بموجب خطة وزارة العمل اللبنانية.. اللاجئون السوريون مهددون بخسارة مصادر رزقهم

بيروت ـ ليال خروبي ـ NPA

يعيشُ العمّال السوريون في لبنان أوضاعاً مضطربة على خلفيّة الحملة التي أطلقها وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان، مطلع الشهر الحالي، تحت عنوان “مكافحة العمالة غير الشرعية على الأراضي اللبنانية”، والتي أمهلت العمّال الأجانب ( بينهم السوريون) وأرباب عملهم اللبنانيين وأصحاب المحال والمؤسسات الأجانب والسوريون حتى التاسع من تموز/يوليو المقبل، لتسوية أوضاعهم القانونية تحت طائلة التغريم وإقفال المؤسّسة.
ولئن شهدت الفترة الماضية تكثيف عمليات إقفال عددٍ من المحال التجارية التي يديرها سوريون في عددٍ من المناطق اللبنانية لأنها “غير شرعية”، فإنَّ الثلث الثاني من شهر تموز المقبل سيمثّلُ ذروةَ هذه العمليات مع انتهاء المهلة التي حددتها وزارة العمل وفق الخطّة.
لكنْ وقبل انتهاء المهلة، شهدَ مطلع الأسبوع الحالي حملةً نفّذها حرس بلدية بيروت بأمرٍ من المحافظ زياد شبيب، على المحلات التجارية في نطاق بلدية بيروتْ حيثُ قاموا بعمليات استقصاءٍ عن العمّال الأجانب غير المستحصلين على إجازات عملْ.
“نورث برس” جالت في شارع الحمرا في لبنان وهو من بين المناطق التي حصلت فيها حملاتُ التفتيش من قبل حرسِ البلديّة، وحاولتْ استصراحَ العاملين السوريين عن قصصهم لكنَّ الأغلب الأعمّ منهم تكتم عن الحديث إلى الإعلام بسبب خوفهم من أن يفتحوا على أنفسهم “أبواب مغلّقة” حسب تعبير أحدهم.
وقد تحدّث صاحبُ أحد المطاعم إلى “نورث برس” رافضاً الكشفَ عنْ هويتّه حيثُ قال: “الوزارة تريد مكافحة العمالة الأجنبيّة لمحاربة البطالة المتفشيّة بين اللبنانيين لكن نحنُ نواجه مشكلة حقيقية في الإقبال اللبناني على الوظائف عندنا، فمثلاً “معلم الشاورما” لديّ يعمل منذ مدة تزيد على /7/ سنوات وهو سوريّ الجنسية، وإذا أردت الاستغناء عنه بموجب قانون العمل اللبناني الذي لا يمنح إجازات عمل للسوريين إلا ضمن قطاعات البناء والزراعة والنظافة فإنَّ الحصول على بديلٍ لبناني لن يكون سهلاً خاصةً وأن اللبنانيين يطلبون رواتب مرتفعة مقارنةً بالرواتب التي يتقاضاها السوريون.” 
الوافدون سبب البطالة 

