كوباني ـ سلافا يونس ـ فتاح عيسى/NPA
تعتبر ظاهرة زواج القاصرات من الظواهر الاجتماعيّة المتزايدة. حيث يعرف القاصر بأنه الجاهل الذي لا يدرك الأمور بشكل جيد، وقانونياً يعتبر الشخص الذي يبلغ من العمر أقل من /18/ عاماً قاصراً.
ويعود سبب انتشار هذه الظاهرة إلى عدة عوامل منها، الظروف الاقتصاديّة المتردية، إضافةً إلى الجهل المتفشّي في المجتمعات، حول عواقب ومخاطر هذا الزواج.
فعدم الوعي الفكري، وفهم الأمور بصورةٍ مُغايرة لما هي عليه في الواقع، وذلك من خلال اعتقادهم بأنّ زواج الفتيات القاصرات هو تحصين لهُنّ وسترة، أمر غير صحيح، حيث يعتبر تدميراً لبراءة الأطفال وضياع مستقبلهم وتعليمهم، بسبب عدم نضوجهم، وإحاطتهم بالمعنى الحقيقي للزواج وما يتبعه من أعباء ومسؤوليّات.
الفقر
الكثير من العائلات تقوم بتزويج فتياتها بعمر قاصر (صغير) بسبب فقر الحال والطمع بالمال.
“لا يعلم بمرارة الزواج المبكر إلا من عاش هذه التجربة”، بهذه العبارة بدأت أمل (فتاة من كوباني) تروي قصتها لـ”نورث برس” وتتابع أمل “تزوجت بسن /15/ عندما قام أهلي بإقناعي بأن الزواج سترة وليس لي سوى بيتي وزوجي هو فقط من سيلبي طلباتي التي لم تكن تلبى غالباً”.
وأضافت (رافضة ذكر اسمها) الكامل، “عانيت الكثير من المشاكل الصحية لعدم قدرتي على فهم الزواج وكيفية التعامل مع ذلك الأمر، وازدادت معاناتي عندما أنجبت طفلا وأنا بعمر الـ16 لعدم معرفتي وقدرتي على التعامل مع هذا الطفل” وتقول “كيف لطفلة أن تربي طفلا”.
العادات والتقاليد
كان الخضوع للعادات والتقاليد دور كبير في انتشار هذه الظاهرة، كعادة “ابن العم أولى من الجميع بابنة عمه” ولا تستطيع الفتاة رفض ذلك.
دنيا فتاة من مدينة كوباني/عين العرب تبلغ من العمر /23/ عاما تقول لـ”نورث برس” بأنها كانت طفلة وكبرت على فكرة أن “ابن عمي هو خطيبي ولا أستطيع رفضه أو الزواج من غيره”.
وتتابع: “تزوجته في عمر الـ/15/ومررت بالكثير من المتاعب التي أدت إلى فشلي في زواجي وعدم قدرتي على المحافظة عليه، ولكن بسبب طفليي والعادات لم أستطع التخلي عن هذا الزواج ومضى الوقت هكذا رغم عدم تقبلنا لبعض”.
وتكمل “لم نكن نشبه بعضنا ولم نتفق يوما ولم نعش يوم جميلاً، فهو كان سيئ المزاج جدا ويفرض نفسه في كل شيء”.
فتاة أخرى كانت تلعب خارج المنزل مع الأطفال ليأتي والدها ويخبرها بأنها سوف تتزوج من ابن عمتها.
ريم فتاة تبلغ من العمر /12/ عاماً من كوباني تقول لـ”نورث برس”: وأنا ألعب خارجا مع الأطفال ذات يوم، أدخلني أبي إلى البيت، ليخبرني بأنني كبرت ويجب أن أتزوج بابن عمتي.
وتتابع ريم “بالطبع رفضت وبكيت لأنني لم أكمل لعبتي مع أصدقائي إلا أنني تأقلمت مع قول والدي وتقبلت ما قاله”.
تكمل: “زواجي كان مليئاً بالمشاكل الصحية بالنسبة لي، وهو يرجع لعدم اكتمال نموي الجسدي وقد أخبرني الدكتور حينها بأنني لا أصلح للزواج لعدم نضوجي جسديا ولم أكن بالغة بعد”
وتضيف:”لكن أكملت حياتي الزوجية وأنجبت أطفالا ووالدة زوجي هي من ساعدتني في تربيتهم، وفي أول ولادة لي أخبرني الطبيب أني قد أصبح عقيم بعد ذلك وقد أخسر الجنين أو أخسر حياتي لأنني صغيرة جدا ولكن لم يحدث شيء، إلا أنني وجدت الكثير من الآثار السلبية نفسيا وجسديا”.
ضحايا الحب
كثيرا ما تكون القاصرة ضحية الحب، حيث تنساق وراء “حب في مرحلة المراهقة” لتتزوج في عمر صغير ما يثير مشاكل لم تكن لتتوقعها عند انسياقها.
فتاة أخرى في سن الـ/14/ (رفضت أن نذكر اسمها) تزوجت بفتى بسن الـ/16/ على مبدأ الحب، بينما يعارض أهل الفتى هذا الزواج، وهنا بدأت المشاكل.
تخبرنا الفتاة “لم يستطع زوجي أن يدافع عني بكلمة لأنه لم يكن يعمل، وأهله كانوا يصرفون علينا”.
