القاهرة- محمد أبوزيد- NPA
لم تكن إيمان.ح اللاجئة السورية في مصر, تتوقع أن تجد نفسها في أروقة المحاكم تُدافع عن حقها في إثبات زواجها من الشخص الذي اختاره قلبها وتزوجته زواجاً شرعياً أمام الأهل والأصدقاء.. بل إنها لم تكن تتوقع أن يأتي اليوم الذي تسعى فيه لإثبات نسب ابنها إليها وزوجها، وأن تضطر لمقاضاته, وبمباركته, لإثبات حقيهما في إثبات الزواج.
تضاعفت متاعب إيمان ومعاناتها في بلد اللجوء ، بين ظروف الغربة ومتاعب الحياة، وظروف شديدة التعقيد، فذاك طفل محروم من حقوقه المدنية، ينتظره مستقبل مجهول، والسبب أن إيمان وزوجها حالت بينهما التعقيدات الإدارية والسياسية لإثبات زواجهما.
“بلا هوية”
بدأت القصة عندما تزوجت إيمان (20عاماً) من شاب سوري التقته في مصر وأتما زواجهما شرعاً بمباركة الجميع، لكنهما ولعدم استطاعتهما الحصول على الإقامة, لأسباب متعددة, من بينها أنهم دخلوا بطريقة غير شرعية إلى مصر، وكذا لارتفاع تكلفة التسجيل، فشلا في أن يسجلا زواجهما، فتم الزواج بـ “كتاب شيخ”.
عاش الزوجان حياة طبيعية في مصر، حتى أنجبا طفلهما الأول، لتلاحقهما المشاكل والأزمات.. أول تلك المشاكل مرتبطة بعدم استطاعتهما تسجيل طفلهما ونسبه إليهما، فصار الطفل بلا هوية، ومُهدد بالحرمان من حقوقه المدنية، وحقوق اللاجئ التي يكفلها إليه القانون الدولي.
تقول إيمان لـ”نورث برس”: كلما ذهبت إلى الوحدة الصحية أو المشفى لإعطاء المولود التطعيمات الدورية، واجهت صعوبات كثيرة جداً، لأنه بلا شهادة ميلاد تثبت هويته. مضيفةً أن المولود مُهدد بالحرمان من التعليم عندما يكبر، لأنه مجرد من حقوقه المدنية.
قضايا مشابهة
“حالة إيمان ليست الوحيدة من نوعها.. أنا شخصياً توليت مئات القضايا المشابهة لتلك الحالة، وأقول مئات الحالات ليس من باب المبالغة ولكن هذه هي الحقيقة فعلياً.. وهناك أربعة أو خمسة محامين مصريين يعملون في قضايا السوريين، تولوا قضايا مشابهة بالمئات كذلك”، يقول المحامي المصري المختص بقضايا السوريين في مصر عصام حامد، في حديث خاص مع “نورث برس” من العاصمة المصرية “القاهرة”، شرح خلالها تلك الأزمة التي يعاني منها “المئات” ولربما أكثر، من اللاجئين السوريين في مصر.
ويتابع حامد: “هذه الحالات كثيرة ومُتعددة، الزواج يتم بعقد شيخ لعدم تمكن الزوجين من تسجيل الزواج بعقد رسمي, لأنهما في الغالب ليسا مسجلين رسمياً في مصر, عقد كتاب الشيخ يشبه إلى حد ما عقد الزواج العرفي في مصر، وغير معترف به في المعاملات الرسمية، بالتالي تظهر مشكلة إثبات الزواج، ومشكلة إثبات النسب بعد ذلك إن أنجبا طفلاً، وما يترتب على ذلك من مشكلات واسعة تواجه الزوج والزوجة والابن بخاصة الأخير الذي يُحرم من حقوقه المدنية ويكون بلا هوية كأنه لم يولد بعد!”.
ويستطرد: “المحاكم المصرية لدى تقديم دعاوي إثبات زواج أمامها من هذا النوع من قبل السوريين تقضي بعدم الاختصاص وتُحيل إلى مكتب زواج الأجانب بوزارة الخارجية المصرية, ولإثبات زواج الأجانب فإن السوريين بحاجة إلى شهادة من سفارة بلدهم بعدم الممانعة، والحصول على تلك الشهادة صعب بالنسبة لكثير من الحالات التي هي بدون إقامة أو ممن لديهم مشاكل –بعضها سياسية- مع السفارة، وبالتالي تتعقد مسألة إثبات الزواج”.
ويضيف حامد “من ضمن المستندات المطلوبة من قبل السفارة أن يقدم الزوج ما يفيد أدائه للخدمة العسكرية، وهو ما لا يتوافر بالنسبة لكثير من الشبان السوريين، الذين لا يتعاملون مع مكتب زواج الأجانب لفشلهم في التعامل مع سفارة بلدهم التي تضعهم في المخنق وأمام متطلبات لا يقدرون عليها.
ويؤكد أن خلال العامين الماضيين القضاء المصري صار يرفض تلك النوعية من القضايا، بخاصة أمام محكمة درجة الأولى ، وحتى بعد أن يتم تقديم استئناف أمام أكثر من محكمة فقليل جداً من القضايا التي يتم قبولها ، ويقدر حامد نسبتها بـ 10% من القضايا.
وينهي المحامي المصري المختص بقضايا السوريين في مصر عصام حامد حديثه مع قائلاً “في شهر واحد قدّمت /15/ قضية إثبات نسب لموكلين سوريين، واحدة فقط منهم من تم قبولها، والباقي تم رفضها, مشيراً أن قضية إثبات النسب التي يتم قبولها تستغرق في المحكمة فترة قد تصل إلى ستة أشهر، وطيلة تلك الفترة وحتى قبول القضية –إن تم قبولها- يظل الطفل محروماً من حقوقه المدنية، ويظل آخرون –ممن لم تقبل قضيتهم- مهددون بالحرمان الدائم من حقوقهم المدنية، لأنهم بلا هوية”.
وكانت الحكومة المصرية قالت في تقرير عن آخر إحصائية لها، في نيسان 2017، إن عدد اللاجئين السوريين على أراضيها، المسجلين في مكتب مفوضية اللاجئين، بلغ /120/ ألف سوري بينهم /52/ ألف طفل، لكن العدد الفعلي يفوق النصف مليون.
بينما تشير الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن /54/ في المئة من اللاجئين السوريين في مصر يعيشون تحت خط الفقر، وأن /20/ في المئة منهم عاطلون عن العمل.