يُقدّرُ البنك الدولي نسبة البطالة في لبنان بنحو 20% من مجمل القوى العاملة، فيما تحمّلُ وزارة العمل وبعض القوى السياسية في لبنان مسؤولية البطالة للعمالة الأجنبية وتحديدا السورية منها. 
وبهذا الخصوص صرح وزير العمل كميل أبو سليمان خلال إطلاقه للخطة: “لبنان يعاني من أزمة حادة في العمالة الأجنبية غير الشرعية، وقد تعاظمت مع تدفق النازحين السوريين نتيجة الفوضى إن لم نقل الاستخفاف من قبل السلطة اللبنانية في مقاربة هذا الملف”.
أمّا بنود الخطة الرئيسية فشملت التشدد في إعطاء إجازات العمل للأجانب وإنشاء غرفة عمليات مشتركة بين الوزارة وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة لتحرير محاضر بالمخالفين بعد انتهاء المهلة، إضافةً إلى إغلاق كل مؤسسة تجارية يديرها أجنبي يقل رأسمالها عن /100/ مليون ليرة لبنانية ما يعادل /66/ ألف دولار أمريكي مع اشتراط أن تكون 75% من العمالة لبنانية ما ينذر بإقفال مئات المحال التجارية التي يديرها سوريون بالفترة المقبلة.
وعن سريان الخطة تحدثت “نورث برس” مع مدير عام وزارة العمل جورج إيدا، الذي أكّد أَّنّ هناك إقبالا كبيرا من جانب أرباب العمل والعمال المخالفين للإستحصالِ على إجازات عمل.
وحول العمال السوريين الذين يعملون في قطاعات لا يتيحها قانون العمل وبالتالي لا يستحصلون على إجازات بموجبه: “نحنُ نعطي إجازات عمل حتى خارج القطعات المسموح بها ولكن ضمن شروط محددة أهمها أن لا يكون هناك متقدمين لبنانيين للوظيفة التي يشغلها سوريّ، ونحن سنستقبل طلبات حتى بعد انتهاء المهلة”.
ويضيف ايدا: “المسؤولية بالأساس تقع على عاتق رب العمل الذي يُشغِّلُ عاملا أجنبيا من دون إجازة عمل، والعامل الأجنبي قد يخسر عمله ولكن صاحب المؤسسة سيغرم.”
وعن سؤال نورث برس حول توقيت الحملة الذي تزامن مع قرارات بالجملة اتخذها مجلس الدفاع الأعلى بشأن ترحيل السوريين الداخلين خلسة وهدم الخيم الاسمنتية في المخيمات ينفي ايدا وجود نوايا مبيتة لدى الوزارة للضغط على النازحين السوريين ويوضح: “الخطة نعمل عليها منذ مدة وهي لا تستهدف السوريين حصرا بل كل العمالة الأجنبية، وممنوع على عامل أجنبي على الأراضي اللبنانية أن يعمل بطريقة غير شرعية، وعلينا أن ننتبه إلى مسألة أن النازح السوري الذي يحمل بطاقة نازح لا يحق له بالأساس أن يعمل وبالتالي الخطة لا تطال النازحين بل العاملين بشكل غير شرعي.”
مقاربةٌ موازية
أظهرت نتائج دراسة نشرتها الجامعة الأمريكية في بيروت مؤخراً، أن السوريين يعدون أحد أبرز محرّكي العجلة الاقتصاديّة في لبنان، كونهم “يساهمون بقيمة /1.25/ مليار دولار سنويا في الاقتصاد اللبناني، ويدفعون نحو /30/ مليون دولار شهرياً بدل سكن و/20/ مليون بدل غذاء، فيما استحدثوا /12/ ألف وظيفة جديدة بين اللبنانيين خلال عام، وفقط 6% من السوريين افتتح محلات، فيما يعمل 29% من الشباب السوري، 86% منهم يعمل في القطاعات المسموح بها في قانون العمل اللبناني”.
وفي حينْ تعترف وزارة العمل اللبنانية أنها لا تمتلك إحصائيات رسمية موثقة حول واقع العمالة الأجنبية في لبنان ومنها السورية، فإنها لا تقدّم أيّ إيضاح حولَ كيفية مساهمتها في الحد من البطالة المتفشية بين الشباب اللبناني والتي توضح الدراسات أنها منتشرة بنسبة كبيرة بين شريحة الخريجين الجامعيين.
كما أنَّ المفوضية العليا للاجئين لم تمنح منذ العام 2015 صفة لاجئ للهاربين من الحرب السورية إلا في حالاتٍ استثنائية، في وقتٍ يُطلبُ من القادمين من نير الحرب استحصال إقامات عمل أو سياحة أو تعليم قبل دخولهم عبر المعابر الرسمية وإلا اعتبروا داخلين “خلسة” إذا لم يوفروا المستندات المطلوبة ودخلوا عبر معابر غير رسمية، ما يعني أنَّ السوريين الذين هربوا من نير الحرب بعد الـ 2015 لم يستحصلوا على مساعدات إنسانية من الأمم، واضطر بعضهم للعمل من دون تسوية أوضاعهم القانونية. 
وفي ظلّ هذا الواقع الذي يفتقد إلى مقاربة سياسية لبنانية موحدة وإلى منظومة قانونية وحقوقية في البلاد تضمن حقوق اللاجئين السوريين، وتنظّمُ وجوده وفق حاجاتٍ ومتطلباتٍ فعلية للمجتمعات المضيفة، يواجه كثيرٌ من السوريين مخاطرَ في خسارةِ مصادر رزقهم في وقتٍ لا يملكون بديلاً آخر.