وتتابع “بقينا متزوجين لثلاثة أشهر، وذات يوم تجادلنا وأدى جدالنا إلى مشكلة كبيرة جدا بغض النظر عن جميع الخلافات الأخرى وعدم رضى والديه بالزواج، مما أدى بي للذهاب إلى بيت أهلي وبعد فترة أدركت بأنني حامل فلم يقبلوا بي بينهم، وبقيت بمنزل والدي حتى يوم ولادتي بتوأم”.
تكمل الفتاة، “عندما ولدت جاءت والدة زوجي وأخذت الطفليين حتى أنني لم أرى أطفالي دون أن أي اكتراث لأمري”.
الجانب القانوني
ولمعرفة الرأي القانوني حول هذه الظاهرة التقت “نورث برس” بالرئيسة المشاركة للمجلس التشريعي في إقليم الفرات ( تقسيم إداري يضم تل أبيض وعين عيسى وكوباني/عين العرب) فوزية عبدي التي أوضحت أن المجلس أصدر في آب/أغسطس 2015 قانونا خاصا بالمرأة من ثلاثين مادة، مشيرة إلى أن المادة رقم /24/ تضمنت منع تزويج الفتاة قبل إتمامها الثامنة عشرة من عمرها.

وبحسب قانون المرأة فإن عقوبة ولي أمر الطفلة التي يتم تزويجها قبل سن /18/ هي السجن عاما كاملا على الأقل ويتم إبطال الزواج، وتعتبر دار المرأة هي الجهة المخولة بمتابعة هذا القانون وتطبيقه، رغم الصعوبات التي تواجه تنفيذه في المجتمع بسبب العادات والتقاليد.
وأكدت عبدي أن الهدف من إضافة البند الخاص بمنع تزويج القاصرات في القانون هو نشر الوعي بين المجتمع بمضار وسلبيات الزواج المبكر، إضافة إلى أن هذا الزواج يؤثر على حق الفتيات في متابعة تعليمهم.
لأنه من الممكن أن تصبح هذه الطفلة أم لطفلة أخرى وتتحمل مسؤولية تربيتها والاهتمام بها، في الوقت الذي تكون هي بحاجة إلى الاهتمام والرعاية، حسب قول عبدي.
وتقوم دار المرأة بتلقي الشكاوى المتعلقة بالمرأة بشكل عام ومن ضمنها الشكاوي المتعلقة بزواج القاصرات، حيث تنسق الدار مع المحكمة وهيئة المرأة للتدخل في مثل هذه الحالات ومنع زواج القاصرات.
ازدياد حالات الطلاق
وتوضح الإدارية في دار المرأة بكوباني، شاها علي، أن معظم حالات الطلاق التي تحدث في كوباني، يعود سببها للزواج المبكر، مشيرة أن هناك نساء في عمر /20/ عاماً يراجعون الدار بسبب المشاكل الزوجية.

وتشير علي إلى أن الزواج المبكر يؤثر سلباً على الوعي الاجتماعي للفتاة، التي لا تستطيع التأقلم مع المسؤوليات المترتبة عليها بعد الزواج.
وتضيف “الزواج بحاجة إلى مستوى وعي ونضوج فكري وجسدي، وهو ما لا يتوفر عند الفتاة القاصر”، مشيرة إلى أن أسباب الزواج المبكر ومشاكلها تقع على عاتق أهل الفتاة بالدرجة الأولى الذين يريدون تزويج أطفالهم بحجة “السترة”، لكنهم يندمون عندما تتطور المشاكل بين ابنتهم وزوجها وتصل لمرحلة الطلاق.
ورغم وجود عدة حالات لزواج القاصرات في مدينة كوباني وريفها، إلا أن معظمها يحدث بدون معرفة دار المرأة بها، والتي تدخلت لإيقاف خمس حالات زواج قاصرات في المدينة خلال عام 2018، وتعمل جاهدة للحد من زواج القاصرات، على حد قول الادارية في الدار.
وتشير عبدي إلى حالة إحدى الفتيات التي تم تزوجيها وهي بسن /14/ عام لشاب موجود في دولة مجاورة، حيث تطلقت الفتاة بعد أشهر من الزواج، نتيجة المشاكل التي حدثت بين الفتاة “الطفلة” وزوجها، مؤكدة أن الزواج المبكر تسبب بعدة حالات وفاة بين الفتيات أثناء الولادة.
وتؤكد عبدي أن الدار تواجه مشكلة إخفاء المعلومات المتعلقة بسن الفتيات أثناء تزويجهن، فيضطر للرجوع إلى السجلات المدنية للتأكد من أعمارهن، وفي حال ثبوت أن عمر الفتاة أقل من /18/ يتم تحويل القضية إلى المحكمة ويتم سجن ولي أمر الفتاة والشخص الذي قام بعقد الزواج، إضافة إلى العريس في حال علمه بأن سن الفتاة أقل من /18/ عام.
وناشدت عبدي أهالي الفتيات بالوقوف ضد هذه الظاهرة التي تؤثر على الفتاة بالدرجة الأولى من الناحية الجسدية والنفسية، إضافة إلى التأثير على عائلتها في حال حصول الطلاق المبكر، مؤكدة أن هذه القوانين هي لصالح المجتمع بالدرجة الأولى.
ووفقًا لصندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن العوامل التي تشجع زواج الأطفال تشمل الفقر وعدم المساواة بين الجنسين وإبرام صفقات الأراضي أو الممتلكات وتسوية المنازعات. إضافة للسيطرة على الحياة الجنسية للفتاة وحماية شرف الأسرة، والعادات والتقاليد وانعدام الأمن خصوصًا أثناء الحروب. وهناك عوامل أخرى مثل الروابط الأسرية التي يكون فيها الزواج طريقة لتوطيد العلاقات بين الأسر.