أزمة السكن في اللاذقية بين الأخلاق والواقع الاقتصادي

اللاذقية – عليسة أحمد – NPA

تشهد أسعار العقارات فوضى غير مسبوقة في ظل موجة الغلاء وارتفاع الدولار وتأثيراته على أسعار المواد الخاصة سواء بالبناء أو الإكساء وغياب الرقابة المباشرة عن موضوع التسعير ومراقبة السوق العقارية، حيث بات الأمر متروكاً وفق ما يستهويه أصحاب العقارات.
ففي خضم هذا الغلاء يتخبط المواطن بحثاً عن سكن يؤويه، فامتلاك منزل بات حلماً بالنسبة للمواطن السوري.
ارتفاع الأسعار
أسعار العقارات في اللاذقية ليست كباقي المحافظات ولكن رغم ذلك فالأسعار عالية جداً ولا تناسب أصحاب الدخل المحدود الذين يشكلون غالبية المجتمع السوري، وحول هذا الموضوع استطلعت “نورث برس” آراء الشارع في اللاذقية.
وضح علي محمد أحد أهالي المنطقة أن أغلب الشبان “يعيشون في قلق وعدم استقرار فيما إذا فكروا في تكوين أسرة لصعوبة تأمين السكن، إذ أن التورط بالسكن ضمن الآجار سيجعل من الباحث عن الاستقرار رهين حاجته ومالك العقار، والأهم أن دخله المحدود بالكاد يكفي أموره المعيشية”.
وتابع علي أنه “هناك تفاوت في أرقام التسعيرة بين منطقة وأخرى، وهذا خلق تفاوت طبقي واضح وجعل السكن ضمن إطار المدينة حلم صعب التحقق وميزة لذوي الدخول المرتفعة حصراً”.
بينما اعتبرت علياء حسن أن الجمعيات السكنية في ظاهرها من الممكن أن تحل أزمة الحصول على سكن، لكنها وسيلة غير مجدية بالمنظور القريب، “وعليك أن تتحلى بالصبر والانتظار الذي قد يصل لسنوات حتى تحصل على السكن المخصص”.
ويقول أحمد مصطفى، والمقبل على الزواج، إن عليه القيام برحلة بحث طويلة للوصول إلى سكن مقبول بسعر ملائم لدخله.
 
فيما اعتبر هشام العاصي، الذي يعمل كوسيط عقاري (سمسار)، أن شكوى المواطن من أزمة السكن محقة فأسعار العقارات تختلف من منطقة إلى أخرى ضمن المدينة مع أنها متشابهة من حيث المواصفات.
وتابع هشام بأن الوسيط لا يتدخل بالسعر “فصاحب العقار هو من يفرض سعره ومهمة الوسيط إيجاد الشاري المناسب” واصفاً مسألة سكن الفقراء للمدينة بـ”الأمر المستحيل”.
ويصنف هشام ما يقوم به مالكي العقارات بـ”الاستغلال” معتبراً أن صاحب العقار المؤجر يمكن أن يجني سعر عقاره بتأجيره خلال عامين أو أكثر.
ويضيف أنه لا يمكن حصر السعر “فمثلاً آجار منزل في منطقة الزراعة المحاذية للجامعة – كونها الأكثر طلباً- يتراوح من /60/ حتى /225/ ألف مع سلفة لا تقل عن ثلاثة أشهر، والمنزل الفارغ لا يختلف كثيراً بالسعر عن المنزل المفروش”.
بينما وصفت خيرية الشاطر أن السكن بريف اللاذقية جيد في حال لو كانت المواصلات مؤمنة بشكل جيد بين الريف والمدينة على مدار اليوم، “فالسعر يتراوح بين /15/ ألف حتى /20/ ألف في حال الإيجار وبين /50/ ألف حتى /150/ ألف للمتر الواحد في حال الشراء”.
طلاب الجامعات
حتى طلاب الجامعات لم ينجوا من دوامة السكن كما يروي علاء سلام، الطالب الجامعي القادم من دمشق للدراسة في جامعة تشرين، قائلاً  “تتراوح أسعار الإجارات من /70/ ألف حتى /200/ ألف في المناطق القريبة من الجامعة” لهذا يضطر لتقاسم السكن مع عدد كبير من الأصدقاء كي يصبح المبلغ مناسبا لإمكاناته.
أزمة السكن
وحول أزمة السكن القائمة في اللاذقية أجاب الخبير بالشؤون العقارية وأمور البناء المهندس نجيب القاضي، في حديثه لـ”نورث برس” بأن الأزمة تعتبر من أبشع الأزمات المعيشية، يرتبط بها الاستقرار النفسي للفرد ووضع الأسرة عامة، “ولكنها أزمة فرضتها الظروف الاستثنائية للبلد وغياب التسعير الرسمي”.
وتابع نجيب بأن أسعار المواد المتأرجحة كان الحجة الأساسية التي يتذرّع بها مالكوا العقارات لقبض أموال أكثر، إضافة إلى قلة العرض في مقابل زيادة الطلب على السكن في ظل موجة النزوح ـ بشكل غير متوقع ـ التي فرضتها الظروف الغير عادية.
الحلول المقترحة
أما عن الحلول فيرى نجيب أنه رغم صعوبة الحل لكن “لابد من تمكين الرقابة الرسمية للدولة على السوق العقارية منعاً للفوضى والاستغلال غير الإنساني وتفعيل دور الجمعيات السكنية بشكل أكبر وأسرع والسيطرة على أسعار المواد”.
وهكذا تبقى مشكلة السكن مشكلة عامة السوريين في ظل الحصار والأزمة الاقتصادية التي بدأت تعصف بالبلد المنهك بفعل الحرب بدءاً بالتدمير والهدم واستنزاف الموارد وانتهاء بالاستغلال والاحتكار لدى البعض، وحتى تدور العجلة الاقتصادية والبدء بإعادة الإعمار سيبقى المواطن السوري رهين هذه الأزمات الاقتصادية والأخلاقية.