الخاطئة التي حملها الشعار للشعب السوري والتي عبَّرت عن المأزق الذي وصلت إليه الانتفاضة وعن فقدان صبرها وقدرتها على التحمل.
ب- عجز القوى السياسية المعارضة من صوغ الشعارات المناسبة، واستكشاف طرق جديدة للاحتجاج، تُخفف من قدرة النظام على مواجهتها، وتحدُّ من خسائرها.
ت-لم يستند رفع الشعار إلى رؤية دقيقة للواقع الدولي وحقيقة انقسامه تجاه الشأن السوري، بل لم يستند الشعار إلى حقيقة مواقف الدول الغربية الداعمة للانتفاضة، والتي رفضت في حينه التدخل العسكري، أو فرض أي نوع من أنواع الحماية الدولية المعروفة (مثلاً إرسال مراقبين دوليين) قد يضعها على طريق التدخل العسكري.
ج-لم يستند الشعار وغيره من شعارات الانتفاضة إلى تحليل ملموس للواقع السوري وممكنات تحمله لمثل هذه الشعارات، الأمر الذي ساهم في تعزيز الخوف لدى فئات اجتماعية كثيرة، نجح النظام أصلاً في تخويفها من خلال ما جرى في العراق وفي ليبيا من دمار.
اليوم سوريا خاضعة عملياً لحماية عدة دول، كُلٌ منها تفرض حمايتها في منطقة نفوذها ليس لأسباب إنسانية للأسف، ولا لأسباب تتعلق بمصالح الشعب السوري ومستقبله، بل بدفع من مصالحها السياسية والاستراتيجية.