القاهرة- محمد أبوزيد- NPA
“فقدتُ أمي وأبي في سوريا، أصيبا في قصف على حلب، جئتُ إلى مصر برفقة عمي، الذي تركني بعد ذلك لأواجه مصيراً غامضاً، اتنقل بين دور رعاية الأيتام”.
بلهجة مصرية صافية لا تُخالطها أية ألفاظ سوريّة يتحدث المراهق السوري عاطف رجب محمد إبراهيم (18 عاماً، من مواليد مدينة حلب) لـ”نورث برس” عن قصته المُلهمة من فقدان أهله وحتى شق طريقه إلى المستقبل.
كان عاطف طفلاً عندما انطلقت شرارة الأحداث في سوريا في العام 2011، خططت عائلته مع بداية الحرب إلى اللجوء إلى مصر التي كانت تفتح ذراعيها آنذاك للسوريين للدخول، لكنَّ “القدر سبقهما”، ليحصد الموت روحي والده ووالدته بعد أن أصيبا معاً في قصف حلب في البداية، ويفقد أخيه بعد ذلك، ليأتي إلى مصر كما كان يُخطط والداه، ولكن برفقة عمه.
يتحدث عاطف بلهجة مصرية خالصة، على اعتبار أنه جاء إلى مصر منذ تسع سنوات كاملة، عاش طفولته وبدايات مراهقته فيها، واكتسب خبرات طويلة إلى جانب لهجة أهل البلد وعاداتهم وتقاليدهم، قائلاً: “عشت مع عمي في مدينة السادس من أكتوبر لمدة أربع سنوات.. بعد ذلك طردني عمي”.
ظروف صعبة
تخلي عمّه عنه كان الصدمة الثانية بعد فجيعتيه في والديه وأخيه الذي تاها عن بعضهما البعض، حتى التحق بأحد دور رعاية الأيتام في إلمنيا (جنوب مصر) بدعم من “أهل الخير”، ومنها إلى مؤسسة الحرية للرعاية الاجتماعية بالعاصمة المصرية “القاهرة” ليبدأ منها حياته العملية وشق طريق مستقبله لتحقيق حلمه في الالتحاق بكلية “الهندسة”.
خلال تلك الرحلة لم يترك عاطف التعليم، يقول: “أنا الآن في المرحلة الإعدادية، حلمي أن أحصل على الشهادة، وأن أصير مهندساً، جئت إلى مصر منذ تسع سنوات، ومنذ ذلك الحين لم أنقطع عن التعليم”، سواء كان في مدينة السادس من أكتوبر لدى مكوثه مع عمه أو في المركز الجنوبي الذي التحق به أو بالمؤسسة الحالية التي دخلها منذ عامين، وقد كان في الصف السادس الابتدائي آنذاك.
ويضيف “إضافة إلى التعليم، فأنا أمارس نشاطًا فنياً وثقافياً، ألعب كرة قدم وأتعلم الرسم والسباحة في المركز”، ذلك جنباً إلى جنب مع التأهيل المهني الذي تحرص المؤسسة على دعمي به.
ويتابع عاطف حديثه “جئت إلى مؤسسة الحرية، أدرس هنا وأتعلم الموسيقى وألعب كرة وأنزل حمام السباحة وحاجات كثيرة، عملت في مصنع للأحذية في مدينة العاشر من رمضان مع عائلة سورية، تعلمت الوقوف على الماكينة وتعلمت صناعة الأحذية، لكنهم أغلقوا المصنع ولم يكن لي نصيب في استكمال العمل.. الآن المؤسسة وفرت لي عملاً في مدينة شرم الشيخ، وسأذهب خلال أيام للعمل به، إلى جانب دراستي”.
دعم وتأهيل
محمود عبد السلام مدير مؤسسة الحرية للرعاية الاجتماعية، (من مؤسسات الرعاية التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي في مصر) يقول لـ”نورث برس” عن عاطف: “عاطف كانت له ظروف صعبة، ظروف خروجه من سوريا وفقدانه أهله في حلب أثناء القصف، وقد كان له أخٌ لكنهما تاها عن بعضهما البعض، كان في مؤسسات للرعاية الاجتماعية في الوجه القبلي في مصر، قبل أن يأتي المؤسسة في العاصمة، اشتغلنا معه وحالياً نُجهز له فرصة عمل في مصنع موبيليا في شرم الشيخ (جنوب سيناء) يتضمن سكناً وعملاً له تحت إشراف المؤسسة وبمتابعة من قبل مكاتب الرعاية في جنوب سيناء”.
ما أسهم في إنجاح تلك الخطوة والجهود الحثيثة في رعايته وتدريبه وتعليمه، أن عاطف لديه حرص شديد على مواصلة مسيرته على رغم مما لاقاه من متاعب. لديه حلم لا يبارحه.
دار رعاية
إيمان محمد نجيب، أخصائية اجتماعية بمؤسسة الحرية، تقول لـ”نورث برس” عن حالة عاطف، إنه جاء إلى المؤسسة قبل أكثر من عامين، وقد كان حينها في الصف السادس الابتدائي، قادماً من إحدى دور الرعاية في إلمنيا (جنوب مصر).
وتضيف: “عاطف سوري الجنسية، كان تأقلمه في البداية صعباً جداً مع الأولاد الآخرين في المؤسسة، لكن تدريجياً بدأ يكوِّن صداقات معهم ويتأقلم.. كان خجولاً جداً في البداية ومنطوياً، ولم يكن يشارك في أي نشاط.. بدأتُ أعطيه دور القيادة والمسؤولية وبدأ هو يتحرك ويدخل في أنشطة مختلفة مع الأولاد”.
على رغم الأهوال والمآسي التي لاقوها في بلدهم، إلا أن السوريين لا يزالون يضربون المثل في التحدي في بلدان اللجوء، رجالاً أو نساءً كانوا، شباباً أو أطفالاً.