ماذا تعني الحرب في أوكرانيا بالنسبة لأردوغان؟

محمد سيد رصاص

ضاقت السبل أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالسنوات الثلاث الماضية في لعبة رقص الحبال التي مارسها بين الكرملين والبيت الأبيض منذ لقائه مع الرئيس فلاديمير بوتين في موسكو بيوم 9 آب 2016 بعد ثلاثة أسابيع من محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة ضده، والتي اتهم بعض معاوني أردوغان، وصحف مقربة منه، الأميركان بالضلوع فيها.

منذ عام 2019 كان أردوغان وبوتين في موقعين متضادين بليبيا، وفي الحرب الأذربيجانية – الأرمنية بخريف عام 2020 كانا في طرف نقيض لبعضهما البعض، وفي سوريا تباعدا كثيراً بعد اتفاقهما في 5 آذار 2020 الذي أوقف المجابهة العسكرية التي حصلت آنذاك بمحافظة إدلب بين قوات السلطة السورية والمعارضة المسلحة، وبالمقابل فإن هذه التباعدات التركية- الروسية لم تقد إلى تقارب تركي- أميركي ولا إلى ترطيب الأجواء بين أنقرة ودول الاتحاد الأوروبي.

هنا، من يراقب الأيام التي مضت عن يوم 24 شباط 2022 عندما نشبت الحرب في أوكرانيا يلاحظ مدى تحسن وضع أردوغان من حيث قدرته على المناورة بين موسكو وواشنطن بحكم حاجة الطرفين لتركيا في حرب جغرافيتها الساحة الأوكرانية ولكن الطرف الفعلي للمجابهة هما واشنطن وموسكو، فيما الأوكرانيون وقودها. وفعلاً، منذ الأيام الأولى للحرب أخذ الرئيس التركي وضعية “الوسيط المحايد”، وكانت تركيا هي الدولة الوحيدة في حلف الأطلسي- الناتو التي لم تشترك في عملية العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، ورغم أن أنقرة قد أغلقت المضائق أمام السفن الحربية الروسية الخارجة من البحر الأسود دون الداخلة إليه ومنعت الطائرات الروسية المحملة بالجنود والعتاد العسكري من التحليق في الأجواء التركية ورغم أنها قد زودت أوكرانيا بالطائرات التركية المسيرة من طراز بيرقدار، فإن الروس كانوا في وضع من العزلة الدولية لا يستطيعون، رغم كل ما سبق، رفض اليد التركية الممدودة التي تمظهرت بمظهر الوسيط الذي استضاف جولة محادثات يتيمة بين الروس والأوكران، ولا رفض العرض التركي بالمشاركة مع الروس والأوكران في نزع الألغام البحرية من أمام السواحل الأوكرانية من أجل تيسير الملاحة أمام البواخر التي ستحمل القمح الأوكراني المكدس في المستودعات، في ظرف بوادر لأزمة غذاء عالمية بسبب الحرب في أوكرانيا، وعلى أن ترافق البحرية التركية تلك السفن حتى خروجها من مضيقي البوسفور والدردنيل.

في هذا الصدد، كانت الذروة في عملية لعب أردوغان على الحبال الأميركية- الروسية عندما احتاجه البيت الأبيض والكرملين معاً في موضوع طلب انضمام فنلندا والسويد للناتو، حيث يريد الأميركان بشدة أن لا يمارس أردوغان الفيتو ضد انضمامهما ويريد الروس بالمقابل وبشدة أن يمارس الرئيس التركي ذلك الفيتو، ومن الواضح أنه يباذر ويناور ويساوم كلا الطرفين في نفس الوقت وفي لعبة علنية ومكشوفة، وهو يريد من هذه اللعبة أثماناً مرتفعة منهما، إحداها قضم تركي لأراضي سورية جديدة.

من جهة أخرى، فإن الرئيس التركي يشعر بوحدة حال مع بوتين من حيث عدم الرضا تجاه الخريطة الجغرافية القائمة لبلديهما، وهما من القلائل الذين يترأسون دولاً، هي عضوة في الأمم المتحدة، ولها مطالبات جغرافية في دول أخرى، أو تستغل أوضاع أبناء قوميتها، مثل الروس في إقليم دونباس الأوكراني أو التركمان في سوريا والعراق، من أجل فرض أوضاع جغرافية جديدة تتجاوز الخرائط القائمة، وليس صدفة أن يتحدث بوتين في خطاب ألقاه قبل ثلاثة أيام من غزوه لأوكرانيا عن الأخيرة بوصفها “دولة مصطنعة.. صنعها لينين”، ولا أن يتكلم بصراحة وعلناً قياديون في حزب أردوغان، أو صحافيون وكتاب موالون له، عن أن تركية بعد يوم 24 تموز 2023 هي في حل من معاهدة لوزان بعد انقضاء مائة عام على التوقيع عليها، تلك المعاهدة التي أقر فيها الأتراك بأن ليس لهم “حقوق أو مطالب ملكية فيما يخص الأراضي الموضوعة خارج الحدود المرسومة في هذه المعاهدة”، أي تلك المعاهدة التي تأسست الجمهورية التركية على أساسها بعد ثلاثة أشهر، وهو ما يعني منذ الآن فتح صراع جغرافي مفتوح من قبل الأتراك مع  كل دول الجوار، ويبدو أن الطلقة في ذلك المنحى هي ما تعنيه تحركات أردوغان ومشاريعه لتوطين اللاجئين السوريين المقيمين داخل تركيا في شريط شمالي سوري يحاذي الحدود التركية بالترافق مع حديثه عن “منطقة آمنة”، وتدخل في سياق ذلك محاولاته المحمومة الراهنة لأخذ ضوء أخضر من كلا الروس والأميركان معاً مستغلاً اللحظة الأوكرانية من أجل القيام بغزو جديد للأراضي السورية إما مباشرة أو بالوكالة معتمداً على تابعيه السوريين في الفصائل العسكرية المعارضة، وبعد ذلك يمكن أن يفكر في الضم لتلك الأراضي بنفس السيناريو الذي اتبع في شبه جزيرة القرم عام 2014، أو السيناريو الذي يجري الآن الإعداد له في دونباس ومدينة خيرسون، أي استفتاءات تجري تحت الحراب بعد السيطرة العسكرية من أجل ضم السكان المعنيين لدولة صاحب الدبابة الغازية.